كورونا يضاعف تحديات الحكومة التونسية لإنجاح موسم حج اليهود

تونس – يضاعف انطلاق مراسم حج اليهود إلى “كنيس الغريبة” في جزيرة جربة التونسية بالتزامن مع تواصل انتشار الجائحة، التحديات أمام الحكومة التونسية التي تريد إنجاح التظاهرة بعد اضطرارها إلى إلغائها العام الماضي بسبب حالة الطوارئ الصحية العالمية في أعقاب تفشي الوباء لأول مرة.
وبدّدت السلطات في تونس المخاوف الصحية بشأن انطلاق مراسم الحج اليهودي إلى كنيس الغريبة في جزيرة جربة (شرق) فيما تفرض البلاد قيودا على التنقل توقيا من موجة ثالثة من الوباء أكثر خطورة، مؤكدة الالتزام بإجراءات وقائية صارمة.
وانطلقت الاثنين مراسم الحجّ اليهودي إلى كنيس الغريبة في جزيرة جربة وسط تدابير صحية مشدّدة.
وأوضح بيريز الطرابلسي رئيس معبد الغريبة والمسؤول عن هذه التظاهرة لـ”العرب”، أن “عدد الزائرين إلى المعبد هذا العام سيكون محدودا تماشيا مع البروتوكول الصحي لذلك لن يتجاوز الـ700 شخص”.
وتابع "العدد سيكون قليلا مقارنة بالمواسم السابقة، كما أن الكثير من اليهود حرموا من القدوم بسبب قيود تنقل".

بيريز الطرابلسي: عدد الزائرين إلى معبد الغريبة لن يتجاوز الـ700 شخص
وأوضح أنه "وقع التنازل على الكثير من طقوس الحج في هذا الموسم التزاما بالإجراءات الصحية”. وأردف “سنكتفي بقدوم الزائرين إلى المعبد وإشعال الشموع".
وهذا هو الموسم الثاني الذي تحظر فيه الاحتفالات في الكنيس اليهودي بسبب الوباء.
ومع انطلاق التظاهرة، تم منع التجمع داخل المعبد كما تقام الصلاة بصفة فردية وبوضع الكمامات للمشاركين اليهود الذين يسكنون البلاد وبضعة قادمين من الخارج.
ونقلت وسائل إعلامية عن وزير السياحة السابق اليهودي رونيه الطرابلسي والذي قدم للمعبد مصحوبا بحوالي عشرين سائحا “الحج للغريبة اليوم كمباراة دون جمهور. ولكن يجب أن تُلعب”.
وتابع “عندما نأتي ندعو بالنجاح في الامتحانات وبالصحة الجيدة لكل العائلة، ولكن هذا العام سندعو إلى كل العالم”.
ويؤكد خبراء ومتابعون أن كورونا يختبر مدى قدرة الحكومة على النجاح في تنظيم تظاهرة بهذا الحجم والرمزية. ويرى هؤلاء أن تنظيم الحج اليهودي رغم الضغوط بمثابة رسالة تسامح وطمأنة للداخل والخارج على رغم القلق من مزيد تردي الأوضاع الصحية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تعيش تونس على وقع وضع صحي متأزم بسبب الانتشار السريع للفايروس وعدد الوفيات اليومية القياسي والذي تجاوز المئة وفاة يوميا.
ويستبعد الخبراء أن تكون موافقة الحكومة على تنظيم الحج بمثابة مجازفة صحية بسبب التزامها بالقيود الصارمة.
وأكد سهيل العلويني مستشار منظمة الصحة العالمية في تونس في حديث لـ”العرب”، "أنه سيقع الالتزام بجميع الإجراءات والبروتوكولات الصحية، لافتا إلى أن “عدد الزائرين لن يكون كبيرا".
وبيّن أن موافقة الحكومة على تنظيمه يأتي في سياق رسالة تسامح تزامنا مع شهر رمضان الكريم. وتابع "كما وقع فتح المساجد في رمضان، فتح معبد الغريبة الباب لزواره".
وأضاف "ن يكون هناك زحام وسيكون موسم الحج رمزيا بسبب قلة الحاضرين مقارنة بالسابق".
ويرى المتابعون أن الأزمة الصحية تضيف أعباء الحكومة في ما يتعلق بهذه التظاهرة التي تحوم حولها هواجس أمنية. ولا يزال الهجوم الانتحاري بشاحنة مفخخة استهدف معبدا عام 2002 وأدى إلى مقتل 21 شخصا عالقا بذاكرة التونسيين. ولاحظ مراقبون تراجع عدد الحجاج بشكل كبير في أعقاب هذا الهجوم.
وعلى الرغم من نجاح الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ في إعادة الثقة إلى الحج اليهودي بالحفاظ على استقرار وأمن جزيرة جربة التي شكلت مثالا فريدا من نوعه على مستوى التعايش السلمي بين الأديان والأطياف في العالم، إلا أن المخاطر الأمنية تبقى ماثلة.
ويحذر الخبراء من عمليات إرهابية تطال المناطق السياحية وذات الدلالات الدينية مثل معبد الغريبة، مع توقعات باستمرار استهداف الإرهابيين أمن البلاد. وتفرض الحكومة إجراءات أمنية مكثفة مع كل موسم لحج اليهود لمواجهة أي مخاطر وحوادث محتملة.
ويعتقد الخبراء أن الدوافع الاقتصادية والرغبة في إنعاش السياحة تقف وراء رغبة الحكومة في إنجاح هذه المناسبة. وكان إلغاء حج الغريبة العام الماضي قد فاقم من خسائر الاقتصاد التونسي.

سهيل العلويني: لن يكون هناك زحام، وسيكون موسم حج اليهود رمزيا
ويستقطب المعبد اليهودي الأشهر في أفريقيا في شهر مايو من كل عام الآلاف من الزائرين اليهود من تونس ومن أنحاء العالم، وتعدّ تلك الاحتفالات في العادة فاتحة الموسم السياحي الصيفي في جزيرة جربة وعموم تونس.
ويقول خبراء اقتصاد إن جربة التي تستقبل كل عام الآلاف من الزائرين ستتضرر اقتصاديا في حال إلغاء موسم الحج مرة أخرى، خاصة وأن عائدات الجزيرة تقوم أساسا على التجارة والسياحة. ويؤكد هؤلاء على حاجة المدينة إلى تجاوز صدمة جائحة كوفيد بهدف إعادة إشعاعها.
وتأثرت السياحة التونسية بعمليات الغلق وحظر الطيران بين غالبية دول العالم، حيث تراجعت عائداتها بنسبة 65.1 في المئة حسب إحصاء رسمي للبنك المركزي التونسي صدر في مايو الماضي.
وتُساهم السياحة بين 8 و14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد التونسي، وتعد مصدرا رئيسيا للنقد الأجنبي إلى جانب الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج.
ويستنج الخبراء أن تضرّر السياحة جراء تداعيات الوباء الوخيمة على الاقتصاد عمق من متاعب الحكومة، لذلك تجد في إعادة إحياء المناسبات الدينية وكسب التحدي في إنجاح حدث مهم مثل حج الغريبة رغم المخاطر الصحية فرصة لإنعاشه واسترجاع ثقة السياح، كما يقدم صورة إيجابية لقدرتها على كسب التحدي الأمني من جديد.
وينظم الحج اليهودي هذا العام بين 25 أبريل و2 مايو، وفي العام 2020 أُلغي وأُغلق كنيس الغريبة وهو الأقدم في أفريقيا للحدّ من مخاطر تفشي الوباء.
ويقع الاحتفال بالحج اليهودي في كنيس الغريبة كل عام في اليوم الثالث والثلاثين من عيد الفصح اليهودي، وهو في صميم تقاليد اليهود التونسيين الذين لا يزيد عددهم على 1500، معظمهم يعيشون في جربة مقابل مئة ألف قبل الاستقلال عام 1956.