فن الأراجوز يعيد تشكيل السيرة الهلالية لتوفير تنشئة أفضل للأطفال

باحثة مصرية تسعى لاستغلال الحكايات الشعبية للحفاظ على التراث.
الأربعاء 2021/08/18
فن عريق له تأثير ساحر

في العام 2018 صنفت اليونسكو عرائس الأراجوز كجزء أصيل من التراث الإنساني الملموس لينتقل هذا الفن من الهامش إلى بؤرة الاهتمام بنيله اعترافا محليا وعربيا وعالميا. ولكن هذا الاعتراف لم يواكبه تطوير في استغلال هذا الفن للحفاظ على التراث الثقافي عبر ما يقدمه من حكايات شعبية، وهو ما تدرسه الباحثة المصرية سلمى حمزاوي مقدمة توصيات لتثمين هذا الفن وترسيخ دوره لدى الأطفال.

مرحلة ما قبل المدرسة هي الأهم في تكوين الشخصية الإنسانية، ففيها تتبلور السمات الأساسية لما ستكون عليه شخصية الطفل في قادم الأيام، لذلك يزداد الاهتمام بتربية الطفل تربية متكاملة تشمل النواحي الوجدانية والعقلية والاجتماعية والثقافية كافة.

وهنا يبرز الحكي الشعبي كواحد من أهم الأدوات لتعليم الطفل وتنشئته، وتحقيق تربية متكاملة وتطوير مداركه في مختلف المراحل، ولاسيما مرحلة ما قبل المدرسة، ويستخدمها بعضهم بهدف تصحيح سلوك الطفل وتفعيل نشاطه.

التراث وفن الأراجوز

تعتبر رسالة للباحثة سلمى حمزاوي “فاعلية برنامج يتأسس على الحكي الشعبي المستند على فن الأراجوز لتنمية بعض القيم الأخلاقية لدى أطفال ما قبل المدرسة”، والتي نالت عنها درجة الماجستير من كلية التربية للطفولة المبكرة بجامعة الإسكندرية، مهمة جدا في مجال التراث والطفولة، إذ تعمل على إحياء التراث وإعادة صياغته وتقديمة لطفل اليوم عن طريق تقديم حكايات السيرة الهلالية باستخدام الأراجوز بهدف تنمية القيمة الأخلاقية لدى الأطفال خاصة.

وترى حمزاوي أنه مع القصور الواضح في تنمية القيم باستخدام الأراجوز كوسيلة تعد من أكثر الوسائل متعة وتأثيرا على أطفال ما قبل المدرسة، كانت أهمية البحث ومحاولة الإجابة على السؤال التالي: ما فاعلية برنامج قائم على الحكي الشعبي باستخدام الأراجوز في تنمية بعض القيم الاخلاقية لدى أطفال ما قبل المدرسة؟

السيرة الهلالية ملحمة شعبية تتميز بطابع شمولي وبطولي، تتباين فيها الأحداث والوقائع ويمكن استغلالها لتنشئة الأطفال

وتضيف “السؤال الذي ذكرته هو ما دفعني لاختيار الأراجوز والسيرة الهلالية كمبادرة لإحيائه والحفاظ عليه، واختيار السيرة الهلالية جاء من كونها تعتبر ملحمة شعبية أقرب إلى ذاكرة الناس، تتميز بطابع شمولي وبطولي، تتباين فيها الأحداث والوقائع والمواقف التي تمثل الحياة الاجتماعية للطفل، ولكن تم تقديمها بعد عمل إعادة كتابة وصياغة للسيرة الهلالية بأكملها وإزالة القيم السلبية والخرافات منها والتركيز فقط على القيم الإيجابية وإعادة كتابتها بطريقة بسيطة سهلة ومرحة تتناسب مع أسلوب عرض الأراجواز، ومع تقديمها لطفل اليوم”.

وتقول الباحثة “للحكي الشعبي أهمية كبرى في تنشئة الطفل، حيث إن الاهتمام بالتُراث للطفل يحقق نوعاً من التوزان بين ماضيه، وحاضره ويحقق التواصل بينهما، كما يزود الطفل بالنماذج الصالحة التي تُسهم في تقوية مشاعر انتمائه، ويدعم عاطفة الولاء لبيئته، وقد ينطوي على ذخيرة من القيم الإيجابية التي تفيد في تنشئة الطفل. ويعتبر الحكي الشعبي من أهم الوسائل التعليمية التي لجأت إليها المجتمعات لغرس القيم الأخلاقية، وذلك لأن الحكي الشعبي من أحب أنواع الفنون للأطفال فهم يحبونها ويتلقونها بحماس ويتجاوبون مع الأبطال ويفرحون لانتصارها”.

وتؤكد حمزاوي أن “فاعلية الحكايات الشعبية تأتي في تحقيق احتياجات البشر منها معرفة جذورهم وأصولهم وتاريخهم، وتقديم التجارب الإنسانية، والإجابة على العشرات من الأسئلة التي تطوف بذهنهم، لذا يجدر بنا أن نجعل الحكايات الشعبية من محاور التربية. كما تظهر أهمية الحكاية الشعبية للطفل كونها تثري معرفته من خلال الأدوار التي يمارسها في طفولته سواء بالمشاركة، أو التقليد، أو بالتوحد مع نماذج، وأيضاً تُنمي حاجته للانتماء من الاعتراف العاطفي، والاجتماعي بهذه الذات، ويحقق الطفل هذه الحاجة من خلال النماذج التي يتوحد بها في طفولته، وتشكل له النموذج، والمثل الأعلى للوالدين والمدرسين والأصدقاء والأبطال”.

وتلفت الباحثة إلى أهمية تربية الطفل في إطار تراثنا، وقيمنا كون ذلك أنسب السبل لتنمية العديد من القيم في هذه المرحلة؛ لذا فالوعي بالتراث والدور التاريخي له؛ يدفعنا للغوض في تراثنا بحثاً عن اللآلئ فإذا عثرنا عليها أزلنا عنها القشور، وصقلناها لكي تلمع وتتألق، والحكي الشعبي جزء هام من تراثنا الأدبي ويحفل بالعديد من القيم الأخلاقية التي لها شأن في تربية طفل ما قبل المدرسة.

ويعد الأراجوز من أهم الموروثات الشعبية المصرية كما يعتبره البعض من الفنون القديمة الشيقة والمحببة إلى قلب ووجدان الطفل، وكانت منتشرة انتشارًا كبيرًا في ربوع مصر من أقصاها إلى أقصاها، حيث كان يطوف لاعبو الأراجوز شوارع وحواري القرى والمدن، لعرض فقراتهم على الناس مقابل قروش قليلة، يحصلون عليها من الجمهور مقابل استمتاعهم بتلك العروض.

وفن الأراجوز الذي أبدعه الفنان الشعبي، هو من قاد فيما بعد إلى مسرح العرائس، وسبق فن الكارتون والصور المتحركة الذي نشاهدهما اليوم على التلفزيونات، ورغم ذلك لا زالت فقرة الأراجوز هي الفقرة المحببة للأطفال في أي حفل يحضرونه خاصة بهم.. ولكن للأسف هذا الفن العريق بدأ يندثر نوعًا ما وهذا ما دعا منظمة اليونسكو لتسجيله في القائمة الخاصة للحفظ العاجل للتراث الثقافي غير المادي. وأيضا تسجيل السيرة الهلالية في عام 2008 في قائمة الصون العاجل للثراث الثقافي غير المادي.

قيم أخلاقية

من الهامش إلى بؤرة اهتمام
من الهامش إلى بؤرة اهتمام

قامت حمزاوي بعمل دراسة استطلاعية لعشرين معلمة برياض الأطفال وسؤالهم عن استخدامهم للأراجوز والحكايات الشعبية في العملية التعليمية، وأجابت خمس معلمات فقط أنهن أحيانا يستخدمن الأراجوز في بعض العروض البسيطة، فيما أجابت خمس عشرة معلمة بأنهن لا يستخدمن الأراجوز ولا الحكي الشعبي في العملية التعليمية.

كما وضعت الباحثة قائمة بالقيم الأخلاقية المناسبة لتقدم لأطفال ما قبل المدرسة وعرضها على الخبراء في التربية ومناهج الطفل وتحديدها، وتم تحديد 12 قيمة وهي”العطف، الصدق، المسئولية، الأمانة، الشجاعة، التعاون، الشكر، الكرم، حب الآخرين، الطاعة، العدل، حب التعلم”.

وطبقت برنامج الرسالة بعمل 18 عرضا للأراجوز المصري يتضمن كل عرض منها حكاية شعبية من حكايات السيرة الهلالية، تقدم من خلالها القيم الأخلاقية التي حددها خبراء التربية ومناهج الطفل، وقد أقيمت هذه العروض بالمركز التربوي للطفولة المبكرة إحدى المدارس المنتسبة لليونسكو. وحققت أثرا كبيرا في نفوس الأطفال حيث قدمت مواقف أخلاقية وحكايات اجتماعية كلها قريبة لحياة الطفل اليومية بأسلوب الأراجواز السلس البسيط المرح وصوته المميز الذي جذبهم للاستماع إليه والتفاعل معه، إلى جانب حكايات السيرة الهلالية المقدمة بشكل جديد وجذاب وسهل يمكن للطفل أن يتعلم من خلاله.

الأراجوز من أهم الموروثات الشعبية المصرية كما يعتبره البعض من الفنون القديمة الشيقة والمحببة إلى وجدان الطفل

وأوصت دراسة الباحثة حمزاوي أولا بضرورة الاهتمام بالتراث اللامادي كوسيلة تعليمية في مرحلة ما قبل المدرسة، وذلك لما ثبت لها من أهمية في العملية التعليمية والتربوية لأطفال ما قبل المدرسة. وثانيا استخدام برنامج الحكي الشعبي المستند على فن الأراجواز في مرحلة ما قبل المدرسة كوسيلة تعليمية فعاله تساهم في تنمية بعض القيم الأخلاقية لأطفال ما قبل المدرسة. ثالثا تشجيع المعلمات على استخدام الحكي الشعبي وفن الأراجوز في العملية التعليمية واستخدامه كوسيلة لتقديم مفاهيم للأطفال وغرس القيم النيرة في نفوسهم.

ورابعا أوصت بالاهتمام باحتواء مناهج رياض الأطفال على التراث الشعبي بكل أنواعه وتوظيفه في تعلم الطفل، كما تأمل الباحثة أن تفيد نتائج الدراسة الحالية واضعي الأهداف التربوية ومصممي المناهج والبرامج التعليمية وكذلك أولياء الأمور بوجه عام.

يذكر أن رسالة حمزاوي جاءت تحت إشراف الدكتورة هدى إبراهيم بشير أستاذة مناهج الطفل وعميد كلية التربية للطفولة المبكرة و الدكتورة مروة أحمد عبدالنعيم أستاذة مناهج الطفل المساعد بكلية التربية للطفولة المبكرة وشارك في لجنة الحكم والمناقشة وجنات البكاتوشي أستاذة مناهج الطفل بكلية التربية للطفولة المبكرة ونبيل بهجت أستاذ النقد والدراما بكلية الآداب جامعة حلوان.

15