أدباء يكتبون الروايات والقصص فيما عيونهم على الفن السابع

الروايات والقصص راحت تغذّي السينما بأعمال أكثر جنونا وغرائبية، كالتي استغرقت في الخيال العلمي والمرض النفسي.
الأربعاء 2020/10/14
أفلام نالت شهرتها من الروايات

نعرف جميعنا العلاقة الوثيقة بين السينما والأدب، فهناك أعمال سينمائية عربية كثيرة وقع استلهامها من روايات نجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس وغيرهم. لكنّ العلاقة اليوم بين السينما والأدب تغيرت، فلم يعد الكاتب يكتفي بحدود عمله كأديب بل صار يكتب خصيصا للسينما، روايات وقصصا بتقنيات جديدة، لكنها تبقى مثار جدل.

يرتبط سوق نشر الكتب وصناعة السينما ببعضهما البعض ارتباطا وثيقا، وقد ازدادت العلاقة التبادلية بين المجالين فنيّا وتجاريّا خلال الفترة الماضية على نحو غير مسبوق. فقد أسهمت الروايات الرائجة في تنشيط صناعة السينما وتوجيهها إلى فضاءات وأفكار وخيالات جديدة.

وأدى تزايُد تحويلِ الروايات والقصص المطبوعة إلى أعمال سينمائية يشاهدها الملايين إلى بلورة ظاهرة “البيست سيلرز” أو الأكثر مبيعا، وتعزيزها وانتعاش القراءة على نطاق واسع، خصوصا بين الشباب.

الاستلهام من الأدب

 رواية "الفيل الأزرق" لأحمد مراد نالت المركز الأول في مبيعات معرض القاهرة الدولي للكتاب
 رواية "الفيل الأزرق" لأحمد مراد نالت المركز الأول في مبيعات معرض القاهرة الدولي للكتاب

اعتمد الفن السابع عبر تاريخه في نماذجه المتميزة والناجحة على الأدباء والورق الرفيع الآتي من حقل الإبداع السردي الاحترافي، فالكثير من كتّاب الرواية والقصة والمسرح أدلوا بدلوهم في إنجاز أعمال سينمائية أيقونية يصعب نسيانها، ومن أبرزهم في مصر: نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وسعدالدين وهبة وأسامة أنور عكاشة.

باتجاههم إلى السينما بعد تحقُّق أدبي في الميدان الأصلي، أبدع هؤلاء الأدباء في فنون السيناريو والحوار على وجه التحديد، كونها الأقرب إلى نوعيات الروايات والقصص والمسرحيات الواقعية والرومانسية التي يكتبونها، والقائمة على الإفضاء والجدل والتعمق في تحليل الشخصيات وتبرير مواقفها وتصرفاتها.

أما أدبيات الصورة والكادرات والحركة والأكشن والتشويق والإثارة وغيرها، فقد تركوها ليصنعها غيرهم في منظومة العمل السينمائي، إذا اقتضى الأمر، مكتفين في أغلب الأحوال بدورهم في صياغة الكلمة والارتقاء بها عبر الوسيط المرئي.

تكنيك مختلف

اختلف الأمر كثيرا لدى حملة الأقلام في اللحظة الراهنة، فالجيل الحالي من الأدباء ينظر إلى السينما من البداية، قبل الإمساك بالقلم، ولربما يقلّص البعض نظرته إلى الأدب بوصفه وسيلة أو معبرا للسينما أكثر من كونه غاية بحد ذاته.

وعلى الرغم من إصدار هؤلاء الأدباء أعمالهم الروائية والقصصية في ثوب ورقي طباعي في الأساس، فإن التكنيك المهيمن على نصوص الأدباء المهتمين بالفن السابع يأتي سينمائيّا في روحه وطابعه وأبجدياته وأدواته وعناصره.

"مولانا" كُتبت كرواية أولا قبل تحويلها إلى فيلم يترصّد إشكالات شيوخ الفضائيات
"مولانا" كُتبت كرواية أولا قبل تحويلها إلى فيلم يترصّد إشكالات شيوخ الفضائيات

يكتبون الأدب وعيونهم على السينما، سواء لترويج أعمالهم حال تحويلها إلى أفلام، أو للاستفادة السينمائية من رواجها الورقي إذا كانت ضمن قائمة “البيست سيلرز” عقب نشرها، فليس مهمّا: أيُّ النجاحين يسبق الآخر، إنما المهم أن تكون الرواية أو القصة المنشورة ذات صبغة سينمائية جاذبة في خلطتها ومذاقها وطقوسها، وأن تبدو في ثيمتها العامة كأنها مجموعة مَشَاهد مُعدّة للتصوير والإخراج بمرونة وسهولة.

هذه الحدود التي أزالها كُتّاب من أمثال أحمد مراد وهشام الخشن وإبراهيم عيسى وآخرين بين الأدب والسينما، قرّبت كثيرا بين الفنين تحت مظلة الصورة والحركة والتوتر والإثارة والبوليسية والتشويق والغموض والتصاعد الدرامي ولهاث الأحداث المبتورة واحتباس الأنفاس وزيادة سخونة الصراع حدّ الجريمة، وغيرها من ملامح الكتابة الشبابية، واللغة السينمائية الجديدة.

مع تقارب الخصائص بين المكتوب والمرئي، راحت الروايات والقصص تغذّي السينما بأعمال أكثر جنونا وغرائبية، كالتي استغرقت في الخيال العلمي والمرض النفسي مثلا، كما استغلت السينما قدراتها السحرية في تفجير الروايات ونقل المتلقي إلى قلب الحبكة بشكل مباشر واستلاب حواسّه وامتلاك اهتمامه.

وتقاربت كذلك الأهداف التسويقية والربحية لحركة النشر وصناعة السينما وفق المنطق الكمي كمعيار تقييمي (أرقام التوزيع، إيرادات الشّبّاك).

 وكما اتكأت السينما في إعلاناتها الترويجية للأفلام على عناوين روايات حققت مبيعات خيالية، مثل “الفيل الأزرق” مثلا لأحمد مراد، التي نالت المركز الأول في مبيعات معرض القاهرة الدولي للكتاب، فإن دور النشر قد لجأت إلى تسويق إصداراتها القصصية والروائية بالإعلان المبكّر، الحقيقي أو الوهمي، عن تحويلها إلى أفلام وأعمال درامية بمجرد صدورها، مثل رواية “شلة ليبون” مثلا، الصادرة حديثا للكاتب هشام الخشن.

الأدب ورشة للسينما

هل يتحول الأدب إلى ورشة للتحضير السينمائي
هل يتحول الأدب إلى ورشة للتحضير السينمائي

بلغ التقارب بين أحبار الطباعة والشريط السينمائي لدى بعض الكتّاب حد التطابق والتماهي، فمؤلف شاب هو أحمد مراد له قائمة أعمال روائية رائجة، وهذه القائمة تكاد تضم العناوين نفسها عند حصر إسهاماته الدرامية، ومن هذه الروايات/ المصنّفات: “تراب الماس”، “فيرتيجو”، “الفيل الأزرق”، وغيرها. ويمكن تفهّم هذه الحالة بمعرفة أنه قبل اتجاهه إلى كتابة الأدب، تخصص في التصوير والسيناريو.

في مثل هذه الأعمال، الروائية السينمائية، لا يستغرق القارئ أو المتلقي في أفكار وتأملات عميقة وعلاقات متشابكة تلخص خارطة المجتمع، وإنما يصطدم بتفاصيل هشة وأحداث عابرة متلاحقة وحوارات ملغزة مبتورة، وشخصيات كونية مسكونة بالخفة والصراعات والمطاردات، ولقطات سريعة متتالية، تستحوذ على انتباهه وخياله وتؤجج فضوله وتقوده من مفاجأة إلى أخرى، وصولا إلى نهاية غير مغلقة، إمعانا في الغموض والإرباك، وربما للتمهيد لجزء آخر من العمل (الفيل الأزرق 2 مثلا).

هي توليفة لها جمالياتها ومفرداتها المشغولة بدقة واصطبار، وتعكس جهدا كبيرا في الصنعة الروائية المدروسة، وسخاء في الإنفاق السينمائي، على غرار أدب المغامرات وأفلام الحركة الهوليودية، لكنها ليست ما يأمله النقاد من الإبداع الأدبي الرصين والسينما الجادّة المؤرخة لنبض المجتمع والمتبحّرة في أزماته ومشكلاته الحقيقية.

فإن كان يُحسب لها عدم التعالي في التعاطي مع الأدب والفن، ومخاطبة سائر الأعمار والمستويات الثقافية والتعليمية، والدأب في العمل ومراعاة كافة العناصر، وتخليق حالة استثنائية من الزخم القرائي لم تكن موجودة من قبل، إلى جانب تقديم صورة سينمائية فائقة الإبهار والجودة، بمعايير عالمية.

في الإطار ذاته، تسيّدت الساحة روايات وأفلام لكتّاب كثيرين تعاملوا مع الأدب كورشة للتحضير السينمائي. ولاختصار الوقت، فإنهم تجاوزوا مرحلة النشر الورقي في بعض الأحيان لتمرير مسوّدات النصوص الأدبية إلى كاميرات التصوير بمجرد الفراغ من كتابتها.

في هذا المنعطف، يُشار إلى الكاتب إبراهيم عيسى، الذي مرر للسينما مباشرة تجربته الأخيرة المثيرة للجدل “صاحب المقام”، حول أضرحة الأولياء، بعدما مرّ بالتسلسل الطبيعي في “مولانا”، التي كتبها كرواية أولا، قبل تحويلها إلى فيلم يترصّد إشكالات شيوخ الفضائيات وعلاقتهم بالقوى السياسية والجهات السيادية.

التكنيك المهيمن على نصوص الأدباء المهتمين بالفن السابع يأتي سينمائيّا في روحه وأبجدياته وأدواته وعناصره
التكنيك المهيمن على نصوص الأدباء المهتمين بالفن السابع يأتي سينمائيّا في روحه وأبجدياته وأدواته وعناصره

 

15