أبطال مسرحيون يتحركون على أربع ويتنكرون في شكل كلاب

عرض مصري يناقش أبرز القضايا الإنسانية من خلال حيوانات مقهورة.
الأحد 2021/06/27
أبرز العرض فكرة التوق إلى الحرية

ليس جديدا استعمال الحيوانات في تناول أهم القضايا الإنسانية، ولنا في كليلة ودمنة خير شاهد على قدرة الإبداع على إسقاط عالم الحيوانات على ما يعيشه البشر. وربما كانت هذه الوسيلة، علاوة على مسألة التخفي خلفها خوفا من بطش السلطة، هي الأقرب لفهم القضايا الإنسانية بشكل أبسط، حيث تخرج من جلباب الإنساني إلى الحيواني، وهذا ما يحدث تقبلا سلسا أكثر عند مختلف شرائح المتقبلين. وفي هذا الصدد اختار العرض المصري “DOGS” أو “الكلاب” أن يتقمص كل أبطاله أدوار كلاب، مقدما إسقاطات كثيرة على واقع البشر والحيوانات والبلاد.

 لم يكن غريبا أن نشاهد ممثلين يرتدون أزياء القطط  في عرض مسرحية القطط التي عرضت عالميا منذ 40 عاما، لكن الغريب هو ما شاهدناه على مسرح الجمهورية بالقاهرة؛ ففي مسرحية DOGS -أو “الكلاب”- التي قام ببطولتها 28 ممثلا وممثلة من ورشة “ابدأ حلمك” التابعة لمسرح الشباب بوزارة الثقافة المصرية ارتدى الممثلون والممثلات أزياء تنكرية وصاروا في شكل كلاب طوال 90 دقيقة وكانوا يمشون على أربع ويمثلون أدوار الكلاب المختلفة.

ومسرحية “الكلاب” عرض استعراضي غنائي كوميدي انتهى عرضه الأربعاء الماضي، ويدور حول مجتمع تخيلي من الكلاب بمختلف أنواعها -اللوللو، والدبرمان، وبوكسر، وبيت بول، وبل دوج، وغيرها- وما فيه من علاقات وصراعات شرسة دموية، وما تعانيه من مشاكل وحقوق تبحث عنها، مثل منع التنمر وتحقيق العدل والحرية والعودة إلى الوطن، وبما تحمله من إسقاطات على الجنس البشري الذي أصبح العديد من أفراده أقل وفاء ونبلا من هذه الحيوانات.

عرض “الكلاب” من بطولة خريجي الدفعة الثانية من ورشة “ابدأ حلمك”، وهي فكرة جسورة قادها المخرج كمال عطية مع ممثلين شجعان قدموا أدوارا جسورة نراها لأول مرة على المسرح المصري عن مجتمع الكلاب الوفي النبيل والشرس أيضا.

تقديم الكلاب على خشبة المسرح لم يكن قاصرا على عرض “الكلاب” المصري؛ فقد سبقته تجارب، أبرزها مسرحية “جزيرة الكلاب” للكاتب الإنجليزي توماس ناش التي منعت من العرض بعد ليلة واحدة، ولا توجد نسخة لها بسبب الآراء السياسية الصادمة التي يتبناها أبطالها، ومسرحية “كلب السفير” السورية التي تدور حول كلب سفير يدخل الحديقة ويتم وضع السم في طعامه فيأكله مدربه بدلا منه وهو سعيد بأنه سيموت فداء للكلب.

ويؤكد المخرج كمال عطية لـ”العرب” أن الفكرة واتته منذ نحو عامين كنوع من الوفاء لأوفى المخلوقات التي تتعرض أحيانا للأذى والمعاملة السيئة من قبل البشر، وتوقف التدريب أكثر من مرة بسبب جائحة كورونا، حتى خرج العرض للنور أخيرا.

قيمة الحرية لكل المخلوقات، وخاصة في عالم الكلاب، هي أول فكرة حملها العرض الذي استعرض مجموعة من الكلاب المختلفة التي تعلن فيه أنها ملوك الليل والشوارع، وتعشق الحرية والانطلاق حيث تمرح وتلعب حتى تسقط فجأة في شباك الصياد فاقدة حريتها، لتصبح سجينة في ملجأ خاص بالكلاب.

 وراء الشمس

ظهرت فكرة اختطاف المخلوق وسجنه دون أن يعلم لماذا ولا أين، أو ما يطلقون عليه اسم “وراء الشمس”، من خلال نقل الكلاب فجأة إلى مكان غير معلوم ليبدأ التساؤل عن ماهية هذا المكان والغرض من اختطافها، وما هو مصيرها فيه. وهي تساؤلات عديدة تنطلق مع التجربة المسرحية الغريبة.

وتتناحر الكلاب فيما بينها وتتناسى المصيبة الحقيقية وهي اختطافها وسجنها، في إسقاط واضح على تناحر الناس وتناسيهم العدو الذي سلبهم حريتهم وربما حياتهم، وهو ما يظهر في الصراعات بين أنواع الكلاب المختلفة التي تم اصطيادها.

أبرز العرض فكرة التوق إلى الحرية عبر الكلب الذي يتحدث مع صديقه عن معاناته من وقوعه في الأسر، وهو الذي كان يجوب الشوارع بطولها وعرضها في اليوم أكثر من مرة، متنقلا من مكان إلى آخر دون عائق أو مانع.

مسرحية "الكلاب" عرض استعراضي غنائي كوميدي عن مجتمع تخيلي من الكلاب، في إسقاط على عالم البشر
 

وأطلت فكرة الحنين إلى الوطن في مشهد معاناة الكلب البلدي بعد اختطافه بعيدا عن الحي الذي نشأ فيه بالقاهرة، وتوقه إلى أفراد قبيلته من الكلاب تماما كما يحدث لبني البشر عند سفرهم إلى خارج أرض الوطن.

كذلك نجد مأساة كلاب الشوارع وما تعانيه من تعرض للإيذاء البدني بل والنفسي في مشهد الكلب البلدي الذي يروي معاناته مع الأطفال في بعض المناطق الشعبية، حيث يقومون بربطه بحبل وسحله أمام باقي أعضاء قبيلته الذين يعانون من تصرفات بني البشر التي تصل إلى حد تعذيبهم والتسبب لهم في عاهات مدى الحياة.

وظهرت معالم الإحساس بالدونية من بعض الكلاب البلدي والصراع بين الأنواع المختلفة في تجمع الكلاب كإسقاط على عالم البشر، فذلك الكلب الذي يسعي لاقتناص لقمة من بين صناديق القمامة في الشوارع ينظر إلى نفسه بدونية أمام تلك الكلاب المدللة التي تطل بأعناقها من نوافذ السيارات الفارهة.

جاءت معاناة الكلاب المدللة من الوقوع في الأسر على طريقة ارحموا عزيز قوم ذل من خلال مشاهد الحديث بين كلبين من نوعي بطباط ويوركشاير المشهورة بأنها من أجمل أنواع الكلاب المدللة، فبعد حياة القصور مع الأثرياء تجد نفسها غير قادرةعلى التأقلم في الملجأ الذي لا تتوافر فيه سبل الرفاهية التي عاشتها سابقا، مثل عدم وجود بيوت خاصة بها أو حمامات سباحة تلهو فيها وتمرح.

الفوارق الطبقية

خلف الكلب الشرس إنسان غير سوي
خلف الكلب الشرس إنسان غير سوي

كان التفاوت الطبقي حاضرا؛ فبينما تعاني كلاب الشوارع من سعيها لتحصيل الرزق في الشوارع مهددة من شرطة الخيالة وأعداء الحيوانات، حيث تتعرض للسحل والقتل، يحكي الكلب المدلل كيف أن صاحبته تدللـه وتشتري له الطعام المستورد وتنظفه بأنواع الشامبوهات والعطور المستوردة خصيصا له، وكيف أن صاحبته تشارك به في مسابقات جمال مخصصة للكلاب، وهي المسابقات التي تعقد سنويا في بعض النوادي الكبيرة بالقاهرة، بل تخصص لهذه الكلاب مقابر للدفن مكتوب عليها “مقبرة أغلى الغاليين وأحلى الحلوين بعد عمر طويل”.

وعلى طريقة الفيلم المصري “البريء”، بطولة الفنان أحمد زكي وإنتاج عام 1985، الذي أوضح كيف أن الشخص البريء يمكن تحويله إلى شرير يعذب بني جنسه، أكد العرض أن اختطاف الكلاب يتم بمعرفة كلب من أشرس الأنواع في العالم، من النوع البيتبول، ومهمته “تشريس” الكلاب الموجودة في الملجأ.

وذلك عبر إطلاق الرصاص، ولا يرى أحد من أطلقه؛ بما يعني أن خلف الكلب الشرس إنسانا غير سوي ذا رغبة دموية، يجبر الكلب على تشريس بني جنسه لفرض سيطرته على عالم الكلاب للتربح من بيعه.

الإسراف في الأمل

أسرفت المسرحية في الأمل بوقوع قصة حب من كلبة من نوع “للو للو” وكلب بلدي من كلاب الشوارع العادية، وينجبان خمسة جراء تمثل الأمل في النجاة من الملجأ بقيام الأب بفتح ثغرة في السور ليخرج منها الأبناء.

ويوصي الوالدان الكلاب الصغيرة بأن تتمتع بالحرية والعدل والوفاء وألا تخضع للتشريس أو تسبب أذى لبني الإنسان بعقرهم أو مهاجمتهم، ثم تنتهي المسرحية بإعادة الاستعراض الذي قَدّم في البداية هذه الحيوانات على أنها ملوك الشوارع وعشاق الحرية.

وتضمن العرض سبع أغنيات غاصت في أعماق عالم الكلاب وقضاياها وصراعاتها، وجرى تدريب الممثلين على أداء الألحان وأغاني العرض وطريقة التمثيل ليكونوا أقرب إلى عالم الكلاب.

ويوضح الموسيقار محمد حسني لـ”العرب” أنه وظف الموسيقى بمنطق عالمي، لأن معظم الألحان غربية واستخدم فيها آلات تعبر عن مشاهد العرض المختلفة والآلات الموسيقية التي تقترب من نباح الكلاب، مثل الطروشان والدرامز والغيتار والأورغ، وخلق بعدا صوتيا أقرب إلى الموسيقى السينمائية، وحرص على تسجيل الموسيقى بينما يغني أبطال العرض بطريقة “لايف” للتفاعل أكثر مع الجمهور.

ويشير حسني إلى أنه تخوف في البداية من الفكرة التي تصلح لفرق مسرحية محترفة وليست لمجموعة هواة، إلا أن مخرج العرض (كمال عطية) أقنعه وراهن على نجاح العرض بالممثلين الجدد وربح رهانه.

ويضيف المسيقار أن كل مشهد في العرض تم توظيف الموسيقى له حسب الغرض منه، واستخدم آلة البيانو للتعبير عن المشاهد الرومانسية بين الكلاب، وموسيقى الروك وآلة النفخ التي تقترب من نباح الكلاب في مشاهد الصراع.

إخفاء الملامح

قيمة الحرية لكل المخلوقات، وخاصة في عالم الكلاب، أول فكرة حملها العرض الذي استعرض مجموعة من الكلاب المختلفة
قيمة الحرية لكل المخلوقات، وخاصة في عالم الكلاب، أول فكرة حملها العرض الذي استعرض مجموعة من الكلاب المختلفة

رغم جودة الفكرة وعمقها يُعاب على المخرج أن الممثلين الـ28 يظهرون بالكامل وهم يرتدون أزياء الكلاب التنكرية من البداية إلى النهاية، ما يوقع ظلما على الممثلين والممثلات الجدد بإخفاء ملامح وجوههم الحقيقية.

وأحدث النباح المستمر على خشبة المسرح نوعا من الإزعاج والضوضاء في صالة العرض، ولو ندر استخدام النباح وتم الاكتفاء بالأداء التمثيلي المعبر لكان ذلك أفضل.

لكن ما الداعي إلى سير الممثلين على أربع طوال مدة العرض بما يتطلبه من مشقة تؤثر سلبا على طريقة الأداء؟ فقد كان من الأفضل السير على قدمين لإبراز قدراتهم التمثيلية التي ضاعت بين الملابس الثقيلة ومجهود السير على أربع.

13