ولادة عسيرة لقانون إصلاح النظام المصرفي التونسي

أكد خبراء أن الضغط المسلط على تونس من قبل صندوق النقد الدولي لإجراء إصلاحات اقتصادية، عجّل بإقرار قانون البنوك والمؤسسات المالية الجديد، الذي حمل في طياته سلبيات أكثر من الإيجابيات.
وقال معز الجودي، الذي يرأس الجمعية التونسية للحوكمة الاقتصادية لـ“العرب” إنه “كان من الأجدى التريث في دراسة القانون بعمق قبل إقراره لأنه لم يطرح العديد من النقاط أهمها استمرار سيطرة البنك المركزي على عمل البنوك ولم يعتمد المعايير الدولية في التسيير”.
وصادق 107 من نواب البرلمان مساء الخميس على مشروع القانون المثير للجدل، بينما اعترض نائب واحد وسط انسحاب عدة كتل من بينها كتلة الحرة ونواب الجبهة الشعبية وحزب الفلاحين، والتي هددت بالطعن في دستورية القانون مجددا.
ومثلت عملية المصادقة على القانون خطوة أخرى في طريق استكمال تنفيذ حزمة الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على الحكومة التونسية، ضمن اتفاق يقضي بإسناد قرض بقيمة حوالي 2.8 مليار دولار بحلول 2021.
ويأتي القانون ضمن سلسلة الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت في اتخاذها الدولة عبر تصفية القطاع البنكي في مرحلة أولى لضمان خط ائتماني من صندوق النقد الدولي بهدف تحفيز النمو وإعادة عجلة الاستثمار للدوران والتقليل من معدلات البطالة المرتفعة.
|
وأشار الجودي إلى وجود فجوات كثيرة في القانون قد لا تساعد القطاع، الذي يتكون من 24 بنكا، في إعادة نشاطه مجددا بالكيفية المطلوبة. وكانت آخر مرة تم فيها إصلاح المنظومة البنكية في 2001.
وأوضح أن القانون الجديد لم يتطرق إلى اندماج البنوك في ما بينها بطريقة واضحة، معتبرا أن عددها كثير قياسا بالمغرب الذي تنشط فيها 7 بنوك فقـط، كمـا أن المبلـغ المرصود لرفع رأس مال البنوك والمقدر بحوالي 25 مليون دولار لا يشجع على الاندماجات.
ورغم تلك السلبيات، لفت الجودي إلى أن القانون يأتي ضمن حزمة إصلاحات من بينها إصلاح منظومة الضرائب ومجلة الاستثمارات بهدف جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية حتى تساعد في انعاش اقتصاد البلاد.
وكان المشروع قد أسقط في وقت سابق من طرف الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين، بعد طعن المعارضة فيه ليعيد لاحقا إلى المجلس لإعادة مناقشته من جديد والتي لم تصادق على القانون مما يبقي باب إعادة الطعن فيه مجددا أمرا قائما.
وتثير مصادقة البرلمان بإحداث هيئة مراقبة مطابقة الصيرفة الإسلامية تتكون من 3 أعضاء على الأقل وقراراتها غير ملزمة بالنسبة إلى مجلس إدارة البنوك الإسلامية، جدلا كبيرا في الوسط الاقتصادي.
وقال الجودي لـ“العرب” إن “إلزام البنوك بالتعامل بالصيرفة الإسلامية وإقامة هيئة تراقب ذلك أمر غير سليم وكان من الأفضل ترك الحرية للبنوك في هذا الشأن”.
ويطرح الفصل 54 تساؤلات حول دور الهيئة والذي ينص “على كل بنك أو مؤسسة مالیة مرخص لها بمقتضى هذا القانون ممارسة عمليات الصيرفة الإسلامية المبينة بالباب الأوّل من العنوان الثاني من هذا القانون أن تحدث هيئة خاصة مستقلة عن هياكل الإدارة تسمى هيئة مراقبة مطابقة معاییر الصيرفة الإسلامية”.
|
ورصد خبراء في قطاع البنوك استطلعت آراءهم “العرب” عدة تجاوزات التي تضمنها القانون والتي تصب في اتجاه استبعاد الدولة عن القطاع المالي بشكل كلي، أي حرمان أجهزة الدولة من أي دور تعديلي في اقتصاد البلاد.
واعتبروا أن الهدف الرئيسي من هذا القانون هو فتح السوق المالية المحلية أمام رؤوس الأموال الخاصة المحلية والأجنبية بضمانات مطلقة ودون تحميلها مخاطر تقلبات السوق، وهذا الأمر يجعل البلاد في غير مأمن.
ويتيح الفصلان 114 و115 من القانون للبنك المركزي التونسي التدخل ومساعدة البنوك التي تعاني من صعوبات مالية، في حين تمنع لوائح وأنظمة المركزي من التدخل وإقراض الدولة في حالة التعسر.
أما الضربة الأخرى التي وجهت للقطاع البنكي فكانت إسقاط البند 21 من الفصل 46 والذي ينص على أنه “يجب حتما على رئيس مجلس إدارة بنك خاضع للنظام القانوني التونسي أن يكون من ذوي الجنسية التونسية”، ما يعني أن الأجانب مسموح لهم بترؤس بنوك القطاع العام.
وإلى جانب ذلك، فقد ألغى القانـون الجـديد التمييز الإيجابي لصالـح البنـوك التونسية بخصوص عمليات الإيداع، وهو ما يعتبر ضربة للقطاع البنكي الذي يعاني من أزمة.
ويتضمن القانون إقامة صندوق لضمان الودائع يجبر البنوك على إعادة تمويل حوالي 95 بالمئة من عملائها في حالة إفلاسها.
وقال الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي الأسبوع الماضي أمام البرلمان إنه “لم يتم تسجيل سحب أي من المودعين في البنوك التونسية لأرصدتهم نظرا لثقتهم في النظام البنكي التونسي رغم البلبلة المثارة حول مشروع قانون البنوك والمتعلقة بمخاوف من الإفلاس”.
ويعتبر تدني الاقتصاد التونسي في السنوات الأخيرة حيث انخفضت نسبة نموه بشكل حاد إلى 0.8 بالمئة مـا جعـل الدولة تتجـه إلى الاقتراض من المؤسسات الماليـة، من بـين الملفـات التي فشلت الحكـومة في حلهـا.
وتعاني تونس من تراجع كبير في التدفقات المالية التي زادت من العجـز التجاري في موازنـة العام الحالي البالغ نسبته 3.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب تراجع عائدات قطاع السياحة في البلاد.