تفكك الأسر المهاجرة ظاهرة تقلق السلطات التونسية

قضايا الخلافات وانتزاع الأطفال في ارتفاع لدى جزء من العائلات المقيمة بالخارج.
الجمعة 2024/01/19
تأهيل الأسر المهاجرة مسألة ضرورية

لا يختلف واقع عدد من الأسر التونسية المقيمة في الخارج عن تلك المقيمة في تونس من حيث إشكاليات العنف الأسري والخلافات الزوجية وانتزاع الأطفال. وكشفت بيانات لديوان التونسيين بالخارج أن قضايا الخلافات وانتزاع الأطفال في ارتفاع لدى جزء من العائلات التونسية المهاجرة، وخصوصا المتواجدة في بلدان أوروبا الغربية. ويعمل الديوان على توعية العائلات بقانون الأسرة وقانون حماية الطفل بالخارج لتعزيز تماسكها.

تونس - تبدي السلطات التونسية قلقا تجاه التفكك الأسري الذي تعيشه بعض العائلات في دول المهجر نتيجة للعنف الأسري وما ينجر عنه من انتزاع للأطفال، والذي قد يصبح نهائيا إذا استمرت الخلافات بين الأزواج.

وقال المدير العام لديوان التونسيين بالخارج منير الخربي إن الأرقام المتعلقة بانتزاع الأطفال الناجم عن التفكّك الأسري والخلافات الزوجية لدى جزء من العائلات التونسية المقيمة بالخارج أصبحت في ارتفاع، مؤكدا أن الديوان يسعى من خلال الملحقين الاجتماعيين بالخارج إلى فض تلك الخلافات وحماية الأطفال والمساهمة في تحقيق التماسك الأسري.

وأكد الخربي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن العدد الإجمالي للأطفال المنتزعين والموضوعين في المراكز الاجتماعية بالخارج نتيجة الخلافات الزوجية والعنف الأسري بلغ حاليا 56 طفلا، مفيدا بأنهم محلّ متابعة مستمرة من قبل الملحقين الاجتماعيين لإعادتهم إلى ذويهم.

وأوضح الخربي أن فترات الانتزاع المؤقت للأطفال من العائلات التونسية المقيمة بالخارج التي تشهد خلافات زوجية وعنفا زوجيا، تتراوح بين الشهرين وستة أشهر، لافتا في هذا الصدد إلى أن “انتزاع الأطفال قد يصبح بشكل نهائي لاسيما في دول أوروبا الغربية في حال تعذّر فض الخلافات الزوجية وأصبحت تلك الخلافات مهددة لسلامة الأطفال”.

لطيفة التاجوري: انتزاع الأطفال من ذويهم يعمق الهوة بين الزوجين
لطيفة التاجوري: انتزاع الأطفال من ذويهم يعمق الهوة بين الزوجين

وبسؤاله عن واقع العائلة التونسية المقيمة بالخارج، قال منير الخربي إن الأوضاع الاجتماعية للأسر التونسية بالخارج تتأرجح بين “المتوسط والجيّد” على مستوى التماسك الأسري، مشيرا إلى وجود إشكاليات تتعلّق بالعنف الزوجي والعنف ضد المرأة وانتزاع الأطفال لدى جزء من تلك العائلات، خاصة في أوروبا الغربية، وذلك من خلال تحليل أنشطة الملحقين الاجتماعيين وعددهم 57 ملحقا.

وأوضح أن تنظيم الندوة الوطنية حول العائلة المهاجرة يندرج ضمن جهود الديوان التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية لتشخيص واقع العائلات التونسية بالخارج والعمل على توعيتها بقانون الأسرة وقانون حماية الطفل بالخارج لتعزيز تماسكها والحدّ من الإشكاليات المتعلقة بالتفكّك الأسري الذي يؤدي إلى انتزاع الأطفال.

وقالت حنان التابعي، المختصة في علم الاجتماع، إن ظاهرة سحب الأطفال من محيطهم الأسري وارتفاع قضايا الخلافات وانتزاع الأطفال لدى التونسيين بالخارج يؤكدان أن الهجرة إلى البلدان الأوروبية التي يحلم بها الشباب التونسي لا تمثل الحل السحري للمشاكل التي يعانون منها في المعيش التونسي، حيث يعاني العديد من أبناء الجالية التونسية بالخارج مشاكل عديدة من أهمها التفكك الأسري، ولعل ذلك يرجع إلى اختلال في فهم الأدوار وكيفية تقاسمها بين الشريكين في إطار ثقافة ومعايير مجتمعية مختلفة عن البيئة التي نشآ فيها.

وأضافت في ترصيح لـ”العرب” أن العديد من المهاجرين وأبناءهم يعانون من مشاكل تتعلق بمسألة الهوية والاندماج في محيطهم وإشكاليات أيضا في التعامل مع الإدارة. وهي تخلف لهم ضغوطا نفسية تتحول في أحيان كثيرة إلى صراعات داخل الأسرة أو داخل المجتمع. كما يعاني العديد من التونسيين في فرنسا خاصة من الاغتراب الراجع إلى شعورهم بأنهم يعاملون في الدول الأوروبية كأجانب، ويعاملون في تونس كأجانب أيضا وهو ما يجعلهم يشعرون بمشاعر التهميش والعزلة وأنهم في حالات قلق واضطراب تجعلهم أقرب إلى الهشاشة الأسرية والاجتماعية.

وأفاد الخربي بأن ديوان التونسيين بالخارج سيركّز عمله خلال الفترة المقبلة على المزيد من تكوين الملحقين الاجتماعيين التابعين له في مجال تدخلاتهم لفض الخلافات الزوجية وحماية الأطفال وتوفير الحماية الاجتماعية للجالية التونسية بالخارج، مشيرا إلى أن الملحقين الاجتماعيين عالجوا خلال تدخلاتهم العام الماضي 1430 خلافا أسريا، إضافة إلى متابعتهم لملف 1320 طفلا قاصرا هاجروا بشكل غير نظامي إلى دول أوروبية.

من جهته، قال رئيس ديوان وزير الشؤون الاجتماعية رفيق بن إبراهيم إن تدخلات الملحقين الاجتماعيين بلغ السنة الماضية أكثر من 25 ألف تدخل لحلّ النزاعات في مجالات مختلفة على غرار الخلافات داخل العائلة وقضايا انتزاع الأطفال من ذويهم، إضافة إلى نزاعات الشغل والضمان الاجتماعي وتصفية الإرث التي تجاوزت 1900 ملف، وقضايا الهجرة غير النظامية.

◙ العدد الإجمالي للأطفال المنتزعين والموضوعين في المراكز الاجتماعية بالخارج نتيجة الخلافات الزوجية بلغ حاليا 56 طفلا

وشدد على ضرورة تنسيق الجهود مع مختلف الهياكل العمومية والشركاء من المجتمع المدني لمواجهة الصعوبات التي تعترض جزءا من العائلات التونسية المقيمة بالخارج والتصدي للظواهر الاجتماعية المستجدة على غرار العنف ضد المرأة والتفكك الأسري وما ينجر عنه من انتزاع للأطفال من ذويهم.

وفي عام 2021 أعاد ديوان التونسيين بالخارج تفعيل عمل اللجنة الفنية للأطفال المنتزعين من عائلاتهم بالخارج بعد توقف أعمالها منذ سنة 2017، وفق رئيس متابعة الفضاءات بالخارج في الديوان شهاب بربورش. وكشف بربورش أن اللجنة الفنية للأطفال المنتزعين في الديوان عقدت اجتماعا تمهيديا في ذلك الوقت بمشاركة العديد من الأطراف، منها وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة المرأة والأسرة وكبار السن ووزارة العدل وأيضا المرصد الوطني للهجرة.

وتطرق هذا الاجتماع التنسيقي إلى ملفات سبع أسر تونسية مقيمة في فرنسا وإيطاليا وألمانيا قامت بالتشكي لدى القنصليات التونسية بالخارج بسبب قرار الانتزاع المؤقت لأطفالها نتيجة خلافات عائلية. وأكد بربورش أن اللجنة أرسلت إلى الملحقين الاجتماعيين بتلك البلدان المعنية جذاذة فنية قصد الحصول على معلومات حول الأطفال المنتزعين وأسرهم وحول ظروف إقامتهم ووضعهم المادي لمتابعة ملفاتها.

كما خططت اللجنة الفنية المذكورة للقيام بحملات تحسيسية بالمراكز الاجتماعية والثقافية التابعة لديوان التونسيين بالخارج (دار التونسي) لتعريف العائلات التونسية المقيمة بالخارج بالقوانين المتعلقة بحماية الطفل بالخارج. وأوضح بربورش أن الحملات التحسيسية تنظم عادة بمشاركة رجال قانون ومحامين مختصين وترتكز على توعية الأسر التونسية بالخارج بالقوانين ذات العلاقة وبمخاطر الخلافات الأسرية على مصير أطفالها.

وتهدف هذه الحملات التحسيسية إلى التعريف بالتشريعات الأجنبية في مجال حماية حقوق الطفل وحالات انتزاع الطفل طبق القانون من أجل المحافظة على التماسك الأسري والمحافظة على الهوية والتقاليد التونسية. ولاحظ أن العديد من الأسر التونسية تجهل التشريعات الأجنبية في مجال حماية حقوق الطفل، وبالتالي فإن بعضها يواجه مشكلة انتزاع الطفل بسبب العنف الأسري الذي ينعكس على سلوك أطفالها القصر لاسيما في المدارس.

وأوضح أن المرشدين الاجتماعيين ببلدان الإقامة المتمتعين بسلطة الضابطة العدلية يمكنهم أن يقرروا انتزاع الأطفال ووضعهم لدى عائلة حاضنة أو في مبيت مخصص للأطفال ضحايا العنف إذا لاحظوا مثلا تقهقر نتائجهم الدراسية أو رصدوا آثار عنف بأجسامهم.

حنان التابعي: التفكك الأسري يرجع إلى اختلال في فهم الأدوار
حنان التابعي: التفكك الأسري يرجع إلى اختلال في فهم الأدوار

وقالت لطيفة التاجوري، المتخصصة في علم الاجتماع وعلوم الجريمة والوقاية من الانحراف، إن من مخاطر العيش في المهجر والتي تؤثر على الأبناء (الجيل الثاني والثالث) ما يتعلق بحماية حقوق الأطفال التي تختلف من بلد إلى آخر، خاصة عندما تكون الأسرة المهاجرة حديثا غير ملمة بالقوانين، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تجاوزات تسلط على الطفل منها العنف الأسري أو العنف المنزلي.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن هذا العنف يدفع الجهات الرسمية في بلد المهجر إلى انتزاع الأطفال من ذويهم، ما يعمق الهوة بين الزوجين ويفاقم مشاكل الأسر التي تعيش حالة تفكك وحالة عنف متزايد. ولفتت التاجوري إلى دور الملحق الاجتماعي الذي ينبغي أن يكون قادرا على الوساطة بين الزوجين وعلى التدخل لحل جل الإشكالات المتعلقة بحماية الأطفال خصوصا، وهو ما يتطلب منه إلماما بالقوانين المنظمة للحياة الأسرية.

ودعت التاجوري إلى “ضرورة تكوين الملحقين الاجتماعين حتى يكونوا قادرين على الوساطة الأسرية وكذلك تأهيل الأسر المستعدة للهجرة وخاصة بعد إنجاب الأطفال، حماية لها من ارتكاب سلوكيات مخالفة لقوانين بلد الإقامة، ما يؤثر على الطفل الحلقة الأضعف”.

بدوره دعا الصحبي بن منصور، الأستاذ الجامعي وأستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة، إلى ضرورة تمسك التونسي بقيم دينه وتغليبه للحوار الأسري فهو الحل لكل المشاكل والخلافات التي لا تخلو منها أسرة.. والاتفاق على الحقوق والواجبات وتقاسم الأدوار داخل الأسرة، والتدرب على نهج التنازل وعدم الذهاب إلى الأقصى في القرارات المصيرية بما يحفظ الجسور سليمة للعودة بعد الانفصال أحيانا، مشيرا إلى أن ضغط العصر واختلاف الديانات والثقافات بين الزوجين قد أدى إلى ظهور بعض المشاكل الأسرية.

وقال بن منصور لـ”العرب” إن حالة الطلاق التي صارت ظاهرة مألوفة لم تعد تمثل مشكلة مقلقة في حد ذاتها بقدر ما تتخذ طابعا خطيرا في حال لجوء أحد الزوجين إلى الانتقام والخروج عن دائرة التعقل وعن الأخلاق المثلى، باعتبار أن الانفصال يمكن أن يكون بالتراضي وفي ضوء مفاهمة لحفظ كرامة الأولاد وسلامة توازنهم النفسي.

لكن السقوط الأخلاقي الناتج عن شخصية انفعالية أو عن ردة فعل غاضبة أو بسبب الإدمان على المخدرات أو على الكحول قد أفضى إلى الهروب بالأبناء من بلد إلى آخر، وما ينتج عنه من ملاحقات أمنية وقضائية بل ومن تناقل للخبر في وسائل الإعلام. وأضاف “نتابع أحيانا جرائم عنف أو قتل بسبب الخلافات الزوجية التي يغيب فيها العقلاء والحكماء من بعض العائلتين لأن المجتمع غير المجتمع والموقع غير الموقع… فالتدخل لإصلاح ذات البين منعدم في المهجر”.

15