ضياع مرضى الزهايمر في تونس يفاقم معاناة أسرهم

تتكرر حالات ضياع مرضى الزهايمر في تونس رغم حرص عائلاتهم على مراقبتهم وتلجأ أغلب العائلات إلى مواقع التواصل الاجتماعي أو للإذاعات الخاصة للإعلان عن ضياعهم، وفي حين يتم العثور على عدد منهم يبقى آخرون مفقودين لمدة طويلة، وهو ما يضاعف من معاناة الأسر. وينصح الخبراء بضرورة مرافقة مرضى الزهايمر لتجنب ضياعهم ويقترحون حملهم لأساور تتضمن أرقام هواتف العائلة .
تونس - لم يكن يدر بخلد إبراهيم المناعي أنه سيأتي يوم ولا يرى أباه البالغ من العمر 70 عاما لمدة ثلاث أيام متتالية وهو الذي لا يتوانى عن مراقبته ليلا ونهارا وتوفير كل سبل الراحة له حتى لا يشعر بالقلق والضجر، وفق ما طلبه منه الطبيب في آخر زيارة له.
ويقول المناعي لـ”العرب” كنت دائما أخشى هذه اللحظة حتى عشتها فأبي تراجعت مداركه منذ حولي ثلاث سنوات وأصبح لا يعرفنا بسهولة، كما أنه نسي مقر سكنه وكل التفاصيل عن الحي الذي عاش فيه عمره كله. وشخّص الطبيب مرضه بفقدان الذاكرة التدريجي حتى أصبح مصابا بفقدان الذاكرة الكلي “الزهايمر”.
وأضاف أنه بفضل إعلان ضياع نشره على صفحته على موقع فيسبوك تمكن من العثور على والده بعد أن اتصل به شاب يبلغ من العمر حوالي 30 عاما وأبلغه أن عثر على أبيه تائها في أحد أزقة العاصمة ولا يعرف كيف يعود إلى مقر سكناه ولا يحمل معه ما يثبت هويته أو هوية أحد أفراد العائلة.
وتابع “ذات يوم بينما كنت أتفقد والدي كالعادة لم أجده في فراشه.. شككت في الأمر ثم لما رأيت الباب المطل على الشارع مفتوحا تيقنت أن أبي غادر البيت في ساعات الصبح الباكر ولم يعلمنا.. وبدأت رحلة البحث عنه حتى عثرت عليه بفضل نشر صورته على فيسبوك ومعها رقم هاتفي ورقم هاتف زوجتي”.
تونس سجلت 70 ألف حالة إصابة بالزهايمر بينما يتوقع المتخصصون أن ترتفع حالات الإصابة بالمرض لتبلغ 100 ألف في غضون عام 2025
وإن كان إبراهيم قد تمكن من العثور على والده فإن محمد الشابي قد اختفى والده قبل أكثر من ستة أشهر، ولم يتمكنوا من العثور عليه حتى الآن، وقال الشابي إنهم لم يتوقعوا أن يصل به الأمر إلى نسيان مكان إقامته، ورغم تكرار محاولات البحث، ونشر صوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم يتم إيجاده. وأضاف أنهم اتصلوا بالسلطات الأمنية لتتولى مهمة البحث عنه.
وتواجه العديد من العائلات التونسية التي لديها فرد مصاب بالزهايمر مشاكل مختلفة، أبرزها ضياع المريض، وليس ذلك بسبب قلة الوعي بخطورة المرض، وإنما لأن الحالة قد تتطور فجأة إلى فقدان ذاكرة كامل، وعدم القدرة على تذكر مقر السكن، أو حتى الاسم.
وتلجأ العديد من العائلات إلى مواقع التواصل الاجتماعي لنشر صور المتغيبين، ونداءات للبحث عنهم، وعادة ما يمكن العثور على الأشخاص، في حين تتواصل عمليات البحث عن آخرين لأشهر، وقد لا يعثر البعض على ذويهم الذين يظلون مفقودين.
ومنذ ثلاثة أشهر نشر طبيب القلب التونسي ذاكر لهيذب بلاغ ضياع لامرأة مسنة مصابة بالزهايمر وقال في تدوينة على حسابه الرسمي على فيسبوك “عاجل بلاغ ضياع امرأة تبلغ من العمر 80 عاما خرجت على الساعة الثالثة ظهرا من حي النصر (حي راق بتونس العاصمة) ترتدي سروالا وسترة زرقاء وشعرها أبيض اللون من يجدها يتصل على الرقم الموجود مع البلاغ”.
بدورها توجهت عائلة “حياة رجب”، عبر إذاعة الجوهرة أف أم، (إذاعة خاصة) إلى كل من يشاهدها أو يتعرف عليها الاتصال على الرقم (..)
ويُذكر أن المعنية (من مواليد 1966)، غادرت على الساعة السادسة والنصف صباحا مقر سكناها بمدينة المسعدين، من ولاية سوسة (شرق) وكانت ترتدي “جبّة” وهي تعاني من مرض الزهايمر.
ونشر الموقع الرسمي لقناة نسمة (قناة خاصة)، العام الماضي إعلان ضياع لامرأة غير مسنة تدعى “نسيمة” مصابة بالزهايمر غادرت منزلها الكائن بحي الزهور (غرب العاصمة) وهي ترتدي حجابا أسود وكمامة سوداء.
وسجلت تونس في أواخر عام 2016، ما يقارب 70 ألف حالة إصابة بالزهايمر بينما يتوقع المتخصصون أن ترتفع حالات الإصابة بالمرض لتبلغ 100 ألف مصاب في غضون عام 2025.
وتواجه معظم العائلات التونسية التي لديها فرد مصاب بالزهايمر صعوبات كبرى في التعاطي معه لغياب الثقافة اللازمة في التعامل مع المريض، إذ أن العناية بمصابي هذا المرض تتطلب استدامة ومرافقة لصيقة. ويقدم الأخصائيون عدّة نصائح للتعامل مع مرضى الزهايمر تشمل مرافقتهم باستمرار، وعدم السماح لهم بالخروج من البيت بمفردهم، وضرورة أن يحمل المريض قلادة أو أساور تحمل اسمه وأرقام التواصل مع عائلته لتسهيل عملية إيجاده والتعرف على هويته في حال ضياعه. لكن العديد من العائلات لا تتبع النصائح والتوجيهات لعدم توقعهم أن يصل الأمر بالمريض إلى نسيان اسمه أو عنوان إقامته.
وينصح أحمد الأبيض المختص في علم النفس بوضع مريض الزهايمر في بيئة يعرفها حتى لا يفقد اتجاهه وإن كان ذلك حتى داخل البيت الذي يعيش فيه وذلك لتسهيل حياته.
ويؤكد لـ “العرب” على عدم تركه وحيدا في البيت أو عند مغادرة المنزل مشيرا إلى ضرورة مرافقته والتحدث إليه والحفاظ على أشكال التواصل معه حتى لا يتطور المرض بسرعة.
وفي حديثه أشار الأبيض إلى ضياع مسن مريض بالزهايمر تم العثور عليه في مقبرة وكان وجهه ملطخا بالدماء ومن المحتمل أن يكون قد سقط على وجهه. وقال الأبيض إن مريض الزهايمر لا يقدّر خطورة تصرفه.
ويخضع بعض المرضى إلى دورات تدريبية من أجل تنشيط ذاكرتهم. ويؤكد المدرب معز الطريقي أنّ “الدورات التدريبية في تنشيط الذاكرة التي يقوم بها تساعد على عدم النسيان، فتنشيط الذاكرة يساعد على تنمية القدرات في الدراسة والعمل، وفي الحياة الاجتماعية ككل، والفئات العمرية التي تشارك في هذه الدورات يتراوح عمرها بين 14 إلى 75 سنة، ويمارسون عدة تمارين تحفز الذاكرة، ولا يجب على أيّ شخص أن ينتظر الوصول إلى مرحلة فقدان الذاكرة، بل يجب القيام دوماً بأنشطة تحفيز الذاكرة”.
ويضيف “مريض الزهايمر يحتاج إلى رعاية خاصة، ومرافقة مستمرة، لأنّ حالته النفسية تكون أكثر حساسية من أيّ وقت مضى، ولن يتحمل أيّ سوء تصرف أو سوء معاملة، وينبغي التحدث معه باستمرار حتى لا ينسى الكلمات، وهذا يتطلب توعية جميع أفراد العائلات بهذا المرض، وبطريقة التعامل مع المريض، وعلى العائلة الحذر من تركه وحيداً، أو خروجه وحيداً، فقد ينسى طريق العودة إلى البيت، ما يجعله عرضة للضياع”.
وعديدة هي شهادات عائلات مرضى الزهايمر، وتطرح أغلبها مشكلة ضياعهم إن هم همّوا بالخروج إلى الشارع خاصة وأنهم لا يتحكمون بقدرتهم على التفكير والتعريف بأنفسهم، وهو ما جعل من فكرة الأساور التي تحمل أسماء المرضى حلًا لهذا المشكل.
وبغض النظر عن الإحاطة الطبية والنفسية بمرضى الزهايمر، لا بد للعائلة أن تنتبه إلى إمكانية خروجهم من المنزل على حين غفلة وبالتالي التفطن إلى ضرورة تبيان هويّتهم للآخر حتّى يتسنّى التعرف إليهم في حال عجزوا عن العودة إلى منازلهم.
وكانت إعلانات ضياع بعض مرضى الزهايمر التي يشاركها ذووهم على صفحات التواصل الاجتماعي حافزًا للحرفي في صناعة الفضة رضا الجوّادي الذي اقترح صناعة أساور خاصة بهم تمكن من التعرّف على هويّتهم، وذلك في تدوينة نشرها في صفحة “لوست أند فاوند” بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ولاقت استحسانًا من رواد الصفحة.
وقال الجوادي إنّ إعلانات الضياع التي ينشرها أقارب المصابين بالزهايمر بين الفترة والأخرى أثرت فيه ومسّته وكان أن فكّر في حل لمشكلة خروجهم من المنزل خاصة وأنهم لا يتذكرون أسماءهم وعناوينهم في أغلب الحالات. وعلى الأساور، يُكتب اسم المريض ولقبه وعنوانه ورقما هاتفين لفردين من العائلة حتّى يتسنى الاتصال بهما إذا ما تم العثور على المريض في الشارع، وهي طريقة لضمان عودته إلى المنزل بأخف الأضرار، وفق حديثه.
وفيما يخص الإقبال، يشير إلى أنّه صنع عدّة أساور وأن الطلبات تجاوزت محافظة أريانة (تونس الكبرى) حيث يعمل وامتدت إلى محافظات أخرى على غرار سوسة (شرق) ومدنين (جنوب) وأنه تلقى عديد المكالمات منذ أن نشر التدوينة لصناعة أساور لمرضى الزهايمر، بعد أن وجد ذووهم هذا الحل عمليًا. وفي حديثه عن الأساور التي مثّلت حلًا لبعض العائلات التي تؤرقها فكرة التفكير في خروج المريض بالزهايمر إلى الشارع وترعبهم السيناريوهات المترتّبة على ذلك، يؤكّد الجوادي أن لا غاية تجارية له من وراء هذه الفكرة وأن الأمر إنساني بحت.