حكومة بوجوه نسائية تعيد التفاؤل للتونسيين

الشارع في صف قيس سعيّد: حكومة بودن انتصار للدور الاجتماعي للدولة.
الثلاثاء 2021/10/12
نحو "استعادة الثقة بالدولة"

تونس - أبدى الشارع التونسي تفاؤله أعقاب الإعلان عن الفريق الحكومي الجديد الذي منح الكفاءات النسائية تسع حقائب وزارية، في خطوة غير مسبوقة تبعث رسائل طمأنة لكل المشككين في مسار الحقوق والحريات في مرحلة ما بعد الخامس والعشرين من يوليو، كما تؤكد دخول البلاد مرحلة جديدة تنتصر فيها للمطالب الاجتماعية التي أهملتها النخب السياسية منذ ثورة يناير 2011.

وأدت الحكومة التونسية الجديدة الاثنين اليمين الدستورية في القصر الرئاسي بعد ثلاثة أشهر من الفراغ الحكومي عقب إعلان الرئيس قيس سعيّد التدابير الاستثنائية وتجميد البرلمان، ما بعث الارتياح في الشارع الذي كان يترقب بقلق خارطة الطريق للمرحلة المقبلة.

وبتشكيله الحكومة، يؤكد الرئيس سعيّد أن البلاد لن تبقى رهن الصراعات السياسية ومحاولات التشويش والإرباك التي يشنها بلا هوادة خصومه، الذين أزاحهم من السلطة استنادا إلى الفصل الثمانين من الدستور.

وأكدت رئيسة الحكومة الجديدة نجلاء بودن (63 عاما) في أول كلمة منذ تعيينها أن من أبرز مهام الحكومة الجديدة مكافحة الفساد و"استعادة الثقة بالدولة" وإعادة الأمل للمواطنين، وفتح مجال الاستثمار وتحسين ظروف العيش والتسريع في تنشيط الدورة الاقتصادية و"تشديد مبدأ المحاسبة".

أسامة عويدات: استعادة ثقة الشارع تتطلب الانطلاق في مرحلة الفعل

وتعد بودن أول امرأة تتولى منصب رئيسة حكومة في تاريخ تونس، وستكون حكومتها أمام تحديات كبيرة لإنعاش الاقتصاد العليل ومكافحة الفساد.

وأوضحت، عقب أداء اليمين الدستورية أنها لن تجري تعديلات على هيكل الوزارات لضمان استمرارية العمل الإداري، وإتاحة المجال للحكومة من أجل الشروع الفوري في العمل.

وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، ينظر طيف واسع من التونسيين بتفاؤل إلى الحكومة الجديدة، خاصة أنها حكومة تتكون من كفاءات مستقلة بعيدة عن المناورات السابقة للأحزاب السياسية.

وفيما أحدثت إجراءات الخامس والعشرين من يوليو انقساما داخل الشارع بين مؤيد ومعارض، إلا أن غالبية التونسيين يتفقون على ضرورة تأسيس مرحلة جديدة يقع التخلص فيها من تداعيات عقد صعب وقاس من زمن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.  

وشكل استعراض سعيّد لصور من البرلمان المجمد والتي وثقت الخصومات والعراك بين النواب في مراسم اليمين الدستورية، بمثابة رسائل إلى حركة النهضة، التي ترأس زعيمها راشد الغنوشي البرلمان، بأن فترة استحواذهم على السلطة قد ولّت، وأن ما أطلق عليه بـ"المسار التصحيحي" سيستمر.

وتوقع خبراء ومتابعون بأن تحظى الحكومة الجديدة بدعم شعبي لما تتمتع به من كفاءات مستقلة خاصة النسائية، غير أن الإصلاحات الموجعة والمرتقبة التي ستلجأ إليها تلبية لضغوط المانحين الدوليين ستشكل أول اختبار لها.                    

وأشار أسامة عويدات، القيادي بحركة الشعب، في حديثه لـ"العرب" إلى أن "الشارع كان ينتظر إعلان الحكومة وخطوطها العريضة"،  لافتا إلى أن "برنامجها لم يكن بعيدا عن تطلعاته".

وبرأيه يشكل إعلان الحكومة وبرنامجها بمثابة انتصار اجتماعي للدولة، وهو وراء الترحيب الشعبي الواسع بها.

Thumbnail

ويأمل التونسيون أن تنجح حكومة بودن في تحسين أوضاعهم المعيشية في ظل فشل النخب السابقة في تحقيق ذلك، لانشغالهم بمعارك السلطة والقصور دون مبالاة بمطالبهم.

ولطالما حمّل التونسيون نخبة ما بعد ثورة يناير 2011 مسؤولية الفشل في إدارة الأوضاع الاقتصادية، وفي تقدير الخبراء شكل التأييد الواسع للتدابير الاستثنائية في يوليو الماضي، بمثابة إعلان الشارع وقوفه في صف سعيّد في مواجهة هذه النخبة، متحديا مناوراتها التي تستهدفه.

ومع ذلك، ينتظر الناس من يخفف عنهم عبء غلاء المعيشة وقيام الدولة بدورها الاجتماعي، وسط أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة.

وتابع عويدات "نرى هناك انتصارا للدور الاجتماعي للدولة ولانتظارات الشعب، بعد عشر سنوات انقلبت فيها حركة النهضة ومن والاها الحكم على مطالب التونسيين".

محمد بريك الحمروني: الجدية في محاربة الفساد تبعث الارتياح لدى التونسيين

ويعتقد بأن تشكيل الحكومة والإعلان عن خطتها من شأنهما أن يعيدا ثقة الشارع في الدولة، وستكون لهما تداعيات إيجابية في علاقة بالتوازنات المالية والأعباء الاقتصادية، وفي ما يخص المعركة ضد الفساد.

وفيما أكد عويدات الدعم الواسع لهذه الخطوات، إلا أن "استعادة ثقة الشارع تتطلب الانطلاق في مرحلة الفعل مباشرة".

ويلفت المتابعون إلى أن تعيين النساء بالحكومة الجديدة ومنحهن حقائب هامة، إضافة إلى رهان حكومة بودن على محاربة الفساد، يشكل كل ذلك نقاط قوة للحكومة الجديدة.

ويقول عويدات "متفائل للتمثيلية الجديدة بالنسبة للنساء، فهي ليست مجرد تزيين للمشهد، فقد أعطى سعيّد حظا للمرأة التونسية، خلافا للحكومات السابقة".

ويؤيده في القول المحلل التونسي محمد بريك الحمروني، الذي لاحظ ترحيب الشارع بحكومة ترأسها امرأة لأول مرة في تاريخ البلاد، وكان ذلك محل إشادة الأوساط الحقوقية وبمثابة رفع لمعنويات النساء اللاتي يناضلن لأجل مساواة حقيقية، خاصة في مواقع صنع القرار.

وأضاف الحمروني في حديثه لـ"العرب" أن "هناك ترحيبا واسعا بالحضور النسائي، لأنه انتصار للمرأة التونسية وبمثابة إنجاز للدولة".

وفيما يتساءل الشارع عن قدرة حكومة بودن على كسب الرهان، يؤكد الحمروني أنها تحتاج إلى وقت، لكنه لا يستبعد آثارا إيجابية لعملها على المدى المتوسط.

وأوضح "الحكومة تواجه صعوبات بسبب تداعيات عشرية صعبة ومديونية ووضع اقتصادي مترد، وانقسام للشارع ومشاكل سياسية".

وفي تقديره، فإن معالجة الاقتصاد ومحاربة الفساد من شأنهما أن تعيدا الثقة إلى الشارع، حيث يترقب التونسيون إجراءات ملموسة.

وأضاف "أول مطلب للشارع هو محاربة الفساد، والجدية في هذا الملف تبعث الارتياح لدى التونسيين".

وبالنسبة لخبراء الاقتصاد، فالصورة ليست تماما بهذه الإيجابية مع مؤشرات سلبية تبعث بمخاطر حقيقية.

عزالدين سعيدان: شارع ينتظر ترجمة قرارات ما بعد الخامس والعشرين من يوليو إلى مشاريع

وبلغ معدّل النمو الاقتصادي في البلاد سنويا ما بين 2010 و2020 حوالي 0.6 في المئة. وبسبب الجائحة، سجّل في العام 2020 انكماشا بنسبة 8.8 في المئة، فضلا عن تأثر قطاع السياحة الذي كان يمثل 14 في المئة من الناتج الداخلي الخام والذي تضرّر بشكل كبير.

وعادت تونس المثقلة بالديون في مايو الماضي، للمرة الرابعة خلال عقد، إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي سعيا للتوصل إلى اتفاق على ثلاث سنوات والحصول للعام 2021 على 3.3 مليار يورو، في مقابل وعد بإصلاحات يبدو الالتزام بها أصعب من السابق.

ويلفت الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان في حديثه لـ"العرب" إلى أن "تشكيل حكومة في ظل هذه الظروف الصعبة في حد ذاته إنجاز. وهي خطوة مهمة جدا ويجب أن تليها خطوات في مستوى تحديات الحكومة الجديدة، خاصة على الصعيد المالي والاقتصادي".

وحسب سعيدان فإن "الشارع ينتظر ترجمة قرارات ما بعد الخامس والعشرين من يوليو إلى مشاريع سياسية واقتصادية".

وفي ما يخص التحديات المالية التي تواجه حكومة بودن، بيّن سعيدان أنه "لا بد أن يكون للبلاد قانون موازنة تكميلي في آجال قريبة، حتى نعلم كيف ستمول الدولة نفقاتها في ما تبقى من هذه السنة، ثم تحديد موازنة السنة القادمة لتكون هناك رؤية حول الأوضاع المالية والاقتصادية، ما يمكننا من الرجوع إلى صندوق النقد الدولي لتحريك المفاوضات".

وخلص إلى القول "من دون اتفاق مع صندوق النقد سيكون من الصعب تمويل الموازنة لسنة 2022 والسنوات التي تليها".