النهضة تُحاول التهدئة مع قيس سعيد لتفادي العزلة

عكست تصريحات أدلى بها النائب البرلماني والقيادي بحركة النهضة، سمير ديلو، حول الأزمة الدستورية والسياسية التي تعيشها بلاده، تراجعا في لهجة الحركة الإسلامية التي تحاصرها الضغوط ليس بسبب أزمة التعديل الوزاري الذي يرفضه الرئيس قيس سعيد فحسب، بل كذلك بعد تزايد الحديث عن انقسامات داخل حليفها، حزب قلب تونس.
تونس – كثفت حركة النهضة الإسلامية في تونس في الأيام الماضية من تحركاتها التي كانت على أكثر من صعيد بغية إرساء تهدئة مع الرئيس قيس سعيد الذي دخل في مواجهة مباشرة مع رئيس الحكومة، هشام المشيشي، على خلفية التعديل الوزاري الذي أجراه مؤخرا بعد ضغوط مارستها النهضة ورئيسها راشد الغنوشي عليه.
ويبدو أن حركة النهضة الإسلامية بدأت تستشعر خطر تزايد عزلتها مع تردد أنباء مفادها أن انقسامات حقيقية بدأت تعصف بحزب قلب تونس (30 نائبا)، وهو أبرز حلفائها في البرلمان، علاوة على فشل الوساطات الرامية لإذابة الجليد بين قيس سعيد والمشيشي ومن ورائه الغنوشي.
وفي محاولة لرأب الصدع مع سعيد وتفادي تعمق عزلة الحركة دعا النائب البرلماني عن النهضة سمير ديلو الوزراء الذين تحوم حولهم شبهات فساد أو تضارب مصالح، الذين يرفض قيس سعيد أداءهم اليمين الدستورية أمامه، إلى “الانسحاب والاستعفاء وتغييرهم بآخرين كحل للأزمة”.
وقال ديلو في تصريحات لإذاعة شمس المحلية، لا تخلو من مفردات تدعو للتهدئة مع الرئيس سعيد إن “كلام رئيس الدولة محترم ولا حل بالمغالبة.. تونس وصلت إلى أزمة حادة ومازلت أُعول على حكمة البعض”. موضحا أن الأزمة في عمقها سياسية وليست دستورية والتوافق دستوري، وفق قوله.
وتأتي هذه التصريحات لتترجم عمق الأزمة التي باتت تعيشها حركة النهضة الإسلامية التي حاولت المرور بقوة في صراعها مع الرئيس سعيد من خلال دفع المشيشي إلى الإسراع في إجراء تعديل وزاري، شمل 11 حقيبة وزارية، ورفضه سعيد ما جعل هذا التعديل الحكومي يراوح مكانه وسط محاولات للتصعيد من قبل “وسادة المشيشي البرلمانية والسياسية” من خلال إيجاد مؤيدات دستورية وقانونية تضمن نجاح التعديل لكن سعيد رفضها.
وقال سعيد خلال استضافته الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أعرق المنظمات النقابية في البلاد)، نورالدين الطبوبي، الأربعاء، “أجدد تأكيدي على موقفي الثابت المتعلق بالتعديل الوزاري والقائم على احترام الدستور”، وتابع “أرفض الخروقات التي حصلت بناء على نصوص هي دون الدستور مرتبة”.
ويرى مراقبون أن مساعي النهضة للتهدئة مع الرئيس سعيد، وهي ليست وليدة اللحظة حيث سبق وأن حاولت أطراف خارجية على غرار دولة قطر التوسط لحل أزمة سعيد والغنوشي، تأتي في سياق الضغوط التي باتت تحاصر الحركة الإسلامية لاسيما مع تواتر الأنباء حول الانقسامات التي تهز حليفها البارز حزب قلب تونس من الداخل في ظل غياب رئيسه نبيل القروي، الذي يقبع في السجن، بالإضافة إلى تراكم الغضب ضد إدارة الغنوشي للبرلمان حيث يواجه الرجل لائحة جديدة لسحب الثقة منه.
وقال المحلل السياسي، هشام الحاجي، إن “كلام ديلو منطقي حيث يعبد الطريق لحل الأزمة السياسية والدستورية في تونس، لكن يبقى التساؤل مطروحا بشأن مدى تمثيل كلامه لموقف النهضة لأننا نعرف أن ديلو يمثل صوتا مناوئا لرئيس الحركة راشد الغنوشي وهو ما يعني أمرين؛ ديلو يوجه رسالة أن بعض قيادات النهضة لا تتبنى سياسات المغالبة ومحاولة المرور بقوة، ويدل كذلك على وجود إحراج للغنوشي الذي يبدو شأنه شأن الرئيس لا يقبل بأنصاف الحلول في خضم أزمته مع سعيد”.
وأضاف الحاجي في تصريح لـ”العرب” أن “تصريحات ديلو أيضًا قد تكون دعوة للحركة إلى التراجع. وراشد الغنوشي وباقي المجموعة المحيطة به يواصلون المرور بقوة في أزمة التعديل الوزاري، لكن الآن التساؤلات المطروحة هل يقدر ديلو ومن معه على دفع الغنوشي إلى التراجع لتجنب العزلة”.
وتعددت القراءات للأبعاد التي من المرجح أن تأخذها أزمة “اليمين الدستورية” رغم الإجماع حول تداعيات هذه الأزمة على الاستقرار وعمل مؤسسات الدولة حيث بات شبح رحيل حكومة المشيشي من السيناريوهات غير المستبعدة.
وفي هذا الصدد، قال النائب البرلماني عن كتلة الإصلاح الوطني، حسونة الناصفي، “في نهاية المطاف سيكون على حكومة المشيشي الاستقالة ويتحمل رئيس الجمهورية وقتها تبعات هذا القرار أو يبادر رئيس الجمهورية ويطلب عرض الحكومة على جلسة لتجديد الثقة”.
وشدد الناصفي خلال تصريحات أدلى بها الثلاثاء لإذاعة موزاييك المحلية والخاصة، على أن “الحل الأقل خطورة يبقى في الحوار بين المشيشي وسعيد والاتفاق على الأسماء التي يرفضها سعيد والاستغناء عنها”.
وفي سياق القراءة ذاتها، دعا رئيس كتلة تحيا تونس في البرلمان، مصطفى بن أحمد، رئيس الحكومة للقيام بخطوة إلى الوراء من أجل حلحلة الأزمة.
وقال بن أحمد إن المشيشي “أمام خيارين إما انسحاب وزرائه الذين رفض رئيس الجمهورية دعوتهم لأداء اليمين الدستورية أو أن يُرجع الأمانة للرئيس قيس سعيد”، في إشارة لاستقالته من رئاسة الحكومة.
ويبدو أنه بحل أزمة التعديل الوزاري لن تنتهي الضغوط التي تواجهها حركة النهضة الإسلامية ورئيسها في الوقت الراهن خاصة بعد تزايد الحديث في كواليس البرلمان عن انقسامات جديدة هزت حزب قلب تونس حليف النهضة في البرلمان والذي خسر 11 نائبا في الدورة البرلمانية الأولى.
وقالت العديد من الأوساط إن قلب تونس وكتلته البرلمانية يشهدان نقاشات صاخبة على خلفية توجهات الحزب، لاسيما في غياب رئيسه رجل الأعمال نبيل القروي ما قد يفاقم خشية النهضة التي احتمت بتحالف مع حزب القروي لتحصين موقع الغنوشي في رئاسة البرلمان.
وعكست هذه النقاشات تصريحات للنائب البرلماني عن قلب تونس عياض اللومي الذي نوه إلى إمكانية مغادرته للحزب قائلا “أنا اليوم في كتلة قلب تونس ولكن لا أعلم إن كنت سأواصل فيها بعد أيام”.