الدعم مقابل محو الأمية لمحاربة الجهل الأسري

لجأت الحكومة المصرية إلى ورقة الدعم لإرغام الأسر على محو أمية الآباء والأمهات، بحيث تكون لديهم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، والتخطيط بشكل صحي وسليم للكيان العائلي، وتكون هناك فرصة لتغيير العادات والطباع والسلوكيات بشكل يتواكب مع متطلبات العصر، وتصبح الأسرة أكثر دراية ومعرفة بكيفية التعامل مع الأزمات.
أعلنت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر، الاثنين، وضع شرط لمن يريد الحصول على دعم اقتصادي من الحكومة، بألا يكون مدرجا ضمن الأميين الذين يجهلون القراءة والكتابة، على أن يتم تطبيق مشروطية التعليم على الأسر للحصول على الدعم، مع التركيز على المنخرطين في برنامج “تكافل وكرامة”، الذي يعتني بالفئة الأكثر فقرا واحتياجا للمساعدة.
وتتهم مؤسسات رسمية الأمية الأسرية بأنها السبب في الكثير من الأزمات التي صارت تعصف بالمجتمع، وتحديدا ما يتعلق منها بالمشكلات العائلية وطريقة حلها، أو العزوف عن ارتكاب أخطاء ساذجة استسلاما للعادات والتقاليد والموروثات القديمة، ما انعكس سلبا على مستقبل الأبناء باعتبارهم النواة الأولى التي تتأسس منها الأسر في المستقبل.
ولا تستطيع الأسر البسيطة أن تعيش دون دعم حكومي، سواء كان نقديا أو في صورة سلع منخفضة التكلفة تقدمها الدولة إليها شهريا، وبالتالي هناك قناعة بأن مقايضة هذه الشريحة بالدعم مقابل محو الأمية قد تكون ورقة رابحة للقضاء على الجهل الأسري، لأن العناد من جانب الفئات الأكثر احتياجا يحرمها من توفير الاحتياجات المعيشية.
ودافعت وزارة التضامن الاجتماعي عن قرارها بأن الحكومة ترغب في تعليم المستفيدين من الدعم كيفية إدارة مواردهم والحفاظ عليها ورعاية الأبناء بشكل سليم، وتشجيع المرأة على التمكين والتخطيط لمستقبل العائلة بشكل عقلاني، لكن الخطوة تبدو أبعد من ذلك، باعتبار أن الأمية الأسرية أرهقت الحكومة على طوال السنوات الماضية في سبيل القضاء على الموروثات والعادات السيئة.
وصارت أغلب البرامج التي تحاول من خلالها الحكومة معالجة الأزمات الأسرية تصطدم بجهل الآباء والأمهات بالحد الأدنى من المعرفة، وإصرارهم على مسايرة حياتهم حسب طقوس الماضي، فهناك قوانين بالجملة صدرت ولا يعترف بها أحد، وأخرى يتم التمرد عليها تحت وطأة الأمية، وغالبا ما تكون الأعراف هي الحاكمة، حتى أصبح الأبناء ضحايا لاضمحلال الفكر الأبوي.
ولم يقرأ الأب الذي مازال يتعامل مع الختان باعتباره انعكاسا للعفة والطهارة، عن القانون الذي يجرم الظاهرة ويعاقب عليها بالحبس، وحتى لو سمع عنه لا ينفذه لأن جهله جعله أسيرا لمعتقدات لم يغيرها بحكم أن عقله مغيّب ولا يستطيع استيعاب الحداثة وتغيرات العصر، ومهما حاولت إقناعه بعكس ذلك لا يقبل وجهة نظر تناقش القضية من زاوية علمية.
أغلب البرامج التي تحاول من خلالها الحكومة معالجة الأزمات الأسرية تصطدم بجهل الآباء والأمهات بالحد الأدنى من المعرفة
وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إنه يصعب تحقيق أي تقدم في ملف القضاء على مشكلات الأسرة مع زيادة معدلات الأمية وانخفاض منسوب الوعي، حتى أن التحركات الحكومية للقضاء على العشوائيات ونقل العائلات البسيطة إلى مناطق سكنية جديدة لا تؤتي ثمارها جيدا، فالمعالجة لم تتطرق إلى الجهل وهو أصل الأزمة.
وترى هالة حماد الباحثة في علم الاجتماع أن القضاء على الأمية كفيل بوضع حلول جذرية لأغلب المشكلات التي تعاني منها الأسرة، فلا يمكن مواجهة تسرب الأبناء من التعليم دون إدراك الآباء أنفسهم لأهمية العلم في حياة الإنسان، والمشكلة أن الكثير من البسطاء يهتمون بالعمل الحرفي للصغار على حساب التحاقهم بالتعليم.
وقالت حماد لـ”العرب” إن محو الأمية الأسرية يحمي الكيان العائلي من وقوع الآباء والأمهات في براثن من يعبثون بعقولهم، ويدفعونهم لارتكاب أفعال بعيدة عن العقل والمنطق، مستغلين جهلهم وعدم قدرتهم على الفرز بشكل عقلاني بين الصواب والخطأ، مثل الزواج المبكر وختان الإناث وكثرة الإنجاب والتمرد على تنظيم الأسرة.
وتصل معدلات الأمية في مصر إلى قرابة 25 في المئة من التعداد السكاني، وهي نسبة ضخمة، وتقريبا كل هؤلاء ينظرون إلى الدعم باعتباره الظهير الاجتماعي الذي يحميهم من دوامة الفقر والعوز، لكن نفس الشريحة مازالت متهمة بأنها العائق الأكبر أمام التخلص من العادات التي تحول دون استراتيجية بناء الإنسان بشكل عصري.
وذهب مختصون في شؤون الأسرة إلى أنه يصعب على أي مجتمع الاعتماد على الأجيال الجديدة وحدها لتكون الأسرة في المستقبل قائمة على أسس سليمة ومحصنة من الانهيار، لأن الآباء والأجداد مصدر المعرفة والثقافة وأصحاب الكلمة العليا في القرارات العائلية، وبالتالي فالقضاء على أمية هؤلاء ينعكس إيجابا على مستقبل أبنائهم.
وأشاروا إلى أن الجد يورث للأب عادات لها علاقة مباشرة بصميم الحياة الأسرية، ثم يرثها الابن عن والده، ويتعامل معها باعتبارها من المقدسات، حتى لو كان متعلما ومثقفا، لكنه تربى وكبر عليها، في حين أن احتكاك الآباء والأمهات كمربين في بيئات تعليمية، مهما كانت بسيطة، فإنها تساعدهم على توسيع مداركهم واستيعاب الأخطاء.
وأكد عادل بركات الباحث المتخصص في التنمية البشرية، أن الأبناء أكبر المستفيدين من القضاء على الجهل الأسري، لأنهم عندما يتحدثون مع الآباء لإقناعهم بأمور تخص صميم حياتهم يفشلون في المهمة، لأن عقولهم ومستوى تفكيرهم توقفا عند مرحلة بعينها، مثل الابن الذي يجيد التكنولوجيا ووالداه لا يدركان التعامل معها، ما ينتج صراعا بين الأجيال ينعكس سلبا على مضمون التفاهم داخل الأسرة الواحدة.
وأضاف لـ”العرب” أن العبرة ليست في إجبار الأميين على معالجة جهلهم، بل في التسهيلات التي تقدمها الحكومة لمساعدتهم على تجاوز هذه المهمة الصعبة، لأنه ليس من السهل على كبار السن الاندماج في التعليم دون إغراءات بعيدة عن لغة الترهيب والتلويح بورقة الدعم فقط، ومطلوب توفير برامج سهلة ومقار لمحو الأمية في كل قرية ومنطقة لدفعهم للمشاركة، مع حتمية تشجيعهم على ذلك من جانب الأبناء.
وبغض النظر عن نسب التعاطي الأسري مع مقايضة الدعم بمحو الأمية، فإن الأهم من معالجة الجهل على مستوى القراءة والكتابة وتوسيع أفق الآباء والأمهات ليكونوا أكثر تقبلا لفكرة التغيير بالمجتمع، هو إعادة تثقيفهم بالقضايا التي تمس العائلة والأبناء، بحيث تكون هناك برامج متخصصة تعالج المفاهيم والعادات البالية التي تكرست في أذهانهم ولم تعالجها قوانين أو حملات توعوية على مدار عقود مضت.