أوبريت مصري يجدّد قصة العشق الشعبية حسن ونعيمة

"طقوس العودة" عرض مسرحي يستعرض مفاهيم البطولة والشهامة والغدر وقهر النساء.
السبت 2021/06/19
نهاية مأساوية لقصة حب خالدة

يحمل عرض “حسن ونعيمة” الذي يقدّمه مسرح الغد التابع للبيت الفني للمسرح في قاعة صلاح عبدالصبور بمسرح الطليعة في القاهرة الكثير من ملاح الأوبريت الشعبي، حيث يستلهم من التراث قصة حسن ونعيمة الشهيرة برؤية عصرية جديدة تعيد إلى الأذهان جوانب مهمة في قصص الحب عبر التاريخ المصري التي انتهت بمأساة، مثل إيزيس وأوزوريس وكليوباترا وأنطونيو.

القاهرة - على عكس النهاية السعيدة التي تميّز بها الفيلم المصري “حسن ونعيمة” الذي أنتج عام 1959 وأخرجه هنري بركات وانتهى بزواج حسن ونعيمة، استلهم العرض المسرحي “طقوس العودة” من قصة الحب البعد الحقيقي، والتي دارت أحداثها في إحدى قرى محافظة المنيا بجنوب مصر، وانتهت في الواقع بقتل حسن المغنواتي وفصل رأسه عن جسده وإلقاء جثته في النيل.

تتمثل رؤية المخرج سعيد سليمان الجديدة لقصة حسن ونعيمة في الوصول إلى نخاع العادات والتقاليد التي ما زالت تمارس في بعض القرى بمصر، من قمع ومصادرة لمشاعر المرأة ومنعها من اختيار شريك حياتها وحريتها في تقرير مصيرها.

وعلاوة على مناهضة فكرة الطبقية التي كانت سائدة قبل ثورة 23 يوليو 1952، لكنها عادت بقوة للظهور في الوقت الراهن بسبب بعض القرارات الاقتصادية الصعبة التي أحدثت ارتفاعا في الأسعار وأوجدت فجوة بين فقراء لا يجدون ثمن رغيف خبز وطبقة أخرى تعيش حياة مليئة بالرفاهية.

تجنب التشابه

العرض ناقش قضية إجبار الفتيات على الزواج وعدم الاعتراف بالحب العذري بين الجنسين، وأدان صفات الغدر والطبقية

تبدأ المسرحية بعثور نعيمة على رأس حسن وتُعمل طقوسها في إعادة رأسه إلى جسده لأنها تحيا بمبادئه وأفكاره وأغانيه، والتي تنير لها طريق حياتها الخاصة.

هذه الطقوس تبدو قديمة جدا، فلماذا أغفل المخرج وضع بعض الموتيفات والإكسسوارات لضرب عصفورين بحجر واحد، الأول سرد قصة الحب الشهيرة بمنظور مختلف، والثاني دعم العرض بقصة إيزيس التي ظلت تُمارس طقسا لفترة طويلة لتجميع أشلاء حبيبها أوزوريس؟ ربما تعمّد المخرج هذا التغافل لينفي عن نفسه تهمة أن زاويته في طرح قصة حسن ونعيمة تتطابق مع رواية إيزيس وأوزوريس.

ويحسب لمخرج العرض تقديم أوبريت غنائي شعبي على خشبة مسرح الدولة بإمكانيات مادية ضعيفة، فقد قدّم قصة غنائية بتكلفة زهيدة واستخدم خمسة من العازفين الذين أوحوا للجمهور وكأنهم خمسون عازفا، ما يؤكّد أنه عندما تخلص النوايا لا تقف الإمكانيات أمام تحقيق نصر فني جديد بأبسط التكاليف اعتمادا على طرح قوي لقصة تراثية والاستعانة بالموسيقار الشهير أحمد الحجار الذي دعّم العرض بأغان حية، وأجاد في تمثيل دور الراوي، والمطربة الممثلة نجلاء يونس التي أتقنت دور الحبيبة، كما لعب دور حسن العازف والمطرب والممثل ماهر محمود.

ظهرت الجرأة الكبيرة في تقديم عرض مسرحي بأغان جميعها حية، غير مسجلة، أضافت روحا جديدة للعرض وأسهمت في نجاحه بشكل كبير.

ولعب الموسيقار أحمد الحجار بخبرته الفنية الكبيرة ورؤيته الموسيقية المتجددة وحسه المرهف دورا في نجاح العرض، ليس بإعداد وتلحين الأغاني فقط، لكن بالوقوف على خشبة المسرح والغناء على الهواء مباشرة، وتواجده اليومي في العرض وتواضعه الجم وتبديله في الألحان وتطويرها منذ كانت فكرة تبحث على الطاولة حتى خرج العرض إلى النور بما ساعد على إنتاج أوبريت مسرحي جيد.

وجود الحجار لم يكن قاصرا على الأغاني وتلحينها وإنما امتد إلى نقد طريقة أداء الممثلين ليلهب الحماس داخلهم وتقديم أروع ما لديهم.

البحث في التراث

أسئلة حول الزمن المصري الراهن
أسئلة حول الزمن المصري الراهن

قال مخرج العرض سعيد سليمان لـ”العرب” إنه تستهويه فكرة البحث في التراث الشعبي وله تجارب سابقة، مثل مسرحية “ياسين وبهية”، والتقط فكرة الموال الشعبي في “حسن ونعيمة” وقام بمسرحته وتقديمه برؤية فنية درامية لأحداثه بكل ما تحمله من رموز وإسقاطات ما زالت حاضرة بقوة في عصرنا.

وأضاف سليمان أنه جمع في العرض بين الموال والحكي الشعبي وصندوق الدنيا ومسرح العرائس وانحاز إلى تقديم التراث من وجهة نظر الفنان وليس بشكل متحفي وثائقي تسجيلي.

وطرح العرض قضايا مختلفة ربما تغيب عن بال البعض، أبرزها التعرّض لسيرة حسن المغنواتي وما يحمله من صفات حميدة، مثل الشهامة والفروسية والبطولة الشعبية والحس الفني، وناقش قضية إجبار الفتيات على الزواج وعدم الاعتراف بالحب العذري العفيف بين الجنسين حتى الآن، وأدان صفات الغدر والطبقية التي منعت زواج حسن المغنواتي الفقير من ابنة الأثرياء نعيمة.

وأظهر العرض الغدر في إيهام أهل نعيمة لحسن بالموافقة على زواجه منها، ثم الغدر به وقتله وفصل رأسه عن جسمه والقذف بها في النيل بمنتهى الوحشية.

بدأ التناول الجديد لعرض “حسن ونعيمة” مع ظهور نجلاء يونس التي تقدّم دور نعيمة، حيث تعثر على رأس حسن بعد قتله، وتبدأ في ممارسة طقوس عديدة لإعادة الرأس إلى الجسد، إلاّ أن صوت حسن ينطلق من خلال صندوق الدنيا لمنعها ممّا تفعله، مؤكّدا أن الجسد فان وروحه عادت إليها لتدعمها بقوة.

المسرحية جمعت بإتقان بين الموال والحكي الشعبي وصندوق الدنيا ومسرح العرائس لتسرد قصة حب شعبية انتهت بمأساة

وتوحي القصة بأن المرأة قوية وصامدة على مرّ الزمان، وهي فكرة أساسية ظهرت من خلال إصرار نعيمة على استعادة جسد حبيبها ومواويله التي تعيش بها لأنها تحمل القيم الأصيلة والنبيلة والوطنية.

واعتمد ديكور العرض للمهندسة نورهان سمير على صياغة الشكل الشعبي بما يحتويه من صندوق الدنيا المكون من ثلاث فتحات، وهو حلقة الوصل بين نعيمة وحسن بعد عودته، وفوق شاشة الخيال يوجد رأس تمثال حسن وعلى خشبة المسرح سجادة مفروشة على الأرض لإبراز البساطة والعفوية التي كان يعيشها حسن ونعيمة في ذلك الوقت.

كان يفضل تدعيم الديكور بصور وخلفيات تعبّر عن جو الريف المصري ليكون متنفسا للخروج من الشكل الدرامي الغارق في السوداوية بحكم قصته التراجيدية، وإضافة شخصية درامية أخرى إلى العرض تنقذه من حالة القتامة الكبيرة التي ظللته باللعب مثلا على شخصية صديق البطل الساذج حتى لو لم تكن موجودة في القصة الأصلية لتقديم مشاهد كوميدية تلطف من حالة الكآبة التي تتسلّل إلى قلوب المتفرجين في عرض فكرته فصل رأس البطل عن جسده بسبب الحب، ربما ينفر من العرض القوي الذي يحمل أفكارا غاية في الأهمية، وقد يردّ البعض على ذلك بأنه لا يجب الهزل في الجد والعكس.

مفاجأة جديدة قدّمها المخرج في نهاية العرض، فمع كل موال قدّمه لحسن يُشاهد الجمهور على شاشة العرض الموجودة في الخلفية عرضا لبعض الحرف التي كانت سائدة في الخمسينات من القرن الماضي، وهي تمثل تراثا شعبيا مصريا مهدّدا بالانقراض، كالحدادة والنجارة وحياكة الملابس وغيرها لدعمها وإنقاذها.

نجح المخرج والمؤلف سعيد سيلمان في المزج بين الأغاني الشعبية مثل المركب والفرح، وجاءت الكلمات للشاعر مسعود شومان متقنة، مع تقديم بعض الأغاني الوطنية التي ألهبت حماس المتفرجين وأوحت بأهمية إرادة الحياة.

ونجحت إضاءة المسرحية في التعبير عن أفكار العرض ومعظمها جاءت خافتة للتعبير عن الجو الطقسي داخل القاعة للمزج بين الحالة العامة للعرض والأحداث.

15