التغير المناخي تهديد يُحيق بتونس لا توليه الحكومات اهتماما

الإجراءات الحكومية لا تعكس الوعي بخطورة التهديدات المناخية على الاقتصاد والأمن الغذائي.
الأحد 2021/10/31
حان الوقت للتحرك ضد تداعيات المناخ

تونس- تعاني تونس كغالبية دول العالم من آثار تداعيات تغير المناخ على الاقتصاد والأمن الغذائي، مع ذلك ظل هذا الملف مهملا وخارج حسابات الحكومات المتعاقبة منذ اندلاع ثورة يناير 2010.

ومع تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجلاء بودن تطرح تساؤلات ما إذا ستحتل التحديات البيئية مع تواصل التحذيرات من شح المياه والجفاف، سلّم الأولويات أم سيقع تجاهل مثل هذه المخاطر كما تجاهلته الحكومات السابقة.

وأقرت بودن بخطورة التحديات البيئية التي تجاوزت آثارها وتداعياتها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. وذكرت في كلمتها أمام قمة الشرق الأوسط الأخضر التي شاركت فيها بالسعودية إن” جائحة كوفيد – 19 فاقمت من حدتها لدى العديد من الدول خاصة الدول النامية والأقل نمواً”.

وقالت إن” الاستجابة والعمل على استدامة الطاقة يفرضان على الجميع تحمّل المسؤوليات من أجل تسريع وتيرة هذا التعافي لضمان الانتقال السريع للاقتصاد الأخضر، وإعادة بنائه بشكل أفضل، والحد من ارتفاع درجات الحرارة بما يتماشى مع اتفاق باريس”.

حمدي حشاد: الأطراف المناوئة لقيس سعيد تجيش المزارعين الصغار ضده

وعلى الرغم من إقرار بودن بخطورة التغيرات المناخية على الاقتصاد، إلا أن الشكوك تحيط بخطة فريقها في مواجهة هذه التحديات، ومدى قدرته على ترجمة المخاوف إلى برامج وأفعال.

وحسب الخبراء والمتابعين لا تعكس الإجراءات والخطط الحكومية وعيا بخطورة التهديدات المناخية على الاقتصاد والأمن الغذائي ومستقبل الأجيال القادمة.

وتوقعت وزارة البيئة والتنمية المستدامة أن تنخفض معدلات الأمطار السنوية بنسبة تتراوح بين 10 في المئة بالشمال الغربي و30 في المئة بأقصى جنوب البلاد مع حلول سنة 2050.

بموازاة ذلك، كشفت معدلات الحرارة المرتفعة في الصيف المنقضي مدى هشاشة المنظومة المائية بالبلاد. فقد تعرضت معظم المدن التونسية إلى انقطاعات متكررة في تدفق المياه.

وقد سجلت تونس خلال شهر يونيو الماضي أكثر من 270 حالة انقطاع للمياه الصالحة للشرب في مدن مثل قفصة والقيروان وتطاوين.

وحذرت دراسة سابقة أعدتها الهيئة الدولية لخبراء المناخ أنه في صورة تواصل ارتفاع معدلات درجات الحرارة بالمستوى الحالي، فإن مساحات تناهز 2600 هكتار يمكن أن تتعرض إلى انجراف بحري ونقص في الخصوبة بدلتا وادي مجردة، علاوة على إمكانية تعرض منطقة خليج الحمامات إلى انجراف بحري على مساحة جملية تناهز 1900 هكتار.

وتؤكد الدراسة أن تغير المناخ أضحى على الموارد المائية والنظم البيئية والزراعية أمرا واقعا وهو ما سيرفع من حجم الضغوطات على المزارعين.

وأمام هذه المخاطر لم تتخذ الحكومات المتعاقبة في تونس خطوات جدية واكتفت بإطلاق التحذيرات دون تقديم حلول واقعية خاصة أنها من الدول الأكثر عرضة للتغيرات المناخية القصوى في منطقة شمال أفريقيا حسب المؤشر العالمي لمخاطر المناخ الصادر سنة 2020.

ويعد النقص في المياه من أكثر المخاطر التي تهدد البلاد، وبينما يشكل عمودا للتنمية إلا أن نقص موارده ستكون له تداعيات وخيمة خاصة على قطاع الزراعة.

Thumbnail

وحذّر الخبير في البيئة والمناخ حمدي حشاد من ندرة المياه في تونس وما سيكون لذلك من انعكاسات سلبية على الأمن الغذائي، مؤكدا أن الموارد المائية أصبحت تتناقص في ظل تواصل الاستنزاف الخطير لها.

وتابع حشاد في حديثه لـ”العرب” أن “هناك ضبابية فيما يخص كمية الموارد المائية التي يمكن أن نستعملها ونتصرف فيها وهو ما سينعكس على الاقتصاد وحتى السياسة”. وبيّن أن تراجع منسوب المياه إلى مستويات تاريخية دفع وزارة الفلاحة إلى مراجعة سياساتها في الأراضي الزراعية والزراعات الاستراتيجية، حيث وقع تقليص المساحات بما أن كميات المياه المتوفرة لم تعد كافية.

روضة القفراج: الحكومة لا تدرك مدى التحديات التي يطرحها الإجهاد المائي

وفي تقديره، سينعكس ذلك سلبا على القطاع الزراعي والمجتمعات المحلية الذي يمثل هذا القطاع مورد رزق لها. ولفت إلى أن نقص المساحات يعني أيام عمل مهدورة ودورة اقتصادية محدودة وثروة متقلصة، وهذا ما سيلقي بثقله على الأرياف ومورد رزق الكثيرين.

ولمواجهة هذا المأزق الذي سيضر بالأمن الغذائي بالبلاد، اقترح حشاد التوجّه نحو زراعات أقل استهلاكا للمياه أو التي لها القدرة أكثر على مقاومة الجفاف، والتخلي عن بعض الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل البرتقال والفراولة والعنب.

وبالنسبة إلى مدى قدرة حكومة بودن على التصدي لهذه المخاطر وتخفيف تداعيات التغير المناخي، يعتقد حشاد أن الحكومة تحتاج إلى وقت لدراسة الملفات التي أمامها وهي حكومة تواجه ضغطا لا تحسد عليه، فالملف البيئي ليس بمنأى عن التجاذبات السياسية في البلاد خاصة من طرف خصوم الرئيس قيس سعيد.

ويلفت حشاد إلى أن “الأطراف المناوئة لقيس سعيد تجيّش المزارعين الصغار ضده”. وتجنبا لاحتجاجات مرتقبة لهؤلاء بسبب ما يواجهونه من صعوبات مالية واجتماعية، يشير الخبير البيئي إلى ضرورة تحرك الحكومة بشكل سريع لدعم صغار المزارعين بإعفائهم من القروض ومراجعة بعض الزارعات.

ويندد المزارعون بأوضاعهم الهشة التي ازدادت سوءا في السنوات الأخيرة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وعلى رغم أهمية القطاع إلا أنه لم يحظ بأولوية لدى الحكومات المتعاقبة منذ اندلاع ثورة يناير 2011، ولطالما وجهت انتقادات للمشرفين على القطاع بسبب سوء الإدارة والتصرف وانتهاجها سياسة اللامبالاة.

ويستبعد المتابعون أن تحقق حكومة بودن خطوات فعلية للتخفيف من آثار هذه الظاهرة لعدم وعيها كما سابقاتها بحجم هذه المعضلة التي تهدد العالم بأسره.

محمد الصالح قلايد: على صناع القرار الاستفادة من الصندوق الأخضر للمناخ

وقالت روضة القفراج الخبيرة في الموارد المائية والتغيرات المناخية في حديثها لـ”العرب”، “لا أعتقد، صراحة، أن الحكومة تدرك حقًا مدى التحديات التي يطرحها الإجهاد المائي وتدهور البيئة والآثار المترتبة عن تغير المناخ مما يزيد الأوضاع صعوبة وتعقيدًا بل يجعلها تخرج عن السيطرة وبشكل خاص فيما يتعلق بضمان التزود بمياه الشرب والأمن الغذائي كذلك”.

وبررت رأيها استنادا إلى بعض المؤشرات، وذلك مع بلوغ كمية المياه المتجددة المتوفرة 359 مترا مكعبا للفرد في السنة في تونس سنة 2020، أي أقل بكثير من 500 متر مكعب للفرد في السنة وهو الحد المطلق لشح المياه، لافتة أن ملء السدود لا يؤدي إلى زيادة في توفر المياه.

واستحضرت أيضا أرقام منظمة الأغذية والزراعة التي تحذر من أن توفر المياه المتجددة بأقل من 1000 متر مكعب للساكن في السنة يعيق التنمية الاقتصادية.

وبحسب دراسة سابقة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي من المتوقع أن تواجه تونس انطلاقا من سنة 2030 وبحدة أكبر مشكلة مياه، حيث من المنتظر أن تصل الموارد المائية المتاحة سنويا لكل ساكن حوالي 360 مترا مكعبا، مقابل 420 مترا مكعبا في سنة 2006 و1036 مترا مكعبا سنة 1960.

ويأمل محمد الصالح قلايد وهو مهندس رئيس مختص في المياه والدراسات الاستراتيجية المتعلقة بالمياه في حديثه لـ”العرب”، أن تكون التحديات البيئية على سلّم أولويات الحكومة الجديدة.

وقال “سننتظر ونتابع؛ لأن البرامج والسياسات العامة في حاجة إلى ضخ أموال هامة؛ حيث الوضع الآن صعب جدا”، مشيرا إلى أن البنية التحتية المائية مكلفة للغاية وتتطلب أموالا طائلة. ودعا الحكومة وصناع القرار إلى ضرورة الاستفادة من الصندوق الأخضر للمناخ الذي يمول مثل هذه البرامج خاصة في الطاقات المتجددة أو المنشآت المائية بمختلف أنواعها.

7