مشاركة الممثلين العرب في الدراما المصرية.. فتنة متجددة

تشهد الدراما المصرية حضورا لافتا لعدد كبير من الفنانين العرب في الآونة الأخيرة، في أدوار تراوحت بين الظهور البسيط وحتى البطولة المطلقة، ليعيد بعض الفنانين المصريين المتعطلين منذ سنوات فتنة نائمة يتم إيقاظها من حين إلى آخر حول "هل الفن المصري للمصريين فقط.. أم للعرب جميعا؟".
القاهرة – يمثل مصطلح “مصرنة الفن” نارا خامدة تحت الرماد تنتظر من ينفخ فيها فتشتعل، فتارة يوقدها الجمهور المتعطش لأسماء فنية قديرة اختفت عن الساحة لأسباب غير معلومة، وتارة ثانية يسكب البنزين عليها فنان دفعته الظروف إلى العمل بمهن متواضعة بعدما انحسرت عنه مساحة الأضواء، وتارة ثالثة يرتفع النقاش بسبب مغالاة الأجور التي يتقاضاها الفنانون المصريون مقارنة بغيرهم من العرب.
ووسط حمى تصوير الأعمال الرمضانية قبل أسابيع ضرب الفنان شريف خيرالله “كرسي في الكلوب”، كما يقول مصريون كعلامة على أنه ألقى قنبلة في وجه الجميع، حينما كشف عن نيته العمل سائق تاكسي خوفا من تراكم الديون بسبب عدم عرض أعمال عليه في آخر ثلاث سنوات، ليعيد إلى الأذهان تصريحات تلفزيونية للفنان القدير توفيق عبدالحميد كشف فيها عن تفكيره تحويل سيارته إلى تاكسي أيضا لزيادة دخله، بينما اضطرت الظروف الفنان حسن فؤاد للعمل محفظًا للقرآن في منطقة شعبية.
وضم موسم دراما رمضان الأخير مشاركة عدد من الفنانين العرب، مثل التونسية هند صبري في مسلسل “هجمة مرتدة” والأردني إياد نصار في مسلسل “الاختيار 2” ومواطنه منذر ريحانة في “موسى”، وكل من الأردنيتين سميرة الأسير ويسرا المسعودي في “القاهرة – كابول” والسوري جمال سليمان في “الطاووس” واللبنانية نور في
“ضل راجل”، والتونسية درة في “بين السما والأرض” ومواطنتها عائشة بن أحمد في “لعبة نيوتن” والسوري باسل خياط في “حرب أهلية”، والسورية نسرين طافش في “المداح” والأردنية مي سليم في “لحم غزال” و“فارس بلا جواز”، واللبنانية سينتيا خليفة في “حرب أهلية” و“ضد الكسر”.
الأداء هو الفيصل

طارق الشناوي: السنوات الأخيرة شهدت تسويق بعض الأعمال بأسماء فنانين عرب
يرفض الناقد الفني طارق الشناوي حصر الفن المصري على أبناء الجنسية المصرية فقط، فالنجاح والفشل كلاهما معديان، ونجاح أي فنان عربي يصب في مصلحة الفنان المصري، وتفوّق هند صبري يصبّ لصالح أي ممثلة مصرية مثل منى زكي أو منة شلبي والعكس، وضرب المثل بهند صبري لكونها أشهر ممثلة عربية، وإن كانت تحمل مع جنسيتها الأم (التونسية) الجنسية المصرية بعد زواجها من مصري.
وقال الشناوي لـ“العرب” إن السنوات الأخيرة شهدت تسويق وبيع بعض الأعمال بأسماء فنانين عرب مثل، تيم حسن وأيمن زيدان وجمال سليمان وباسل خياط وغيرهم، نظرا لنجوميتهم عربيا، بالتالي أصبحت المسألة ذات جانب اقتصادي أيضا تتعلق بتسويق العمل الفني، فالجمهور لا ينظر إلى الجنسية بل إلى جودة الأداء.
ويشير نقاد إلى أن الفن المصري منذ زمن بعيد وهو يضم خليطا من فنانين وفنانات من دول عربية، لعبوا دورا بارزا في ازدهاره في السينما والدراما والطرب والموسيقى، وبعد مضي عقود قد لا يستطيع البعض التفرقة بين جنسياتهم، حيث انصهروا بصورة كبيرة، بما أنسى الكثيرين جنسياتهم الأصلية.
ولم يكن الفن المصري في أي مرحلة مصريا خالصا منذ نشأته فرواد السينما ونجومها ورموزها حملوا أصولا أجنبية، مثل المنتجة اللبنانية آسيا داغر، ونجيب الريحاني ذو الأصل العراقي، وأنور وجدي الذي ينحدر من أصل سوري، وعبدالسلام النابلسي من أصل فلسطيني، وأسمهان وفريد الأطرش من ذوي الأصول السورية.
وضربت أم كلثوم القدوة أثناء تقلدها منصب نقيب الموسيقيين المصريين ووقوفها ضد شعار “أخي جاوز الظالمون المدى.. جاءت صباح بعد نور الهدى” الذي صاحب آراء طالبت بالوقوف ضد الفنانة اللبنانية صباح بعدما اشتهرت في مصر عقب شهرة الفنانة نور الهدى، فتصدّت أم كلثوم لتلك الدعوات، قائلة “يجب أن تفتح مصر أبوابها للجميع”.
وشهدت مشاركة هند صبري في موكب المومياوات الملكية جدلا واسعا بعدما طالب أحد الفنانين باستبدالها بممثلة مصرية، مُعيدا إلى الأذهان الهجوم الذي تعرّض له المخضرم جمال سليمان في بطولته لمسلسل عن صعيد مصر بعنوان “حدائق الشيطان”، واعتبروها إساءة للفن والفنانين المصريين، لأن هؤلاء يمثلون إضافة.
ريادة الفن المصري ناجمة عن امتزاج وذوبان جميع الجنسيات العربية في بوتقة واحدة خلقت تنوّعا ثريا في الثقافة والفنون
وكان أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، قد أصدر قرارا سابقا بتحجيم تواجد الفنانين العرب في الأعمال المصرية تحت وقع ضغوط بعض أعضاء النقابة الذين أشادوا به بزعم أنه يتيح لهم فرصة أكبر، ولم يستطع أحد الدفاع عنه علنا من المشيدين بالقرار، ثم اندثر ولم يتم تطبيقه على أرض الواقع.
وأكّد منتجون أن “الشوفينية الفنية” المتكرّرة تتعارض مع الصورة التي بنتها مصر طوال تاريخيها كـ”هوليوود الشرق” التي عكفت على احتضان كل العرب وكانت محطة الانطلاق والنجومية لهم، ما يعني أن ريادة الفن المصري ناجمة عن امتزاج وذوبان جميع الجنسيات العربية في بوتقة واحدة خلقت تنوّعا وثراء.
وأشار المخرج محمد العدل إلى أن مشاركة فنانين عرب في مسلسلات الإرهاب والجاسوسية التي عرضت في الموسم الرمضاني الماضي فرضها سيناريو العمل الذي يحتوي على جنسيات مختلفة، خصوصا مسلسل “هجمة مرتدة” الذي تدور أحداثه في دول عربية وأوروبية، وبالتالي ثمة حاجة للاستعانة بهم وفق ما تقتضيه طبيعة العمل.
وفرض انتشار القنوات الفضائيات ومنصات البث الرقمي واتساع مساحة تغطيتها لتشمل المنطقة العربية تضمين المسلسلات جنسيات مختلفة لتعزيز فرص العرض، وخلق منافسة حتى مع الدراما المحلية بكل منها، وتعزيز عودة مصر إلى دورها كمركز لاستيعاب الفنانين وانطلاقهم ولمعانهم عربيا.
مضمون متنوع

كشفت إحصائيات غوغل عن قائمة الأكثر بحثا على محركاتها عن تقارب نمط مشاهدة الأعمال بمصر والسعودية بالشكل والخيارات ذاتها تقريبا ما يشير إلى أن الدراما لم تعد تصنع لصالح شعب بعينه، لكن بنمط أوسع تفرضه مساحات العرض الأكثر رحابة التي تتعدّى التلفزيون إلى يوتيوب والمنصات الرقمية المختلفة.
وأضاف العدل لـ“العرب” أن استيعاب مصر لفناني المنطقة العربية مسألة ضرورية وممتدة عبر التاريخ، فالموهوبون العرب يعملون في مصر دون دون أي مشكلة ، مثل إياد نصار وباسل خياط وجمال سليمان وغيرهم، وتوجد فنانات عربيات يجسّدن بإتقان أدوار الشخصيات المصرية مثل هند صبري التي أصبحت جزءًا من تكوين الإنتاج الفني بشكل لا يمكن إنكاره، وتسير على دربها مواطنتها عائشة بن أحمد.

مشاركة فنانين عرب مثل هند صبري في مسلسل "هجمة مرتدة" فرضها سيناريو العمل الذي يحتوي على جنسيات مختلفة
ويسعى الفنانون العرب للمشاركة في الأعمال المصرية لتحقيق المزيد من الانتشار عربيا مهما بلغ حجم شهرتهم في وطنهم الأم، وفي بداية انطلاق بعضهم يقدّمون بعض التضحيات على مستوى الأجور، ما يجعلهم أكثر تفضيلا للمنتجين عن نظرائهم من المصريين.
ويضع المنتجون حسابات دقيقة لتقييم تواجد الممثلين العرب في الدراما المصرية، فمن ستمئة دور ضمن مسلسلات رمضان الماضي، لا تزيد مشاركة الممثلين العرب عن ثلاثة في المئة وهي نسبة ضئيلة للغاية، وتقل كثيرا عن النسبة التي تسمح بها نقابة المهن التمثيلية المصرية التي تصل إلى عشرة في المئة من إجمالي فريق العمل.
ويستبعد النقاد أن تكون الاستعانة بالفنانين العرب تأتي لدوافع تسويقية فقط، بل تعود إلى موهبتهم الكبيرة، فالجنسيات التي يتم الاستعانة بها غالبيتها تنحدر من تونس وسوريا والأردن ولبنان، وهي بلدان لا تقبل كثيرا على شراء المسلسلات المصرية على عكس الدول الخليجية، والدراما التلفزيونية المصرية تحقّق نسبة مشاهدات مرتفعة سواء ضمّت نجوما من دول عربية من عدمه، وارتفع مستواها أو انخفض، فهي في النهاية سوف تظل دراما.
ويؤيّد البعض من النقاد والمنتجين “مصرنة الفن” على مستوى الأفكار والأسلوب ليقترب من مشكلات الشارع ويتماس مع هموم المواطنين ويبتعد عن المحاكاة للقصص الغربية، اقتباسا كليا أو جزئيا، وليس على مستوى الممثل، فالجمهور يهتم بالقصة الجيدة والأداء المقنع، سواء أكان مؤدّيها مصريا أبا عن جد أو أجنبيا لم تطأ أقدامه الأراضي المصرية من قبل.