هل اقترب سيناريو الإفلاس فعلا من تونس

تطرح الوضعية المالية والاقتصادية الحرجة لتونس تساؤلات حول مدى اقتراب سيناريو الإفلاس في ظل إجماع المؤشرات على عدم قدرة الدولة تغطية نفقاتها جراء عجز قياسي في الميزانية، وحول قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها تجاه دائنيها بالتزامن مع رسالة من رئيس الحكومة إلى صندوق النقد الدولي بشأن استكمال الإصلاحات التي طال انتظارها للحصول على قرض.
تونس - غذت رسالة أرسلها رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى صندوق النقد الدولي قصد استمالته لمتابعة برنامج القرض المتفق عليه واستكمال الإصلاحات الاقتصادية، الجدل حول حقيقة الوضع المالي للبلد ومدى اقترابه من الإفلاس في حال لم يتم الإفراج عن قرض للإيفاء بالتعهدات المستحقة خلال العام الجاري.
وقال صندوق النقد الدولي إن تونس طلبت رسميا برنامجا تمويليا منه في 19 أبريل، مثمنا جهود الحوار الحكومي مع شركائها الاجتماعيين بخصوص الإصلاحات ذات الأولوية لإنعاش الاقتصاد التونسي العليل.
وقالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا في رسالة إلى رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي اطلعت عليها رويترز إنها ستكلف وفدا لإجراء محادثات فنية فور الحصول على برنامج الإصلاح الاقتصادي التونسي.
وتحتاج تونس إلى ما يزيد عن 18.5 مليار دينار لتحقيق التوازن بين نفقاتها ومواردها، بعد أن بلغ عجز الموازنة 7.3 في المئة من الناتج المحلي.
وتستعد تونس نهاية الشهر الجاري للدخول في سلسلة من المفاوضات المباشرة مع خبراء صندوق النقد بهدف إبرام اتفاق يسمح لها بالحصول على تمويل لتغطية عجزها المالي.
وكان رئيس الحكومة التونسية، قد أعلن في وقت سابق أن المفاوضات الجديدة مع صندوق النقد الدولي ستنطلق هذا الشهر على قاعدة برنامج إصلاح واسع، يستند أساسا على إصلاح المؤسسات العمومية وتعديل منظومة الدعم ورفع المكبلات عن الاستثمار وتعديل منوال التنمية.
غير أن خبراء الاقتصاد يقولون إن القرض الجديد سيوجه إلى سداد ديون مستحقة خلال العام الجاري ولن يوجه للإصلاحات الاقتصادية الجذرية مما سيعمق الأزمة.

وليد بن صالح: تونس تطلب قروضا لخلاص ديونها السابقة لا لدعم اقتصادها
ولا يستبعد خبراء خطر الإفلاس في البلاد التي تشهد عجزا اقتصاديا متواصلا، مؤكدين أن الاقتصاد يدفع منذ سنوات كلفة باهظة جراء الأزمة السياسية، مع حاجة الدولة إلى اقتراض ما لا يقل عن 6 مليارات دولار من السوق الدولية لتسيير النفقات العامة.
وأفاد الخبير المحاسب وليد بن صالح أن “الدول معرضة لصعوبات مالية تنجر عنها تداعيات اقتصادية واجتماعية، فيما قد يتطور الأمر إلى وصاية خارجية، وهو خطر موجود أكثر من أي وقت مضى لأننا نمر بمشكلة في النمو، والاقتصاد الوطني لا يصنع الثروة وهو ما يساهم في فقدان الاستثمارات وتراجع القدرة الشرائية للمواطن”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، بأنه “على مستوى المالية العمومية الدولة لا تستطيع العيش دون قروض، وهي تطلبها لخلاص ديونها السابقة وليس لدعم اقتصادها المحلي، وهذا مؤشر على الصعوبات المالية الكبرى التي تشهدها البلاد”.
وأردف “هناك غياب تام للرؤية الإصلاحية للمالية والاقتصاد وتعاقب الأزمات ما يجعل التعطيلات تتفاقم ولا يسمح بالتفاوض مع المانحين الدوليين والمستثمرين، فضلا عن تنامي الشعبوية والصدامات الكبرى التي أدت إلى تدهور الوضعية الاجتماعية في ظل ضعف السياسات المتبعة، ما ينذر بانفلات الأمور من الجهاز التنفيذي”.
وأشار إلى أن “هذه العوامل يمكن تفسيرها في مستوى فقدان قيمة العملة في اقتصاد يعتمد على التوريد والصناعات المحلية لا تكفي عدة قطاعات، والإشكال الحقيقي يتمثل في عدم خلاص القروض ما يهدد بتحكم مالي خارجي”.
وتحتاج تونس إلى ما يزيد عن 18.5 مليار دينار (6.82 مليار دولار) لتحقيق التوازن بين نفقاتها ومواردها، بعد أن بلغ عجز الموازنة 7.3 في المئة من الناتج المحلي.
وحذّر خبراء من عدم قدرة الدولة على التعامل مع الديون الخارجية من المانحين الدوليين وضعف المنظومة المصرفية بالبلاد، علاوة عن صعوبة تغطية النفقات الداخلية للمؤسسات والمواطنين.
وأفاد وزير التكوين المهني والتشغيل السابق فوزي بن عبدالرحمن أن “كل بلد له عملته الخاصة، وكلمة إفلاس لا تنطبق على الدول لأن الدولة لا يمكن أن تفلس من عملتها”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك 15 مليار دينار(5.47 مليار دولار) في تونس كسيولة، فضلا عن 30 مليار دينار (10.94 مليار دولار) كمعاملات مالية وتحويلات بنكية، والخطر عندما تكون الدولة غير قادرة على التعامل مع العالم الخارجي في مستوى الدين”.
وتابع “هناك خطر يهم العملة المحلية وضعف النسيج الاقتصادي في ظل الجائحة الصحية، والمنظومة المصرفية لا تقدر على مساعدة النسيج الاقتصادي في وقت تحقق فيه البنوك أرباحا والمؤسسات تعيش وضعيات مالية صعبة”، قائلا “وضعنا نسبة 2 في المئة من الإمكانيات لإعانة المؤسسات وهذا غير كاف، وكل هذه العوامل تسببت في أزمات اجتماعية على غرار تفاقم نسبة البطالة”.
واستطرد “الخطر في تونس عندما تصبح الدولة غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها، وإذا واصلنا هكذا سنصطدم بهذا الخطر”.

حسين الديماسي: المانحون لا يثقون في تونس والتخلف عن السداد أصبح واردا
وبدوره أكد وزير المالية الأسبق حسين الديماسي في تصريح لـ”العرب”، أن “خطر الإفلاس اقترب”، قائلا “الإفلاس هو عندما تعجز الدولة عن سداد التزاماتها المالية إزاء الأطراف التي تتعامل معها، وهذا أصبح واردا في ظل الميزانية الحالية”.
واعتبر أن “موازنة 2021، فيها نقائص، على غرار نسق النمو البعيد جدا عن الواقع والذي بُنيت عليه هذه الموازنة، فضلا عن تمويل العجز حوالي الثلث من القروض الداخلية والثلثين من الخارج”.
وقال الديماسي”السوق المالية بعيدة عن الواقع لأن الأطراف المانحة لم تعد لها ثقة في تونس (صندوق النقد والولايات المتحدة الأميركية)”.
واستطرد “كل هذه الأسباب ستخلق ارتباكا كبيرا في التصرف في الميزانية، وبالتالي الحديث عن العجز وارد”.
وكان نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بالحاج، قد أكد في وقت سابق أن الوضع الاقتصادي في تونس متأزم ويكاد يكون كارثيًا، مرجحًا أنه قد يتجه بالبلاد إلى السيناريو اللبناني.
وأضاف بالحاج، في حوار لإذاعة محلية أن المشاكل السياسية في تونس، ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي الذي تُرجم في الواقع المعيشي اليومي للتونسيين، مفيدًا بأن “الأرقام الخاصة بتونس مقلقة جدًا، وأن نسبة الفقر بلغت 21 في المئة وهي نسبة لم يسبق لتونس أن وصلت إليها”.
وأكد المسؤول بالبنك الدولي أن نظرة المانحين الدوليين لتونس تغيرت عما كانت عليه خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أنهم ينظرون اليوم إلى الأرقام، وإلى الصراعات والتجاذبات سواء في البرلمان أو بين السلط، وإلى مدى وجود إرادة في الإصلاح الاقتصادي.