"إن شاء الله مبروك" سيتكوم تونسي يغرّد خارج سرب الموسم الرمضاني

السيتكوم يروي ضمن قالب كوميدي قصة ثلاث عائلات فرضت عليها عملية تحيل التعايش معا في بيت واحد.
الثلاثاء 2021/02/02
خالد بوزيد يخرج أخيرا من عباءة شخصية "الفاهم" بدور مختلف

بعد أكثر من ثلاثة عقود من الاشتغال الدرامي التونسي الذي ظل حبيس السباق الرمضاني، قطعت قناة “الحوار التونسي” أخيرا مع هذه العادة الفرجوية المخصوصة لشهر الصيام، ليكون سيتكوم “إن شاء الله مبروك” للمخرج بسام الحمراوي أول عمل درامي تونسي يعرض بصفة فعلية في الموسم الشتوي الحالي.

تونس – عرفت الدراما التونسية على امتداد تاريخها القصير نسبيا، والذي انطلق بشكل موسمي مع بداية التسعينات من القرن الماضي، ارتباط الإنتاج الدرامي أساسا بشهر رمضان فقط، مع بعض الاستثناءات، بينما تشهد باقي أشهر السنة فراغا كبيرا يدفع المشاهد التونسي إلى البحث عن البديل في المسلسلات المصرية والسورية وأخيرا التركية المدبلجة سواء إلى اللهجة الشامية أو العامية التونسية، إلى أن قطعت قناة “الحوار التونسي” الخاصة مع هذه العادة، لتعرض أخيرا باكورة إنتاجها الدرامي خارج شهر الصيام عبر سيتكوم “إن شاء الله مبروك”.

وسيتكوم “إن شاء الله مبروك” الذي انطلقت قناة “الحوار التونسي” في عرضه في الحادي عشر من يناير الماضي بمعدل حلقة واحدة في الأسبوع، من تأليف وإخراج بسام الحمراوي وبطولة كل من خالد بوزيد ونعيمة الجاني وسميرة مقرون وأروى بن إسماعيل ومجد بالغيث ولبنى السديري ووليد الزين، وهو يروي ضمن قالب كوميدي قصة ثلاث عائلات فَرضت عليها عمليةُ تحيّل التعايش معا في بيت واحد بعد أن باعها أحد السمسارة العقاريين، والمدعو بـ”الحاج مبروك” العقار ذاته، ثم غادر البلاد.

ومن هناك تنطلق المفارقات الكوميدية، أو هكذا توقّعنا، لتنكشف التناقضات الاجتماعية والثقافية بين العائلات الثلاث، والمتمثلة في عائلة رجل الأمن “عمّار” (وليد الزين) وزوجته أستاذة العربية “حسناء” (سميرة مقرون) وصغيريهما، وعائلة المحامي “فريد” (خالد بوزيد) وزوجته نجمة الإنستغرام “دودي” (لبنى السديري) ووالدتها الفنانة الشعبية (نعيمة الجاني)، والشاب الأعزب “بلحسن” (مجد بلغيث)، وجارتهم المتطفلة “وردة” (أروى بن إسماعيل).

هذه التوليفة من الشخصيات المتناقضة في العمل بشّرت بصراع حام بين العائلات الثلاث، ما يعكس تطلعات الطبقة الوسطى التي شابها العوز والاهتراء في ظل الكم الهائل من الأزمات الاقتصادية الخانقة التي عرفها البلد إثر ثورة 14 يناير 2011، ومع ذلك يظل الطموح متشبثا بتحصيل المسكن الحلم، أو “قبر الحياة” وفق المثل الشعبي التونسي الذي يرسّخ هذه العقليّة بكثير من المبالغة.

لكنّ الحلقات الأربع الأولى من السلسلة أتت هزيلة في معالجتها لهذه الأزمة المعقّدة، ليزوغ العمل عن غايته بافتعال مواقف كوميدية ساذجة وأداء شاحب تعوّدها المشاهد التونسي من بعض أبطال السلسلة الذين سبق لهم الاشتغال معا وفق منطق “الشلليّة” بذات الأسلوب الأدائي المفتعل في سيتكومات رمضانية سابقة كـ”دنيا أخرى” أو في بعض “الاسكتشات” (مواقف كوميدية قصيرة) التي عرضوها في عدد من برامج المنوعات الهزلية كـ”أمور جدية” و”إلي بعدو”، لتغدو هذه “الشللية” الحلقة الأضعف ليس في سيتكوم “إن شاء الله مبروك” فحسب، وإنّما في جل الأعمال الكوميدية التونسية المقّدمة في العشرية الأخيرة.

وهذه “الشلليّة” بدت جلية في “إن شاء الله مبروك” بذاك الحضور التمثيلي الشاحب للمحامية سنية الدهماني في الحلقة الثانية من السلسلة، حيث اعتبر رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الدهماني باتت تظهر في كل المناسبات وبأكثر من وجه على قناة “الحوار التونسي” لتكون مقدّمة برامج اجتماعية في “حكايات تونسية” ومحللة سياسية في برنامجي “7/24″ و”تونس اليوم” إلى جانب مهنتها الأساسية كمحامية، وأخيرا ممثلة في السيتكوم الجديد؟

السيتكوم يقطع أخيرا مع موسمية الأعمال الدرامية في تونس
السيتكوم يقطع أخيرا مع موسمية الأعمال الدرامية في تونس

ورغم أن للدهماني تجارب مسرحية هاوية ضمن أكاديمية المخرج المسرحي التونسي توفيق الجبالي، يرى منتقدوها أنها لم تنجح في الإقناع بالتمثيل، خصوصا أن السيتكوم ليس له رسالة هادفة أو توعوية.

ومع ذلك، يمكن أن يحسب للسلسلة تمكّن الممثل خالد بوزيد من الخروج أخيرا من عباءة دور”الفاهم” الذي رافقه على امتداد ثمانية مواسم متتالية ضمن سلسلة “نسيبتي العزيزة”، حيث تخلّص أخيرا من صوته الأقرع، ليقدّم في “إن شاء الله مبروك” دورا هادئا متكئا فيه على حرفيته في الأداء الحركي بالنظرات وتعبيرات الوجه، حاله في ذلك حال مجد بلغيث الذي أقنع في أداء دور الأعزب الأرعن والمتمرّد على حب لا يرتضيه دون ابتذال أو تهريج.

كما بدت الممثلة سميرة مقرون في أوّل أدوارها الكوميدية ماسكة بأدواتها التمثيلية بعيدا عن الاستعراض المبالغ فيه بشكل يبشّر بميلاد نجمة سيكون لها شأن في هذا المجال، على خلاف لبنى السديري التي أطنبت في تضخيم حركاتها ومفرداتها على السواء.

ومهما يكن من أمر السيتكوم وبعض هناته، يظل المكسب الأكبر لـ”إن شاء الله مبروك” ومن ثمة قناة “الحوار التونسي”، كما أشرنا آنفا، قطعهما وبشكل نهائي مع موسمية الأعمال الدرامية في تونس التي ظلت حكرا على شهر رمضان، مع استثناءين اثنين، لا غير.

فتجربة العرض خارج شهر الصيام اعتمدها التلفزيون الرسمي التونسي في بداية سبعينات وحتى أواخر ثمانينات القرن الماضي عبر سلسلة “محل شاهد” التي كانت تعرض بشكل يومي قبل النشرة الرئيسية للأنباء، وهي سلسلة من بطولة الممثل الراحل رمضان شطا في دور “حميداتو” والممثلة دلندة عبدو في دور “هناني” اللذين كانا يتداولان في كل حلقة مثلا شعبيا تونسيا، كسعي منهما لترسيخ الهوية التونسية لدى المُشاهد وفق إستراتيجية دولة الاستقلال التي أراد إرساءها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في الوعي الشعبي التونسي، أيامها.

والأمر ذاته تكرّر مع بداية الألفية، حيث قدّمت قناة “تونس 7” العمومية سلسلة “سلوكيات” على مدار أربعة مواسم متعاقبة (من 1998 إلى 2001)، وهي سلسلة توعوية عن نص وتمثيل لبلقاسم ثابت تنتقد في قالب درامي بعض مظاهر التفسّخ الأخلاقي التي شهدتها تلك الحقبة، مع العمل على إبراز كل أصيل وإيجابي في المجتمع التونسي.

وبعد حوالي عقدين من انتهاء هذه التجربة، أعلنت قناة “قرطاج +” الخاصة في العام 2019 عزمها تقديم المسلسل التونسي – الجزائري المشترك “مشاعر” المتكوّن من مئة حلقة على مدار العام، ليأتي المشروع في جزء واحد يتيم بعشرين حلقة، فقط، تم عرضها، وللمفارقة، ضمن موسمها الرمضاني للعام ذاته، قبل أن يُعاد بثّ العمل في رمضان المنقضي مدبلجا باللهجة السورية؟

ومن ثمة ظلّت فكرة كسر حصار الموسم الرمضاني من قبل القناة الناشئة حبرا على ورق رغم انطلاقها مؤخرا في تصوير الجزء الثاني من المسلسل ليكون جاهزا للمنافسة على الموسم الرمضاني القادم، دون الحديث عن إمكانية استمرار عرضه على مدار العام كما كان مخطّطا له منذ البداية.

ظهور سنية الدهماني الممثلة يثير العديد من الانتقادات
ظهور سنية الدهماني الممثلة يثير العديد من الانتقادات

 

16