خطأ مهني يشعل صراعا أيديولوجيا على أعمدة الصحف الجزائرية

إزالة منارة المسجد الأعظم في الجزائر من صورة تفتح جبهات صراع بين بعض الصحف.
الأربعاء 2021/09/22
تضارب في الآراء والمصالح

إزالة منارة مسجد الجزائر الأعظم من صورة لجنازة الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة في صحيفة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية تثير جدلا إعلاميا واسعا، خاصة بعد دخول وزارتي الاتصال والأوقاف على الخط وتعرض الصحيفة لانتقادات من صحف أخرى بعضها يحمل لواء الدفاع عن ثوابت الأمة

الجزائر - ثار جدل إعلامي واسع في الجزائر بعدما حذفت صحيفة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية منارة مسجد الجزائر الأعظم من صورة جنازة الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة من صفحتها الأولى لعدد الاثنين.

وتُظهر الصورة الأصلية مدرعة عسكرية تجر عربة عليها جثمان الرئيس الراحل، على الطريق المار بجانب الجامع الأعظم والرابط بمقبرة العالية، وبجانب الطريق تنتصب المنارة شاهقة، خلف عمارة سكنية.

ويعتبر الجامع الأعظم في الجزائر ثالث أكبر مسجد في العالم، بعد المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة، كما أنّه أكبر مسجد في أفريقيا ومئذنته هي الأطول في العالم إذ يبلغ ارتفاعها 267 متراً.

والجامع المعروف محليا باسم جامع الجزائر هو مشروع للراحل بوتفليقة بلغت كلفته أكثر من مليار دولار واستغرق بناؤه سبعة أعوام.

وأقيمت الصلاة الأولى في الجامع في أكتوبر 2020 بعد عام من تنحّي بوتفليقة عن السلطة إثر احتجاجات ضدّ محاولته الترشّح لولاية رئاسية خامسة. وتوفّي الرئيس الأسبق الجمعة عن 84 عاماً.

الجامع الأعظم في الجزائر ثالث أكبر مسجد في العالم بعد المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة
الجامع الأعظم في الجزائر ثالث أكبر مسجد في العالم بعد المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة

وأقدمت الصحيفة بعملية تقنية بسيطة على حذف منارة المسجد بالكامل من خلفية الصورة. وكانت الصورة الأصلية اعتمدتها مختلف الصحف ووضعتها على صدر صفحتها الأولى.

وتعرضت الصحيفة إلى انتقادات واسعة أخذت منحى أيديولوجيا. ولم يجد مسؤولو الصحيفة مخرجا من هذه الورطة سوى حذف الصورة المعدلة واستبدالها بالصورة الأصلية.

ودخلت وزارة الاتصال على الخط منتقدة السلوك “غير المهني” للصحيفة، كما اعتبرت طمس منارة جامع الجزائر الأعظم الذي يشكل رمزا من رموز الدولة الجزائرية “تصرفا غريبا” وذكّرت بالقوانين والمراسيم التي تحمي هذا الصرح ومحيطه وتضبط حدوده وقواعده.

صحيفة "الوطن" الجزائرية قالت إن ما حدث "خطأ تقني مؤسف لا علاقة له بأي طابع أيديولوجي تدعيه بعض الأطراف"

وفي بيان لها عدّت الوزارة ما قامت به الجريدة “اعتداء صارخا على هذه القوانين، وتشويها لهذا الصرح الكبير والمعلم الديني، وخرقا لأخلاقيات المهنة وانحرافا عن قواعد الاحترافية”، كما قررت الاحتفاظ بحقها الكامل في المتابعة القضائية.

ودعا وزير الاتصال الجزائري عمار بلحيمر جريدة “الوطن” إلى “التحلي بالاحترافية المطلوبة والالتزام بضوابط المسؤولية الذاتية والقانونية وبآداب وأخلاقيات المهنة في ظل تعرض الجزائر لهجمة سيبرانية ومخططات ممنهجة لتشويه صورتها وقيمها المقدسة”.

وأضاف الوزير أن “الحذف المفاجئ لمنارة جامع الجزائر أثار استياء واستغرابا كبيرين لما لهذا التصرف الغريب وغير المبرر من حساسية لارتباط الموضوع بوجدان الأمة ممثلة في أبرز رموز ومقومات الهوية الوطنية ومكونات الشخصية الجزائرية المستهدفة بمختلف الطرق والوسائل”.

وقالت وزارة الشؤون الدينية في ردها “إن مثل هذه الانتهاكات حري أن تفضي إلى متابعات إدارية وإجراءات قضائية”. وأضافت أن “جامع الجزائر صرح ديني ومعلم ثقافي وعلمي وحضاري، يؤرخ لجزائر الاستقلال ويقدم رسالة وفاء للشهداء، برمزية تاريخية وثقافية دينية، تؤسس لتاريخ ومستقبل شعب رفض مخططات الاستعمار، وتمسك بمقوماته الدينية وموروثاته الثقافية، في بقعة حولتها جزائر الاستقلال من ‘لافيجري’ إلى المحمدية، ومن جمعية الآباء البيض التبشيرية إلى جامع الجزائر”.

صحيفة "الوطن" تعرضت إلى انتقادات واسعة أخذت منحى أيديولوجيا
صحيفة "الوطن" تعرضت إلى انتقادات واسعة أخذت منحى أيديولوجيا

من جانب آخر أطلقت صحيفة “الشروق” الجزائرية حملة ضد صحيفة “الوطن” ونشرت مقالا منتقدا لما فعلته تحت عنوان “عدوان مهني وأخلاقي”.

وقالت صحيفة “الشروق” منتقدة نظيرتها إنها “تعتبر من بين الصحف التي شنت حملة شعواء على مشروع بناء المسجد الأعظم عندما كان في بداياته، حيث اعتبرت تشييده تبذيرا لأموال ومقدرات الجزائريين، في سجال أخذ يومها الطابع الأيديولوجي بين معسكرين متنافرين”.

واتهمت “الشروق” صحيفة “الوطن” بالقيام بدور رأس الحربة في استهداف مشروع بناء الجامع الأعظم منذ البداية، مؤكدة أنها “استضافت في سياق حملتها وعبر أعمدتها مختصين شككوا في جدوى المشروع، وطالبوا باستبداله بمشاريع أخرى رأت أنها أفضل للجزائر في تقديرها”.

وتابعت “رافقت تلك الحملة على المسجد الأعظم وسائل إعلام فرنسية، وعلى رأسها قناة ‘فرانس 24’ التي خصصت مقالا مطولا عبر موقعها على الإنترنت، تحت عنوان ‘حملة ضد مشروع بناء مسجد الجزائر الكبير’، في العام 2012، تحدثت من خلاله عن عرائض لناشطين ضد بناء المسجد، كما نقلت آراء بعض المختصين، عبروا عن مخاوفهم من انهيار المسجد الأعظم بسبب تشييده على أرضية هشة”.

وسلطت صحيفة “الشروق” الضوء على ما قاله مراقبون -لم تسمهم- بشأن تورط جزء من الإعلام الفرنسي في الهجوم على المسجد الأعظم، لكونه شيد في منطقة المحمدية، وهو المكان الذي كان يحمل خلال حقبة الاحتلال الفرنسي اسم “لافيجري”، نسبة إلى كبير أساقفة الجزائر شارل لافيجري، قائد حملات التبشير لفرض الديانة المسيحية على الجزائريين.

كما ذكّرت الصحيفة بقول الرئيس عبدالمجيد تبون، حينما كان حينها وزيرا للسكن في عام 2016، إن “شركة فرنسية هي من تحرّض بعض وسائل الإعلام الفرنسية على الجزائر بعدما فشلت في أخذ المشروع”. وتعد جريدة “الشروق اليومي”، التي تمّ بعثها عام 1990 تحت مسمّى “الشروق العربي”، في طليعة الصّحف المعرّبة الأكثر مبيعًا وتأثيرًا في الرّأي العام، لانتهاجها خطًّا يدافع عن مكانة ما يسمّى في الجزائر بثوابت الأمة، منها اللغة العربية، حتى أن سحبها يبلغ مليون نسخة في بعض المفاصل المتميزة بأحداث جاذبة للاهتمام العام.

الجدل يأتي في إطار مناخ عام يتعرض فيه صحافيون للقمع، كما أن العديد من وسائل الإعلام الإلكترونية محجوبة حاليًا على الأراضي الجزائرية

من جانبها نشرت صحيفة "الوطن" الجزائرية بيانا جاء فيه إن ما حدث “خطأ تقني مؤسف لا علاقة له بأي طابع أيديولوجي تدعيه بعض الأطراف المعروفة بمعاداتها للصحيفة”، مضيفة أنها تقدم اعتذارها للقراء.

وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها صحيفة "الوطن" الجدل إذ حرمت العام الماضي في نفس التوقيت من الإعلانات العامة بعد نشرها مقالاً عن ثروة اثنين من أبناء رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح.

وقال مدير الصحيفة الطيب بلغيش حينها "أؤكد أن الصحيفة حُرمت من الإعلانات العامة بعد نشر هذا المقال". وأضاف "الأمر يشبه أيام عبدالعزيز وسعيد بوتفليقة (الرئيس الأسبق المخلوع وشقيقه). هذه ضغوط وعمليات ابتزاز لا تطاق".

ويأتي هذا الجدل في إطار مناخ عام يتعرض فيه صحافيون للقمع. كما أن العديد من وسائل الإعلام الإلكترونية محجوبة حاليًا على الأراضي الجزائرية.

وشجبت منظمة "مراسلون بلا حدود" استمرار "الضغط على وسائل الإعلام" ودعت السلطات إلى "احترام حرية التعبير".

والدولة هي أكبر مُعلن في الجزائر، حيث يُعهد بالإعلانات الخاصة بالإدارات والمؤسسات العامة بموجب القانون حصريًا إلى المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار.

وقد تعرضت المؤسسة لانتقادات بسبب دورها كـ"أداة سياسية" تختار وسائل الإعلام ليس وفقًا لجمهورها وإنما وفقًا لخطها التحريري.

الصورة الأصلية تظهر مدرعة عسكرية تجر عربة عليها جثمان الرئيس الراحل على الطريق المار بجانب الجامع الأعظم
الصورة الأصلية تظهر مدرعة عسكرية تجر عربة عليها جثمان الرئيس الراحل على الطريق المار بجانب الجامع الأعظم

 

18