الاستثمارات العربية في الصحة تنقل معركتها إلى الإسكندرية

رفض صفقة كليوباترا - ألاميدا يوجّه الأموال العربية شمالا وسباق للفوز بالمركز الطبي.
الأربعاء 2021/05/26
الخدمات الصحية الرابح الأكبر من المنافسة

تستعر معركة استحواذ الاستثمارات العربية على قطاع الرعاية الطبية في مصر، وبات هذا القطاع في مرمى صفقات رؤوس الأموال مدفوعا بمعدلات العائد القوية، في ظل حاجة القاهرة إلى استثمارات ضخمة في مجال الصحة، قدرتها مؤسسة التمويل الدولية بنحو 60 مليار دولار لسد الاحتياجات الضرورية.

القاهرة - تواصل الاستثمارات العربية في القطاع الصحي معركتها مع جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في القاهرة، بعد أن اعترض على تنفيذ أكبر صفقة عربية في القطاع الطبي.

ورفض الجهاز صفقة استحواذ مجموعة مستشفيات كليوباترا المملوكة لعدد من المستثمرين الخليجيين ومؤسسات فرنسية وألمانية وهولندية، على الأصول التابعة لمجموعة ألاميدا الإماراتية للرعاية الصحية في مصر.

وأمام جاذبية الاستثمار في القطاع الصحي المصري نقلت الاستثمارات العربية معركتها من نطاق القاهرة الكبرى إلى محافظة الإسكندرية.

ووفقا للقانون المصري، فإن الشركات تكون محتكرة في حيز جغرافي معين طالما أنها تسيطر على حصة حاكمة من الخدمات فيه، وإذا نقلت خدماتها لنطاق جغرافي آخر تخرج من دائرة الاحتكار، وهي الحالة التي تنطبق على الوضع الحالي بالنسبة إلى صفقة كليوباترا – ألاميدا.

حسين الصباغ: مصر بحاجة إلى تكتلات كبيرة في قطاع الصحة لرفع جودة الخدمات
حسين الصباغ: مصر بحاجة إلى تكتلات كبيرة في قطاع الصحة لرفع جودة الخدمات

وأمام إغراءات الاستثمار الطبي في مصر تقدمت مجموعة مستشفيات كليوباترا لهيئة الرقابة المالية للحصول على موفقتها للاستحواذ على كامل أسهم شركة الإسكندرية للخدمات الطبية المالكة للمركز الطبي الجديد بالإسكندرية والواقعة على البحر المتوسط.

وقالت كليوباترا إنها ستمول الصفقة من مواردها الذاتية، حيث يعتبر المركز الطبي الجديد هو المستشفى الخاص الأكبر من حيث السعة السريرية في الإسكندرية وشمال وغرب الدلتا بسعة 300 سرير، بالإضافة إلى عدد من الأقسام الطبية، منها وحدة زراعة الكبد، ووحدة الأورام ، ووحدة زراعة الكلى.

ويملك بنك أبوظبي التجاري نحو 51.5 في المئة من شركة الإسكندرية للخدمات الطبية، وأعلن في مارس الماضي عن نيته للتخارج من الشركة.

وتستعر صفقة كليوباترا – المركز الطبي بعد إعلان مجموعة “سبيد ميديكال” والتي تقود تحالفا يضم كل من صندوق “لايم- فست” وشركة تواصل التابعة لمجموعة علاج السعودية، للاستحواذ على شركة الإسكندرية للخدمات الطبية، ما يجعل من النطاق الجغرافي للإسكندرية وشمال الدلتا منطقة عمليات جديدة لرؤوس الأموال العربية لصفقات الاستحواذ في القطاع الطبي.

ويعكس هذا الاتجاه أيضا مرحلة عميقة من نضوج الاستثمارات العربية التي أصبحت قادرة على فهم طبيعة التشريعات المصرية وحرصها على الاستفادة اقتصاديا من فرص وثغرات تلك التشريعات.

وتعد تلك المراوغة ذات صبغة قانونية، بعيدا عن مخاوف جهاز حماية المنافسة المصرية حول تأثير الصفقة السلبي على قطاع الرعاية الصحية في مصر، وأنها تكرس لوضع احتكاري.

ويترتب على صفقة كليوباترا – ألاميدا وُجود كيان يستحوذ على 15 في المئة من حجم الأسّرة بالمستشفيات في منطقة القاهرة الكبرى.

وتمتلك مجموعة كليوباترا نحو 780 سريرا طبيا، بينما تمتلك ألاميدا 670 سريرا، الأمر الذي يجعل الكيان الجديد المشترك يمتلك نحو 1450 سريرا في نطاق جغرافي محدد، وهو ما قد ينطوي على إضرار بالرعاية الصحية للمواطن المصري عبر التحكم في القطاع.

ويكشف هذا عن سوء الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات الحكومية التي تدفع الأفراد للعزوف عنها، إلا في الحالات القصوى، فضلا عن مدى حاجتها للتطوير تزامنا مع إطلاق القاهرة لمشروع التأمين الصحي الشامل الذي يطبق مرحليا.

وزادت مخاوف الجهاز من أن تؤدي صفقة الاستحواذ لرفع أسعار الخدمات الطبية المقدمة للدولة بالنظر إلى إمكانية مشاركة مستشفيات القطاع الخاص في منظومة التأمين الصحي الشامل وخدمات الطوارئ الإلزامية.

وأمعن في مخاوفة من جذب الكفاءات الطبية من الأطباء والأطقم الطبية المعاونة للعمل في المستشفيات التابعة للكيان الجديد، والتحكم في أجورهم لعدم وجود بديل أو منافس قوي يمكن الاستعاضة به، ما حدا به لإخطار وزيرة الصحة والسكان المصرية هالة زايد بهذه الآثار المحتمل حدوثها إذا تمت الصفقة.

حسام عمران: استثمارات الصحة جاذبة ورفض صفقة كليوباترا مفاجأة
حسام عمران: استثمارات الصحة جاذبة ورفض صفقة كليوباترا مفاجأة

وقال حسين الصباغ عضو مجلس بحوث الدواء بأكاديمية البحث العلمي، إن مصر بحاجة إلى تكتلات استثمارية كبيرة في قطاع الصحة، تزامنا مع تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة يصعب أن تتحملها الحكومة وحدها.

وأضاف الصباغ لـ”العرب” أن “تجهيز المستشفيات وتشغيلها يتطلبان استثمارات باهظة، ولذلك لا بد من وجود رؤوس أموال أجنبية كبيرة عبر صفقات استحواذ أو اندماج بين الكيانات الطبية المتوسطة الحالية لضمان تقديم خدمة طبية لائقة”.

وشهدت الفترة الماضية صفقات في القطاع بقيادة مجموعة كليوباترا واستحوذت عبرها على مستشفيات السلام الدولي في منطقة المعادي على النيل والقاهرة الجديدة، وفرعي مستشفى دار الفؤاد في السادس من أكتوبر بغرب القاهرة، وكذلك في مدينة نصر بشرق القاهرة، ومعامل يوني لاب والمركز الألماني لإعادة التأهيل ومجموعة عيادات طبيبي.

وتمتلك “كليوباترا” مستشفيات كليوباترا والقاهرة التخصصي والنيل البدراوي والشروق والكاتب وكوينز ومستشفى بداية، الأمر الذي يجعلها تسيطر على سوق الخدمات الصحية في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة بالكامل.

ويشجع عدد سكان مصر الذي يتجاوز حاجز مئة مليون على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية لقطاع الصحة، في ظل الحاجة لتأسيس المزيد من المستشفيات الجديدة، فالأعداد الحالية لا تزيد على ألفي مشفى، ما يجعل السوق المصرية في مرمى فوائض الأموال التي تبحث عن أفضل عوائد استثمارية.

وقدرت مؤسسة التمويل الدولية، وهي الذراع الاستثمارية للبنك الدولي، حاجة قطاع الرعاية الصحية المصري إلى استثمارات بقيمة 60 مليار دولار بحلول عام 2050 لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات الطبية.

وقال حسام عمران، العضو المنتدب لشركة رويال فارما انترناشيونال، إن “قطاع الصحة المصري دائما محط أنظار الاستثمارات العربية، لأنه استثمار لا يحتمل أي خسارة”، كاشفا أن “رفض صفقة استحواذ كليوباترا – ألاميدا، كان مفاجأة للقطاع الصحي في مصر”.

وتوقع في تصريحات لـ”العرب” نجاح صفقة الاستحواذ الجديدة، لأنها لا تمثل احتكارا بمنطقة الإسكندرية، ولن ينتج عنها كيان احتكاري مثل الاستحواذ على مجموعة “ألاميدا”.

وأوضح أن مصر في حاجة إلى تكتلات كبيرة سواء بقطاع المستشفيات أو بين شركات الأدوية، من أجل نجاح نظام التأمين الصحي الجديد، والذي يتطلب استثمارات كبرى، تعزز من وجود مستشفيات مؤهلة للمشاركة بالنظام الجديد، أو إنتاج كميات كبيرة من الأدوية لا يمكن لشركات الأدوية العاملة بالسوق توفيرها مع تعميم النظام الصحي الجديد بجميع المحافظات.

10