التنمر الإعلامي ضد البدينات تحريض يضيف عبء الرشاقة على الأسرة

تغيير النظرة تجاه مقاييس الجمال عند الرجل والمرأة يحتاج إلى صياغة جديدة.
الثلاثاء 2019/08/27
اختبار قاس

أعاد هجوم الإعلامية المصرية ريهام سعيد على النساء اللاتي يعانين من السمنة والبدانة، تسليط الضوء على التنمر الاجتماعي ضد البدينات، وتأثيره على حياتهن الأسرية ومدى إصابتهن بأمراض نفسية جراء السخرية المتواصلة التي يتعرضن لها من الدائرة المحيطة بهن، خاصة عندما تكون البدينة زوجة لرجل يقارنها دوما بالرشيقات.

القاهرة - حمل كلام الإعلامية ريهام سعيد توصيفات مهينة ومسيئة للسيدات البدينات، حيث قالت في برنامجها “صبايا الخير” على فضائية الحياة المصرية مؤخرا، إن “المرأة (التخينة) السمينة ميتة (ليس لها وجود في الحياة)، وعبء على أهلها وزوجها وعلى الدولة كلها، وهذه العينة من النساء تشوه المظهر العام للمجتمع.. مظهرهن ليس جميلا، وأنوثتهن غير مكتملة، حيث لا يستطعن الحركة ويعرجن من شدة السمنة”.

وأضافت “المرأة البدينة لا ترتبط إلا برجل بدين مثلها، هو وحده من يرضى بالارتباط بها، وليس على أساس حب أو تفاهم، بل فقط لأن مقاساتهما متناسبة وبالتالي فشل ارتباطهما نتيجة حتمية”.

وتكمن خطورة السخرية من الزوجات والشقيقات والأمهات البدينات، في أنها أصبحت تأتي من امرأة، ولم تعد قاصرة على الرجال، أو من الدائرة المحيطة بهن، وأضحت تدخل البيوت عبر التلفزيون، وهو تحول خطير في معدل التنمر ضد المصابات بالسمنة، حيث يتم ترهيبهن بتوصيفات وعبارات مخيفة من كل الاتجاهات، ما يضع سيدات في اختبارات قاسية ومعقدة، تجعل حياتهن تدور في فلك الحيرة الشديدة، بين أولوية الاهتمام برشاقتهن لتجنب الإهانة، والعناية بأسرهن لتجنيب أنفسهن تهمة الإهمال.

وأصبحت الزوجة البدينة محملة بأعباء نفسية تضاف إلى المعاناة الأسرية التي تعيشها طوال الوقت جراء الغلاء وضيق الحال، فهي مطالبة بتحقيق التوازن بين الاهتمام بنفسها كي تنال إعجاب الزوج والأسرة، ورعاية أبنائها ومراقبة مستواهم الدراسي. وما يزيد العبء النفسي أن الثقافة التي ترسخها بعض وسائل الإعلام عن مقاييس جمال المرأة تقتصر على القوام الرشيق، وأي زيادة في الوزن تعطي الحق للدائرة المحيطة، خاصة الأزواج، تذكيرها طوال الوقت بأنها فقدت الكثير من أنوثتها.

تحول خطير في معدل التنمر ضد المصابات بالسمنة، حيث يتم ترهيبهن بتوصيفات وعبارات مخيفة

وأوحت تعليقات الكثير من الأزواج على السخرية من البدينات، بأنهم عثروا على وثيقة تاريخية تمهد لهم الطريق لمواجهة زوجاتهم بشجاعة وإجبارهن على الرشاقة، وهناك من اعتبروا أن التركيز الإعلامي على قضية سمنة المرأة يرفع الحرج عن الأزواج الراغبين في فتح النقاش مع زوجاتهم حول خفض الوزن.

وجرى وقف الإعلامية ريهام سعيد عن الظهور على الشاشة، وهي نفسها أعلنت اعتزال المهنة بعد تعرضها لهجوم حاد من الجمهور في وقت سابق، لكن خطورة حديثها تكمن في انعكاسه على الحالة النفسية للبدينات، وتسببه في توترات أسرية قد تصل إلى حد الانفصال لشعور كل طرف بأن حياته مع الآخر خالية من ميزة المظهر الحسن.

وكانت نهى عبداللطيف، أم لخمس بنات، تجلس بين أفراد أسرتها في أثناء بث حلقة “النساء والسمنة”، ثم نظر إليها زوجها وقال “اسمعي واعلمي أنك مطالبة بأن تشكريني لأنني أعيش معك”. لم تستطع نهى الرد على كلام الزوج، والتزمت الصمت أمام نظراته الجارحة التي تعبر عن سخرية من قوامها الجسدي، فهو دائم الحديث بنفس الأسلوب كلما رآها تتحرك أمامه بالمنزل.

وقالت نهى لـ”العرب” إن زوجها يقارنها بنجوم الفن والغناء ويعاتبها على زيادة وزنها، وتسمع كلامه وتلتزم الصمت وتبكي دون أن يراها، ومنذ سماعه نفس الكلام في التلفزيون وهو يتعامل بسخرية من جسدها كأنه حق مكتسب له، لدرجة أن تحدث معها بنفس لغة المذيعة، بأنها (أي زوجته) أصبحت عبئا عليه بسبب مظهرها.

Thumbnail

وأضافت “أخطر ما في السخرية الإعلامية من البدينات، أن البيئة المحيطة بالمرأة صاحبة الوزن الزائد تسمع هذا الكلام، فلم تعد الإهانة مصدرها الشارع أو النميمة من المقربين، بل عبر شاشات التلفزيون، ما يعطي لكل شخص في العائلة الحق بأن يردد نفس النبرة دون أن يشعر بأنه يرتكب خطأ جسيما”.

ولدى نهى صديقة ذات قوام جسدي سمين، أبلغتها بأن “زوجها أرسل لها مقطع الفيديو الخاص بحلقة النساء والسمنة على تطبيق واتساب وطالبها بأن تسمعه أكثر من مرة”، ما جعلها تصاب باكتئاب حتى أنها بدأت تكره نفسها بسبب جسدها، إذ لم يسبق أن تحدث معها زوجها بهذه اللغة أو سخر من بدانتها. أزمة التنمر ضد البدينات لا تقتصر على نظرة الزوج لزوجته أو الرجل العادي للمرأة وهي تسير في الشارع أو تستقل وسيلة مواصلات، فهناك مسؤولون يرسخون هذه الثقافة، فمثلا، التلفزيون المصري يحظر ظهور المذيعات البدينات، وقبل عامين أهان وزير الثقافة عبدالواحد النبوي أمينة متحف محمد محمود لأن وزنها زائد، وقال لها “لا أحب رؤية أي سيدة سمينة”.

ورأت هالة عبدالسلام، وهي استشارية أسرية، أن أزمة المجتمع مع المرأة البدينة يتحمل الإعلام الجزء الأكبر منها، لأنه إما أن يقدم الرشيقة على أنها صاحبة الجمال الاستثنائي، وإما أن يقدم السمينة في صورة ساخرة تثير ضحكات الجمهور لزيادة وزنها وخفة ظلها، وأخيرا ظهر النوع الثالث الذي يحرض الأزواج على البدينات، ويتجاهل زرع ثقافة التحفيز والدعم النفسي كسبيل أمثل لتحدي البدانة وتحقيق الرشاقة.

وأوضحت لـ”العرب” أن تغيير المعتقدات الأسرية تجاه مقاييس الجمال عند الرجل والمرأة ضرورة حتمية من المؤسسات الإعلامية والثقافية والحقوقية والمنظمات النسوية، لأن التراخي في هذه الخطوة يوسع دائرة المقارنة بين الأزواج، بأن تقارن المرأة زوجها برجل آخر، والعكس، ويقود ذلك إلى نزاعات أسرية قد تنتهي بالانفصال أو الجمود العاطفي أو ما يعرف بـ”الطلاق الصامت”، أي يعيشان معا دون انفصال نهائي حفاظا على مستقبل الأبناء.

Thumbnail

وأمام العنصرية الواضحة تجاه البدينات، يظل الرجل البدين خارج حسابات النقد والتجريح وبعيدا عن كل بنود مقاييس الجمال، ويعطيه المجتمع الحق في زيادة الوزن، تحت مبررات ذكورية بحتة، بأن “الرجل ليس بالشكل ولا المظهر، بل بقوة الشخصية وتحمل المسؤولية والقوام الجسدي القوي”، لدرجة أن المجتمع يعتبر سمنة البطن (الكرش) من شيم الرجولة.

وقالت عبدالسلام إن خطورة الرسالة السلبية عن المرأة البدينة أنها تحمل تحريضا للشباب ضد الزواج من الفتاة صاحبة الوزن الزائد، ما يزيد من ضغط أسرتها عليها، ويعمق جراحها النفسية، ويجعلها عرضة للشعور الدائم بالإحباط واليأس حتى يصل الأمر حد الانتقام من النفس بأي طريقة. ولذلك أصبح المجتمع في حاجة إلى حملة توعوية لتغيير طريقة التعامل مع النساء أصحاب الوزن الزائد بعيدا عن إيذائهن نفسيا، لأن استمرار السخرية والتنمر يقود إلى خراب أسري، فالرسالة الموجهة للمجتمع قائمة على التحريض وليس التثقيف.

21