الأزمة الليبية أول امتحانات المعاهدة الفرنسية - الإيطالية الجديدة

تشكل الأزمة الليبية أول اختبار للمعاهدة التي وقعتها فرنسا وإيطاليا الجمعة، بالرغم من أنها في عناوينها الرئيسية تستهدف ضبط إيقاع أوروبي جديد للتعامل مع التحديات الاستراتيجية، التي تعترض القارة العجوز بعد خروج المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل.
تونس - وقعت فرنسا وإيطاليا الجمعة معاهدة “كيرينالي” في خطوة تستهدف ضبط إيقاع أوروبي جديد للتعامل مع تحديات استراتيجية جديدة، خصوصا جنوب أوروبا ومنطقة البحر المتوسط.
وستختبر الأزمة الليبية دور هذه المعاهدة خاصة أن إيطاليا وفرنسا ظهرتا وكأنهما تجاوزتا التنافس المحموم بينهما حول النفوذ في ليبيا، بعد نجاح تركيا وروسيا في إرساء مواطئ قدم لهما هناك.
ووُقّعت المعاهدة في قصر كيرينالي الرئاسي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الإيطالية ماريو دراغي، بحضور الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا.
وتكمن أهمية معاهدة التعاون الثنائي المعزز هذه، المعروفة باسم معاهدة كيرينالي، في كونها نادرة من نوعها في أوروبا، فهي الثانية بعد المعاهدة التي وقعتها فرنسا وألمانيا العام 1963 في الإليزيه والتي استكملت بمعاهدة آخن العام 2019.
وبالرغم من أن دور هذه المعاهدة تطغى عليه ضبضبة الدور الأوروبي بعد خروج المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وتداعيات بريكست (انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) إلا أن ليبيا كانت حاضرة بقوة.
واعتبر الرئيس ماكرون أن “المعاهدة مع إيطاليا ستساعدنا في مواجهة الأزمة في ليبيا”.

جبريل أوحيدة: توافق فرنسا وإيطاليا يستهدف استعادة نفوذهما في ليبيا
وجاءت المعاهدة إثر اضطرابات في العلاقات الدبلوماسية بين روما وباريس بسبب ملفات عدة من أبرزها الملف الليبي، حيث لكلا البلدين مصالح هناك سواء تتعلق بالشركات العاملة في مجال النفط أو غيرها.
وأفقد التنافس بين البلدين الأوروبيين الملف الليبي، ومكن قوى إقليمية وهما تركيا وروسيا من التوغل في ليبيا وفرض نفوذهما هناك؛ الأولى في الغرب بعد دعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج والثانية في شرق البلاد بعد أن دعمت قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر.
واعتبرت أوساط سياسية ليبية أن التوافق الفرنسي – الإيطالي جاء كمحاولة لتحجيم النفوذ الروسي والتركي في ليبيا، وهو توافق يحاول من خلاله البلدان اللعب على وتر دعم الانتخابات الليبية المقرر تنظيمها في ديسمبر المقبل وهو استحقاق لا يحظى بدعم أنقرة وموسكو.
وقال عضو مجلس النواب الليبي (البرلمان) جبريل أوحيدة إن “هدف التوافق الفرنسي - الإيطالي واضح وهو استعادة النفوذ الأوروبي في ليبيا، وهو توافق يدعم إجراء الانتخابات شأنه شأن الولايات المتحدة التي تتحمس بشدة لاستحقاق ديسمبر”.
وتابع أوحيدة في اتصال هاتفي مع “العرب” أن “إيطاليا وفرنسا وربما بتوافق مع الولايات المتحدة، تدفعان نحو تغيير المشهد السياسي من خلال إجراء الانتخابات في موعدها بما يُفرز وجوها جديدة، وهذه مساع ستواجه عرقلة من تركيا وربما من روسيا من وراء الستار”.
وأوضح أن “هناك أصواتا اليوم بدأت تتعالى منادية بتأجيل الانتخابات وهو ما سيعرقل المساعي الأوروبية والأميركية، وفي الأيام القادمة ستتضح الصورة أكثر في علاقة بالانتخابات من خلال البت في الطعون، لكن هذه المساعي ونحن في ليبيا أمام خيارات محددة بشأن الانتخابات”.
ويأتي التحرك الفرنسي – الإيطالي بعد أن نجحت أنقرة وموسكو في الإمساك بخيوط اللعبة في ليبيا، رغم التنافس المحموم الذي خاضته باريس وروما من أجل تأمين نفوذهما في البلاد من خلال لعب عدة ورقات على غرار المؤتمرات العامة ودعم بعض الأطراف الفاعلة على الأرض.
وخسرت إيطاليا نفوذها غرب البلاد لصالح تركيا التي حازت على أغلب مشاريع إعادة الإعمار بالإضافة إلى مشاريع التنقيب عن النفط والغاز، في حين أدى التدخل الروسي إلى تبديد أحلام فرنسا في السيطرة على المنطقة الوسطى بعد حديث عن انتشار مرتزقة فاغنر في سرت وفي مناطق جنوب البلاد (إقليم فزان) الذي يعتبر منطقة نفوذ تاريخية لها.
ودفع هذا الوضع إلى التقارب الفرنسي - الإيطالي وتجاهل الخلافات السابقة.
وشدد رئيس الحكومة الإيطالية على الالتزام المشترك بين بلاده وفرنسا لصالح الاستقرار في ليبيا “بفضل المؤتمر الدولي الذي انعقد في باريس هذا الشهر برئاسة إيطاليا وفرنسا جنبا إلى جنب مع ألمانيا وليبيا والأمم المتحدة”.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مساء الخميس إن بلاده على وفاق مع إيطاليا بشأن وجهات النظر المتعلقة بليبيا.
وفي رده على سؤال موقع “ويست فرانس” حول ما إذا كانت ليبيا موضوع خلاف بين روما وباريس، قال لودريان “لقد قاربنا وجهات نظرنا حول ليبيا بشكل كبير”، مضيفا أن تقارب وجهات نظر البلدين بشأن ليبيا جسدته رئاستهما المشتركة لمؤتمر ليبيا الذي عقد في الثاني عشر من نوفمبر الجاري في باريس.
معاهدة “كويرينالي” خطوة تستهدف ضبط إيقاع أوروبي جديد للتعامل مع تحديات استراتيجية جديدة، خصوصا جنوب أوروبا ومنطقة البحر المتوسط
ويحيل كلام لودريان مباشرة على السجالات العلنية التي هيمنت على العلاقات بين البلدين في بعض الأحيان حول هذا الملف، ما أخرج وقتها الخلافات بين الطرفين بشأن ليبيا إلى العلن.
ويأتي ذلك في وقت دخل فيه المسار الانتخابي في ليبيا مرحلة حاسمة بعد تسجيل المرشحين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وبدء تسجيل الناخبين، لكن الشكوك بشأن إجراء الانتخابات في موعدها من عدمه لم تتبدد بعد على وقع تهديدات شق من جماعة الإخوان المسلمين يتقدمه رئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري واستبعاد بعض المرشحين البارزين مثل سيف الإسلام القذافي واستقالة المبعوث الأممي يان كوبيتش بشكل مفاجئ.
وقد تصعب الظروف المذكورة من مهمة فرنسا وإيطاليا لاستعادة نفوذهما في ليبيا، حيث قال جبريل أوحيدة إن “مساعي البلدين قد لا تكلل بالنجاح، فخطر تحريك تركيا للميليشيات في غرب البلاد لإفساد الانتخابات يبقى واردا بشدة، كما قد تعمل روسيا على عرقلة الاستحقاق من وراء الستار”.
وبالفعل، أبدت موسكو علنا على لسان نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة غينادي كوزمين قلقها من إجراء الانتخابات بعد استبعاد القذافي الابن من السباق الرئاسي، الذي كانت تراهن عليه في هذا الاستحقاق.
وفي المقابل، أكد مجلس الأمن القومي التركي على وجوب تجنب الخطوات أحادية الجانب، من أجل إجراء الانتخابات في ليبيا بشكل قانوني وفي جو يسوده الهدوء.
وجاء ذلك في بيان صادر عن المجلس، عقب اجتماع ترأسه الرئيس رجب طيب أردوغان مساء الخميس في العاصمة أنقرة.