بداية ساخنة للبرلمان المصري تحتفظ له بمسافة مع الحكومة

توجه رسمي لفتح "منضبط" للفضاء العام.
الأربعاء 2021/01/20
الحكومة تحت المجهر

يسجل تغيّر في تعاطي مجلس النواب المصري مع الحكومة تُرجم في تقدم نواب باستجوابات للوزراء ودعوة كل وزير لعرض برنامج وزارته على المجلس، وهو أمر غير معهود يعيده مراقبون إلى وجود قناعة بضرورة تخفيف ارتهان السلطة التشريعية للتنفيذية، وفسح المجال لبروز معارضة برلمانية تكون صدى لصوت الشارع.

القاهرة - قررت اللجنة العامة لمجلس النواب المصري مؤخرا، استدعاء رئيس الحكومة والوزراء لعرض موقف كل وزارة من تنفيذ برنامجها عملا بالمادة 136 من الدستور، والمادتين 26 و27 من اللائحة الداخلية، على أن يتم ذلك في جلسات عامة متتالية على النحو الذي سوف يحدده مكتب المجلس، وهو اتجاه لم يكن مفعلا في البرلمان السابق ويشي بحراك غير معهود.

وأوحت البداية الساخنة لمجلس النواب المصري في دورته الجديدة، بتقديم أكثر من عشر طلبات إحاطة واستجواب لوزراء في الحكومة، بأن هناك نية لتغيير الصورة الذهنية السلبية التي طبعت عمل البرلمان، وأنه لن يكون مجرد “ديكور سياسي” مهمته مباركة خطوات الحكومة والرئيس.

 ولم يكن مألوفا أن يتقدم نواب تابعون لحزب “مستقبل وطن”، المعروف بعلاقته القوية بالحكومة والظهير السياسي لها، بطلبات إحاطة عاجلة لمسؤولين عن حقائب خدمية. ومضت بعض الأسماء المعروف أنها قريبة من السلطة على نفس النهج، كأن هناك إدراكا بأن صيغة التأييد المطلقة لم تعد مقبولة، وحان وقت تغييرها.

ويصعب فصل البداية الساخنة للبرلمان الجديد تجاه الحكومة، التي لم تتلق استجوابا واحد على مدار خمس سنوات، عن نبض الشارع الذي بات أكثر امتعاضا من سياساتها، فأغلب طلبات الإحاطة والاستجوابات ترتبط بملفات مثارة بين الناس على نطاق واسع على غرار أزمة نقص الأكسجين في المستشفيات والتي أشار البعض إلى أنها مفتعلة.

عمرو هاشم ربيع: الشارع تحمّل على مضض سياسة "الطبطبة" على الحكومة

 وأحدث قرار بيع شركة الحديد والصلب، إحدى القلاع التاريخية للصناعة الوطنية التي أسسها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ضجة سياسية وشعبية، وتقدم البرلمانيان مصطفى بكري القريب من الحكومة، وضياء داوود المحسوب على المعارضة، باستجوابين للحكومة التي أخفقت في إقناع الشارع بمبررات البيع بسبب تراكم الديون.

واعتادت الحكومة التعويل على انشغال الناس بأزماتهم الحياتية وعدم التفاعل كثيرا مع قراراتها، أو بمعنى أدق الاستسلام لما تقرره دون إبداء اعتراض قد تترتب عليه ملاحقات أحيانا، أو الاضطرار إلى الصمت التزاما بدعم الدولة في معركتها ضد الإرهاب ومواجهة التحديات الإقليمية على أمل الوصول إلى مرحلة الاستقرار.

ويعتقد مراقبون أن ما فعله البرلمان في الأسبوع الأول من بدء دورته يمثل نهاية لمرحلة انتقالية تعيشها مصر منذ التخلص من حكم الإخوان عام 2013، وبداية لمرحلة جديدة تتطلب إصلاحات معينة في مجالات مختلفة، وتصحيح دور مجلس النواب كجهة تشريعية ورقابية على الحكومة.

ويبدو أن اهتمام الشارع بتفاصيل المشاكل دفع مجلس النواب ليتحرك في المسار ذاته، وإجباره على نقل صوت الناس إلى الحكومة من خلال النواب بدلا من وصوله بطرق مرفوضة، مثل الحض على التظاهرات والدفع نحو الاحتجاجات الفئوية.

ويشكل دفع الشارع باتجاه ملفات حيوية ومصيرية والضغط على البرلمان محاولة لمنع تكرار تجربة مجلس النواب السابق، لكنه قد يمثل معضلة للحكومة ويزيد الأعباء عليها، فهذه صيغة مقبولة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، باعتباره اعتاد أن توجه إليه وحده انتقادات كثيرة بسبب اخفاقات بعض المسؤولين في ملفات تمس قطاعا كبيرا من الناس، في حين أنه يحتاج إلى جهة رقابية لها أنياب تحاسب المقصرين.

ولفت المراقبون إلى أن مساءلة وزراء في الحكومة لا تغضب الرئيس عبدالفتاح السيسي، لأن ذلك يمهد الطريق لشعور الناس باستعادة البرلمان لدوره وحيويته ويزيد ثقتهم في وجود جهة رقابية حقيقية بإمكانها تحقيق رغبات وتطلعات الشارع، فلم يعد مقبولا أن تكون المعارضة السياسية مقتصرة على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها خارجة عن السيطرة ويتم استثمارها بشكل سلبي.

وهناك قناعة لدى دوائر رسمية بحتمية وجود حراك سياسي مع فتح منضبط للمناخ العام، حيث يكون البرلمان بداية تتبعها خطوات أخرى في مجال الإصلاحات السياسية والسماح لأحزاب وأشخاص بممارسة شكل عقلاني للمعارضة، مع تعظيم دور المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المحلية والأجنبية.

وأصدر مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، الخميس، اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية، في خطوة اعتبرها حقوقيون إيجابية لأنها رفعت قيودا مهمة على عمل مؤسسات المجتمع المدني، وسمحت للمنظمات المخالفة بتوفيق أوضاعها بشروط ميسرة.

وربط متابعون بين الحراك التدريجي في المشهد السياسي المصري ووصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة، والمعروف أنه يولي ملف الحريات وحقوق الإنسان في مصر وغيرها اهتماما كبيرا، ولذلك أرادت القاهرة قطع الطريق على أي ضغوط محتملة في هذا المجال، والذي من المرجح أن يشهد المزيد من الانفتاح في الفترة المقبلة.

مجلس النواب المصري قدّم أكثر من عشر طلبات إحاطة واستجواب لوزراء في الحكومة، مما أوحى أن هناك نية لتغيير الصورة الذهنية السلبية التي طبعت عمل البرلمان

وأكد الخبير بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عمرو هاشم ربيع، أن ثمة تغيرات تحدث في المشهد العام يمكن من خلالها التنبؤ بوجود نية لتصحيح أوضاع مختلة، فهناك طلبات إحاطة واستجوابات حول قضايا جماهيرية بعيدة عن كونها دعاية لنواب بعينهم، لكن لا يمكن فصل ذلك عن وجود تذمر شعبي.

وقال لـ”العرب”، إن “وجود مناكفة برلمانية للحكومة من شأنه أن يعيد تقييم الحريات والشفافية والمحاسبة، بحيث يشعر كل مسؤول أن هناك جهة لديها كامل الصلاحيات يمكن أن تحاسبه، بعكس الماضي، حيث كان أي وزير يتعامل مع غضب الشارع بنوع من الاستخفاف لغياب دور البرلمان الحيوي في عملية المحاسبة، وهو الدرس الذي تعلمته دوائر صناعة القرار وترفض تكراره”.

وينعكس الحراك البرلماني بشكل إيجابي على أداء الحكومة الجديدة من حيث الخطة والأهداف والأسماء، بحيث تكون هناك شخصيات في الحقائب الوزارية تحظى بقبول نسبي لدى مجلس النواب والشارع على حد سواء، على الأقل تستطيع أن تتأقلم مع المستجدات والمتغيرات الحاصلة في المشهد السياسي بوجود جهة رقابية موكل لها مهمة المساءلة والمحاسبة.

ويفترض أن تتم إعادة تشكيل الحكومة خلال الأيام المقبلة، لأن وجود مجلس نواب جديد يستلزم أن تتقدم الحكومة باستقالتها لرئيس الجمهورية ويعاد تكليفها مرة أخرى بعد موافقة البرلمان، أو إجراء تعديلات عليها وانتقاء أسماء وعرضها على المجلس، وتصب أغلب المؤشرات في اتجاه رحيل جميع الوزراء الذين أخفقوا في بعض الملفات، وتثار حول أدائهم علامات استفهام كبيرة.

وأشار عمرو هاشم لـ”العرب”، إلى أن “أغلب الناس في الشارع تحملوا على مضض تعامل البرلمان السابق مع الحكومة بسياسة ‘الطبطبة’، لكنهم لن يسمحوا بتكرار السيناريو مع المجلس الجديد”.

وأصبحت دوائر سياسية عديدة على قناعة بأن وجود معارضة برلمانية مسألة ضرورية لعدم تقويض جهود الإصلاح والحد من الضغوط الخارجية على مستوى المنظمات والحكومات، طالما أن مناكفة الوزراء لن تتسبب في أزمات عميقة، ويكفي أن ذلك يمتص غضب الشارع ويظهر أن الحكومة منفتحة وتتقبل الانتقادات.

2