أفلام رأس السنة.. نكات ثقيلة واقتباس من تراث هوليوود

خيارات جمهور السينما في أعياد الميلاد في مصر محصورة بين السيء والأسوأ.
الاثنين 2021/01/04
عودة موضة الأفلام التجارية

اشتركت الأفلام المعروضة في دور السينما المصرية في موسم رأس السنة وإجازات يناير، في النمط التجاري البحت، والاستسهال الشديد في الصناعة، وحشر أكبر عدد من ضيوف الشرف لجذب الجماهير دون وجود دور واضح لهم في سياق العمل، في محاولة للتغلب على الظروف التي خلفها كورونا وأجبرت فئة كبيرة من الناس على عدم ارتياد السينما، وحجمت طرح العديد من الأفلام ذات الجودة العالية.

باتت خيارات جمهور السينما بمصر في موسم رأس السنة وأعياد الميلاد، محصورة بين السيء والأسوأ، بعد طرح عدة أفلام تجارية، تعتمد على خلطة سريعة خالية من الدسم الفني ولا تتعدى محاولة انتزاع الضحك بلا جدوى، فهي تضم كوكتيلا من أفلام الرعب العالمية تم مزجها في خليط محلي واحد، فخرجت مشوهة.

ويطغى عليها الجانب الكوميدي المعتاد بمضامين تثبت عمق الأزمة التي تعيشها صناعة الإضحاك، بعدما طرقت أبوابا جديدة من الاستظراف تتجاوز نطاق المقبول، إلى حدّ السخرية من الإعاقات الجسدية واستخدام عبارات تستحي الأنفس من ترديدها.

فضل أصحاب الإنتاج الضخم تأجيل أعمالهم الجاهزة منذ أشهر إلى موسم عيد الفطر المقبل، تحاشيا لإمكانية إغلاق دور السينما بسبب الموجة الثانية للجائحة، في ظل عمل هذه الدور بنصف طاقتها الاستيعابية، والذي لا يعوض التكاليف الضخمة لأعمالهم خاصة بند الأجور.

لكن الأمر يختلف تماما مع منتجي الأفلام التجارية، فالطاقم التمثيلي والقصص المعتمدة على الكوميديا أو الرعب، لا تتضمن تكلفة ضخمة، والعائد منها في كل الظروف سيكون محققا لهامش ربحي، وبعضهم يعمل بمنطق التاجر الذكي الذي يرى أن نقص البضاعة سيجعل الجمهور يشتريها مهما كانت رديئة.

صابر وراضي

ماجدة موريس: الكوميديا تحتاج لإعادة تعريف عند الكثير من كتاب السيناريو بمصر
ماجدة موريس: الكوميديا تحتاج لإعادة تعريف عند الكثير من كتاب السيناريو بمصر

يمثل فيلم “صابر وراضي”، للفنان المخضرم أحمد آدم، صدمة بكل المقاييس، فالدقائق الأولى تظهر اقترابه الكبير من عروض “ستاند آب”، التي يتحدث فيها الفنان عن مواضيع ساخرة أمام جمهوره مباشرة، فآدم يلقي النكات ويكتفي باقي فريق العمل خاصة محسن محيي الدين بالضحك.

يدور العمل حول سائق فقير يفترض أنه خفيف الظل، يدخل حياة رجل أعمال مقعد لم يفقده كرسيه المتحرك اهتمامه بالفنون، فيجد السائق نفسه منغمسا في مشكلات العائلة الشخصية والعملية، والنمط الاقتصادي المشبوه الذي يزاولونه.

وتثير نكات آدم الغثيان، برده على سؤال حول مدى فهمه في الفن التشكيلي السيريالي، فيرد بأنه يفهم أكثر في “الفن السروالي” نسبة إلى كلمة سروال، أو تنمره على رب عمله والمرضى في المستشفيات بألفاظ سوقية، لا يسمح المقام بذكرها.

يعتمد العمل على فكرة أصبحت رائجة في السينما أخيرا باستقطاب مجموعة من المطربين الشعبيين لجذب جمهورهم إلى شباك التذاكر، أو تحقيق انتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، لتصبح الأغاني أحد عناصر الدعاية والترويج.

يشارك مطربو المهرجانات محمود الليثي وعبدالباسط حمودة وأحمد شيبة، في أغنية واحدة تحمل عنوان “حملوني” من كلمات ملاك عادل، في الفيلم الذي يحمل بصمة ثابتة لعائلة “السبكي” المتخصصة في إنتاج أنماط من الأفلام التجارية منخفضة التكاليف وصالحة للمشاهدة مرة واحدة فقط.

عفريت ترانزيت

لا يختلف الحال كثيرا مع فيلم “عفريت ترانزيت”، الذي لعب صناعه على العرض المبكر قبل موسم رأس السنة لطرح نفسه على قائمة خيارات الجمهور، خاصة في ظل اعتماده على ثلاثي كوميدي، مثل محمد ثروت وبيومي فؤاد وأحمد فتحي.

في صالة عرض الفيلم، كان الصمت المطبق سمة كبار السن والشباب، تقلب وجهك فلا تجد حتى ابتسامة، بينما كان الضحك من نصيب الأطفال الصغار، الذين أعجبوا بقصة عن عفريت “محمد ثروت” يظهر لأبطال الفيلم ويطالبهم بمهام معينة، وردود أفعالهم حينما يرونه.

فيلم "وقفة رجالية" يعتبر نسخة قريبة الشبه من "فيغاس الأخيرة"  لمياكل دوغلاس    

راهن الجمهور الذي دفع مئة جنيه (7 دولارات) للتذكرة الواحدة على شحن نفسيته بجرعات من الضحك قبل العام الجديد، لكن خاب ظنه بمجرد مرور عشر دقائق فقط، فجلساتهم على المقاهي وسهراتهم مع الأصدقاء، تتضمن قدرا أكبر من الضحك، وكمّ الاستظراف الذي يضمه العمل لا يمكن للقريحة البشرية أن تتحمله.

تقول الناقدة ماجدة موريس لـ”العرب”، إن “الكوميديا تحتاج إلى إعادة تعريف عند الكثير من كتاب السيناريو بمصر، فهي في المقام الأول مواقف ومفارقات وليست  مجموعة نكات يرددها الفنان بمفرده”.

ينتمي الفيلم إلى أعمال المجاملة الفنية بامتياز، ليشبه الأمر بحفل زفاف يحضره البشر لتقديم التهاني والتصفيق، فأسماء كبيرة من النجوم شاركت كضيوف شرف لتدعيم أبطاله، مثل أحمد فهمي وسامي مغاوري ومحمد عبدالرحمن ومحمد جمعة ومصطفي خاطر وشيكو، وكلهم شاركوا في لقطات واختفوا.

في العمل، الذي كتب قصته ورشة عمل من ثلاثة مؤلفين، اكتفى أحمد فهمي فقط بترديد عبارة “باب افتح.. باب اقفل”، ومحمد عبدالرحمن شارك في لقطة عن الكاميرا الخفية، بينما كان دور صفاء جلال أشبه بالسينما الصامتة برد فعل ثابت لا يتكرر، وربما قد لا يتذكر الجمهور أن سامي مغاوري كان موجودا من الأساس فدوره يصعب تذكره.

وتؤكد موريس أن الكثير من الأفلام الكوميدية باتت تعتمد على الارتجال دون وجود نص قوي مكتوب، ما يصيب المشاهد بحالة من الملل والإحجام عن متابعة العمل سواء أكان سينما أم دراما، ولا مجال للإصلاح إلا بالدفع بمجموعة مختلفة من الكتاب لديهم القدرة على الإضحاك عبر المواقف وليس الافتعال.

يكفي ذكر مشهد واحد من “عفريت ترانزيت” للحكم على نمط الضحك الذي يستهدفه، فأحمد فتحي يقول لبيومي فؤاد: اسمك “بوما” فيومئ الأخير بنعم، ليرد فتحي: بوما ولا أديداس (ماركتي ملابس)، ويعقب بأنه سيسميه “باتا” (ماركة حذاء محلي)، فينهي فؤاد الحوار، بعبارة: “خلاص يا عم الباتا” (استعاضة عن كلمة باشا).

"وقفة رجالة" و"ريما"

"صابر وراضي" فيلم يستقطب المطربين الشعبيين لجذب جمهورهم إلى شباك التذاكر
"صابر وراضي" فيلم يستقطب المطربين الشعبيين لجذب جمهورهم إلى شباك التذاكر

لا يحمل فيلم “وقفة رجالة” لماجد الكدواني وسيد رجب، الذي تم تأجيل عرضه من 6 يناير إلى منتصف الشهر ذاته استثناء، فقصة العمل الذي تم تسريب مقطع دعائي له قبل أن يتم حذفه تظهر استنساخه كاملا، من فيلم أميركي شهير.

كان العمل يحمل اسم “عواجيز الفرح”، وتم تغييره تحاشيا لإهانة كبار السن، في ظل قصة عن أربعة أصدقاء منذ الطفولة والدراسة، يعودون للتجمع مرة أخرى لمواساة أحدهم، حيث فقد فردا من أسرته، ويقررون السفر إلى منطقة ساحلية لتغيير مزاجهم العام، والدخول في جلسات فضفضة عن تغيرات الزمن  وتبدل شخصياتهم.

تعتبر فكرة الفيلم نسخة قريبة الشبه من “فيغاس الأخيرة” لمايكل دوجلاس وروبرت دي نيرو ومورجان فريمان وكيفين كلاين، الذي يدور أيضا عن أصدقاء منذ الطفولة يتجمعون بعد غياب، ويسافرون إلى مدينة لاس فيغاس لإعادة أيام شبابهم ومجدهم، ويكتشفون أن المدينة تغيرت وشخصياتهم تبدلت، ويتعرضون لمجموعة من المشكلات يحاولون حلها معا.

يبتعد فيلم “ريما” لمحمد ثروت عن السياق الكوميدي الذي دأب على تقديمه، بقصة رعب وتشويق عن الطفلة “ريما”، التي تمتلك قوة روحانية تمكنها من رؤية المستقبل، والمشكلات التي تواجهها مع تخوف المحيطين بها، واعتقادهم بأنها تعاني مسا شيطانيا.

تتقاطع القصة كثيرا مع كلاسيكيات الرعب والتشويق الأميركي، بداية من فكرة  ارتباط التبني وتنقل الطفل بين الأسر وهو أمر غير دارج مصريا، ووصولها إلى أسرة رجل أعمال لا ينجب، وتستطيع قلب حياتهم رأسا على عقب، والعمل تجميعا بين عدة أفلام أميركية في مقدمتها “المعرفة” لنيكولاس كيج، في الاعتماد الكبير على ربط تواريخ تدونها الطفلة عن المستقبل وتحدث فيها أحداثا مفصلية.

عودة موضة الأفلام التجارية
كوميديا تعتمد على الافيه

فقد “ريما” جزءا كبيرا من زخمه لتزامنه مع عرض مسلسل “جمال الحريم” المنتمي إلى شريحة الرعب، والصدفة الغريبة التي جعلت العملين يقتربان في بعض التفاصيل، من أهمها دور الفنان إيهاب فهمي الذي يقوم في العملين بدور رجل دين يحارب المعتقدات الخاطئة والظلام وبالشكل والطريقة ذاتها، وجمعها الممثل فراس سعيد أيضا الذي يؤدي بشكل وطريقة ثابتة في العملين.

يوظف العمل أيضا الغناء كعنصر أساسي في تكميل الأحداث، مثلما كانت الابتهالات الصوفية حاضرة في مسلسل “جمال الحريم”، فـ”ريما” يضم أغنية للمطرب وائل الفشني بعنوان “يا سائل القبر” يؤديها بأسلوبه الخاص بالجمع بين الإنشاد الصوفي والغناء، وكان يُفترض تخصيصها لتتر بداية مسلسل “بأثر رجعي” الذي يعرض قريبا لكن مؤلفها فتحي الجندي غير رأيه.

يضعف العمل توظيف الطفلة ريم عبدالقادر في شخصية “ريما” باعتبارها خرجت للتو من أداء دور رعب أيضا في مسلسل “ما وراء الطبيعية” لأحمد أمين، في شخصية “شيراز” التي لها صلة بالقوى الخفية بما لم يمنحها مجالا لأداء مغاير.

لا تتضمن الأعمال المعروضة في موسم يناير نجوما للشباك كالمعتاد، ما يجعل استقطابها للجمهور محل شك، وربما ستصبح تكرارا لتجربة موسم عيد الأضحى الماضي الذي لم يحقق إيرادات قوية، لكنها تسد حاجة دور العرض السينمائي لما يملأ فراغ شاشاتها في ظل توقف دورة الإنتاج السينمائي كأحد تداعيات كورونا.

ربما يكون اعتذار الكثير من نجمات الصف الأول عن المشاركة في الأعمال المعروضة السبب الرئيسي في دفع المنتجين بفنانات انزوت عنهن الأضواء منذ سنوات، مثل مايا نصري التي تشارك في بطولة “ريما”، ورزان مغربي في “صابر وراضي”.

16