المشيشي يُنهي مبدأ التناصف بتشكيل حكومة بلا نساء

رئيس الحكومة التونسية في مرمى الاتهامات بتهميش تمثيلية المرأة في المناصب العليا.
السبت 2021/02/20
هل تحولت المرأة التونسية إلى مجرد رقم انتخابي فقط؟

وجد رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، نفسه في مرمى اتهامات أوساط حقوقية ونسوية بعد أن غيّب المرأة عن تعديله الوزاري الأخير، مثيرا بذلك مخاوف من تراجع محتمل عن حقوق المرأة ومكتسباتها في تونس، لاسيما في مواقع القرار وقيادة البلاد.

تونس – أثار التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، جدلا سياسيا واسعا لا يكاد ينتهي، فبعد أن فجّر خلافات بين المشيشي والرئيس قيس سعيد وضع هذا التعديل رئيس الحكومة في مرمى اتهامات حقوقية وسياسية باستهداف المرأة واستبعاد مبدأ التناصف بينها وبين الرجل في الفريق الحكومي.

وكان الرئيس سعيد قد عبر عن استيائه لغياب المرأة ضمن الوزراء الذين شملهم التعديل الوزاري الأخير والذي يرفضه سعيد برمته.

راضية الجربي: المرأة تتعرض للإقصاء منذ تشكل المشهد السياسي في 2011
راضية الجربي: المرأة تتعرض للإقصاء منذ تشكل المشهد السياسي في 2011

وانقسمت الأوساط السياسية والحقوقية التونسية في تشخيص أسباب تراجع حضور المرأة في الحكومة بعد التعديل الأخير بين من رأى أن هناك ارتدادا على مستوى مكتسبات المرأة التونسية وبين من اتهم المشيشي باستهداف المرأة.

وقالت راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، “أعتقد أن مسألة إقصاء النساء من المشهد السياسي ليست ممنهجة في هذا التوقيت بالذات، بل منذ سنة 2011”.

وأضافت الجربي في تصريح لـ”العرب”، “وجود المرأة في البداية كان مقتصرا على 3 وزارات ثم 5 حقائب وزارية، والآن تدحرج من جديد، فضلا عن ضعف التمثيلية الحزبية والنقابية”.

وأشارت إلى أن “نسبة وجود النساء في البرلمان كانت بعد 2011 في حدود 30 في المئة، ثم تراجعت إلى حدود 27 في المئة واليوم نجدها لا تتجاوز نسبة 23 في المئة”.

وكان المشيشي قد أعلن في وقت سابق تعديلا وزاريا يضّم 11 وزيرا جديدا، ولم يكن ضمن التحوير أيّ سيدة لتتحول التمثيلية النسوية في الحكومة من ضعيفة إلى شبه منعدمة.

وتم إعفاء وزيرة الفلاحة عاقصة البحري، ووزيرة أملاك الدولة ليلى جفال، ووزيرة الصناعة سلوى الصغير، ولم يعد في الحكومة سوى حسناء بن سليمان وزيرة الحوكمة والوظيفة العمومية وألفة بن عودة وزيرة التعليم العالي وإيمان هويمل وزيرة المرأة.

وبالرغم من المكاسب التي حققتها المرأة خلال العقود الفائتة إلا أن المخاوف بدأت تتعاظم من تراجع مكانتها في خضم الأزمات التي تمر بها البلاد، والتي أدت إلى تراجع في التطرق لقضايا المرأة وفقا لمراقبين. وتحمّل أوساط نسوية الطبقة السياسية الحالية مسؤولية هذا التراجع المحتمل.

وأكدت يسرى فراوس رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أنه “منذ انتخابات 2019 في تونس شاهدنا تأجيل قضايا النساء إلى أبد الآبدين، وكل المتواجدين الآن في المشهد لا يمنحون المرأة مكانتها التي تستحقها”.

وأضافت فراوس في تصريح لـ”العرب”، “كل الأحزاب تنكرت لمبدأ التناصف الأفقي (رئاسة القائمات الانتخابية) مقابل الاكتفاء بالتناصف العمودي”.

وعزت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، تهميش دور المرأة في المشهد السياسي إلى ثلاثة عوامل، قائلة “أهمها تكتل القوى الرجعية والإسلام السياسي داخل الدولة (هي التي تتحكم في الحكومة والمشهد)، وهي تيارات فكرية وسياسية لا تعنى بقضايا المرأة وتستخدم خطابا رجعيا يهددّ النساء”.

وأضافت “منذ 2011 هناك توظيف لقضايا النساء، وبمجرّد انقضاء فترة الانتخابات يتنكرون للنساء ويتعاملون معهنّ بانتهازية، وهناك ازدواجية في الخطاب حسب المصالح السياسية الضيقة، وهناك أسباب عميقة لغياب النساء في مواقع القرار أساسها العنف والتمييز والعقلية الذكورية للمجتمع”.

يسرى فراوس: تكتل الإسلاميين في الدولة أبرز أسباب تهميش المرأة
يسرى فراوس: تكتل الإسلاميين في الدولة أبرز أسباب تهميش المرأة

وتابعت “في الفضاء الخاص المرأة ليس لها الولاية الكاملة على العائلة، وملكية النساء للعقارات مثلا لا تتجاوز 14 في المئة، والنساء اللواتي لهن الكفاءة هنّ مثقلات بالأعباء.. ولا يوجد حزب واحد يعتمد على مبدأ التناصف أو المساواة، النساء منخرطات في الأحزاب لكن هنّ في قاعدة الهرم”. وأشارت إلى أن كل “المبادرات للخروج من الأزمة الحالية لابدّ أن تعمل على إشراك المرأة”.

وأثار قرار رئيس الحكومة بإعفاء عدد من الوزيرات ردود أفعال غاضبة، وانتقدت شخصيات حقوقية القرار، معتبرة إياه إقصاء دون براهين منطقية وموضوعية. واعتبرت الحقوقية بشرى بالحاج حميدة على صفحتها الرسمية بفيسبوك “أن الهدف منه فقط هو إقصاء النساء، وليس المزيد من الانسجام مثلما يدّعي المشيشي”.

وقالت إن “رئيس الحكومة لم يقدم أي أسباب أو حجج عن مرد تغيير الكفاءات النسائية سوى أن التغيير جاء بعد تقييم لأدائهن، وهو الأمر المغلوط طبعا نظرا لأن التحوير ليس فكرة وليدة اليوم بل هو قرار اتخذ يوم المصادقة على الحكومة السابقة”.

واتهمت الجامعية رجاء بن سلامة الطبقة السياسية بإقصاء النساء من الحياة السياسية والشأن العام، واصفة هذه المقاربة بـ”الذكورية الجشعة المعادية للدستور”. وأكدت المحامية والحقوقية سعيدة قراش “أن المشيشي لا يؤمن بالكفاءات النسائية”.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد، استقبل الثلاثاء، بقصر قرطاج راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، ويسرى فراوس رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات.

وتناول اللقاء، جملة من القضايا منها خاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الممنوحة للمرأة غير المعلومة من قبل الكثيرين.

وشدد الرئيس سعيد على أن “الشعب التونسي يتطلّع برجاله ونسائه إلى الأمام وعلى أن البؤس الاقتصادي والاجتماعي المسلّط على الجانب الأكبر من التونسيات والتونسيين هو السبب الحقيقي للعنف والتمييز” وفق بلاغ الرئاسة.

وتضمّنت حكومة المشيشي التي صادق عليها البرلمان في سبتمبر 2020، 7 نساء فقط في فريق حكومي مكوّن من 25 وزيرا 6 منهن وزيرات وكاتبة دولة. وتعرّض رئيس الحكومة إلى انتقادات واسعة، بشأن “إقصائه الكفاءات النسائية وعدم احترام مبدأ التناصف كغيره من رؤساء الحكومات المتعاقبة بعد الثورة”.

وترزح تونس تحت وطأة أزمة شاملة اقتصاديا واجتماعيا، مدفوعة بصراع سياسي محتدم في أعلى هرم السلطة بين الرئيس سعيّد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، وسط تساؤلات بخصوص جدية جهود الطبقة السياسية في معالجة الأوضاع الصعبة التي باتت تنذر بتطورات خطيرة مع تلويح بعض الأحزاب بنقل الصراع السياسي إلى الشارع.

4