الدبيبة يعيد التوتر إلى العلاقات التونسية - الليبية

اتهام رئيس الحكومة الليبية تونس بالاحتيال خطوة شعبوية لتسجيل مكاسب انتخابية.
الجمعة 2021/10/29
الدبيبة يقع في خطأ دبلوماسي جديد

تونس - اتهم رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة، في تصريحات مثيرة للجدل، السلطات التونسية بالاحتيال على أبناء بلده والاستيلاء على أموالهم، في خطوة يرى مراقبون أن من شأنها أن تعيد التوتر إلى العلاقات بين البلدين، وتأتي في إطار سعيه لكسب ود الشارع الليبي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية بإطلاقه تصريحات شعبوية يجدد فيها خطأه الدبلوماسي بحق دولة جارة تجمعها بليبيا علاقات وطيدة وتاريخية.

ووصف الدبيبة تهريب أبناء وطنه لأموالهم عبر البرّ بـ”الغباء”، مؤكدا أن “تونس من بين الدول التي تحيّلت على الليبيين”. وقال الدبيبة في كلمة له مساء الأربعاء “إن بلجيكا ومالطا وكذلك دولة جارة وهي تونس، تحيّلت على الليبيين”.

كما اتهم “الأوروبيين بسرقة الأموال والاستثمارات الليبية أمام أعين الجميع”، مشدّدا على أن “الأموال المجمدة بالبنوك في أوروبا لن تُسترجع وسيتم اعتماد سياسة الممطالة في ذلك”.

ويرى متابعون للشأن الليبي أن العلاقات الاستراتيجية والتاريخية بين تونس وليبيا أكبر من الدبيبة وحكومته المؤقتة والعابرة، مرجحين أن تكون هناك ضغوط سياسية تمارس على الدبيبة من قبل قوى إقليمية لها مصالح استراتيجية في ليبيا وتدفع نحو تأزيم العلاقات مع دول الجوار خصوصا بعد رفضها قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد التي اتخذها في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.

واعتبر المحلل السياسي الليبي عزالدين عقيل أن “ما قاله الدبيبة مؤسف جدا”، داعيا السلطات التونسية إلى أن تأخذ بعين الاعتبار أن “حكومة الدبيبة هي حكومة مؤقتة”.

وأضاف لـ”العرب”، “ربما يقصد الدبيبة مصادرة بعض الأموال، وهناك الكثير من الليبيين الذين أدخلوا أموالا إلى تونس، ولكن من الأفضل أن يطلب الدبيبة من السلطات توضيح طرق الاحتيال وإصدار بيان في ذلك”.

عزالدين عقيل: ما قاله الدبيبة خطوة خاطئة لتسجيل نقاط سياسية ضد تونس

ويعتقد عقيل أن “الخطوة الأساسية الآن هي أن توضح تونس هذا الأمر بالتنسيق مع ليبيا”، لافتا إلى “متانة العلاقات بين البلدين؛ فهي علاقات اقتصادية واستراتيجية، بالإضافة إلى علاقات القرابة والمصاهرات، وهي علاقات أكبر من الدبيبة”.

وأردف “ما قاله الدبيبة خطوة خاطئة لتسجيل نقاط سياسية ضد تونس، والليبيون يعرفون تونس جيدا”، مستدركا “ربما هناك بعض الأطراف الإقليمية التي تربطها علاقات استراتيجية بليبيا -على غرار تركيا وقطر- استفزها التحسن الكبير في العلاقات الاقتصادية بين تونس وليبيا مؤخرا، وتسعى للضغط على الدبيبة من أجل العودة إلى مرحلة ما قبل قرارات الخامس والعشرين من يوليو”.

واستطرد "يجب على الدبيبة أن يوضح ما قاله، وهو أساء التعبير واختيار الألفاض المناسبة".

واعتبرت شخصيات تونسية أنه كان يفترض من الدبيبة أن يعالج الأمور بطريقة دبلوماسية وهادئة، مفسرة تصعيده ضد تونس بالتجاذبات السياسية في ليبيا التي تستعد لإجراء الانتخابات الرئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، وسعيه لكسب ود الشارع.

ورأى الأكاديمي والباحث في الجماعات الإسلامية علية العلاني أنه “كان على الدبيبة أن يحل هذه المشكلة بطرق دبلوماسية، وله الحق في أن يطرح ما يشاء والإدارة التونسية يمكن أن تنظر في الأمر”.

وأضاف في حديثه لـ”العرب”، “لا أعتقد أن الحكومة التونسية ستتنكر لهذه المطالب إن ثبتت صحّتها، ولكن هناك رواية من طرف واحد إلى حد الآن”.

واعتبر العلاني أن “تصعيد الدبيبة ضد تونس يندرج في إطار التجاذبات الانتخابية والسياسية في بلاده”.

وتبنى خالد عبيد، المؤرخ والمحلل السياسي التونسي، الموقف ذاته. وأشار لـ”العرب” إلى أن “ما ذكره الدبيبة يقصد به التوجه إلى الداخل الليبي، فهو يريد أن يكسب بطريقة أو بأخرى ودّ الليبيين قبل موعد الانتخابات، ولو كان ذلك على حساب دول الجوار”.

خالد عبيد: الدبيبة يريد أن يكسب ود الليبيين على حساب دول الجوار

وترى أوساط سياسية تونسية أن حركات الإسلام السياسي في البلدين ترفض الترتيبات الجديدة التي تحد من نفوذها، وتسعى جاهدة لإفشال قرارات الرئيس سعيّد، فضلا عن تعطيل مسار الاستقرار السياسي في ليبيا وإجراء الانتخابات في موعدها المحدد.

وهذه ليست المرة الأولى التي “يهاجم” فيها الدبيبة السلطات التونسية، فقد سبق أن اتهمها بتصدير الإرهاب في أغسطس الماضي، ضمن تصريحات وصفت بـ”المتهورة” ودفعته إلى التبرؤ منها بسرعة، حيث طلب زيارة تونس ثم إرسال وفد بقيادة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش.

وقال الدبيبة حينها “لن نقبل باتهامنا بالإرهاب، أنتم من جلب لنا الإرهابيين وحاسبوا أنفسكم قبل الاتهام، نحن شعب حر ولا يمكن أن نقبل اتهامنا بالإرهاب وأنتم حاسبوا أنفسكم يا من تتهموننا بالإرهاب”.
وتابع “إذا كانت دولة تونس تريد بناء علاقات حقيقية وصادقة معنا فلا بد من احترام دول الجوار، نحن أصبحنا فطنين؛ تفطنا للألاعيب الدولية ولا يمكن أن نقبل تكرار المشاهد السابقة، ولا يمكن أن نرضى بأن يتم الضحك على الليبيين مرة أخرى”.وأضاف “بعض الدول الجارة اتهمتنا بأننا إرهابيون، لكن العشرة آلاف إرهابي الذين دخلوا بلادنا من أين أتوا؟ أنتم الذين جلبتموهم لنا، الإرهاب جاءنا من الخارج وخصوصا من بعض الدول الجارة”.

وأثارت تصريحات الدبيبة التي اتهم فيها تونس ضمنيا بتصدير الإرهاب إلى بلاده موجة غضب واسعة لدى التونسيين.

وعبر نشطاء تونسيون عن استيائهم من تصريحات الدبيبة، متهمين إياه بالتحامل على تونس لكونه اختار الرد على تقارير إخبارية فيما لم تصدر عن السلطات التونسية أي إساءة تجاه ليبيا.

لكن الدبيبة عاد ليغير موقفه في تغريدة نشرها عبر حسابه على تويتر، وقال فيها إن “ما ورد من ادعاءات مغلوطة بشأن الأوضاع الأمنية بين البلدين لن يؤثر في عمق العلاقة الأخوية، وسنظل شعبا واحدا في بلدين”. وأردف “تعاني أوطاننا مشكلة الإرهاب، وتونس الشقيقة ليست استثناء”.

4