مصر تحارب كثرة الإنجاب بتخويف العائلات من ضياع حقوق أبنائها

تحارب الحكومة المصرية كثرة الإنجاب والولادات العشوائية بسياسة الترهيب التي تمارسها مع العائلات التي تتعامل مع زيادة الأبناء باعتبارها حلا اقتصاديا عبر تشغيلهم من الصغر، فخفضت من دعمها ليقتصر على طفلين فقط. ويرى خبراء اجتماعيون أن هذه السياسة تواجه صعوبة في تطبيقها ذلك أن التلويح بفرض عقوبات مثل حرمان الطفل الرابع والخامس والسادس من الدعم لن يكون له جدوى مع تلك الفئة من الأسر.
عدّلت الحكومة المصرية من استراتيجيتها الرامية لخفض معدلات المواليد، ومواجهة الزيادة السكانية، من اختصار الهدف في حماية معدلات التنمية إلى ترهيب الأسر من المستقبل المجهول للأبناء، ونشأتهم على الحرمان، وذلك من خلال استغلال منابرالمساجد والإعلانات التلفزيونية وإقامة عروض مسرحية وتقديم محتويات درامية ومناهج دراسية تركز على ذات الغرض.
وتهدف هذه الخطوة إلى تخويف الأسر من المعيشة الصعبة، إذا استمرت في عنادها ورفضت خفض معدلات الإنجاب طواعية، بحيث يكون لدى كل أسرة طفلان فقط، وما زاد على ذلك من أبناء سيواجهون صعوبات في نشأتهم، من حيث الالتحاق بالتعليم والحصول على خدمات مجانية ودعم حكومي شهري.
تكلفة الأبناء
أعلنت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، أن الحكومة تتجه لاقتصار الدعم الموجه للأسر على طفلين، وعلى كل عائلة أن تتحمل وحدها تكلفة الابن الثالث والرابع وهكذا، لأن الثقافة المبنية على كون الأبناء “عزوة وسند”، لم تخلف إلا المزيد من التداعيات السلبية على كل المجالات، ومن يتماهى مع هذه الأفكار عليه تحمل النتائج.
وترغب مؤسسات رسمية من خلال إقرار خطاب موحد للأسر عبر القوى الناعمة، الدينية والإعلامية والثقافية والفكرية، في تخويف الناس من ضياع حقوق الأبناء، بعدما عجزت كل الحلول السابقة عن مواجهة الزيادة السكانية أو إقناع الأهالي بخطورة زيادة الإنجاب على معدلات التنمية وارتفاع منسوب الفقر.
استراتيجية خفض المواليد يجب أن تركز على الشباب باعتبارهم أرباب أسر المستقبل، لأن الآباء والأجداد لديهم قناعات ثابتة
وفي كل مرة تضع الحكومة حلولا غير واقعية لخفض المواليد، فتارة تستعين بالفتاوى الدينية لتنظيم النسل، وأخرى تلجأ إلى الحملات الإعلانية لضرب الثقافة التقليدية، ثم تسن تشريعات تمنع الزواج المبكر لتأخير الإنجاب، وقبل شهور قررت إجراء حوار مجتمعي مع الشباب والنخبة ليكونوا بوصلة التوعية بخطورة كثرة المواليد.
وإذا كانت المؤسسات المنخرطة في عملية وقف الزيادة السكانية مقتنعة بأن سياسة الترهيب ستجني ثمارها، فإن الواقع يعكس صعوبة ذلك، فالتلويح بفرض عقوبات مثل حرمان الطفل الرابع والخامس والسادس من الدعم ليس له جدوى مع الأسر الفقيرة التي تتعامل مع زيادة الأبناء باعتبارها حلا اقتصاديا من خلال تشغيلهم منذ الصغر.
ولا تهتم الشريحة الكبيرة المستهدفة بالعقوبة بتعليم الأبناء أو علاجهم بشكل آدمي أو حتى حصولهم على مزايا نظير تفوقهم الدراسي، لأن كل هذه الحقوق شكليات عند الفئة السكانية الفقيرة، والأهم أن يتخصص الابن في حرفة أو مهنة منذ الصغر، ليجلب المال لمساعدة أسرته على الوفاء بالحد الأدنى من احتياجاتها اليومية.
ونفس الفئة التي تتحدث عنها الحكومة لتخويفها من ضياع حقوق أبنائها مستقبلا، لا تعنيها كثيرا خدمات الدولة ولا امتيازاتها، لأنها مهما كبرت فلا تُقارن بالعائد المادي لزيادة الإنجاب، باعتبار أن الحكومة لم تعد تقدم شيئا مجانيا ومهما للأسرة.
الإنجاب غنيمة

صارت أغلب الأسر الفقيرة متهمة في نظر الحكومة بأنها السبب الرئيسي في وصول أعداد السكان حد الانفجار، لأن حياة هذه الفئة قائمة على الأعمال الحرفية والزراعية والصناعية والمهن الصغيرة، ويتعامل أفرادها مع كثرة الإنجاب على أنه غنيمة، والمفهوم الراسخ عندها أن “الطفل يولد برزقه”.
وإذا سألت أيّا من هؤلاء عن رأيه في إمكانية ضياع حقوق أولاده إذا رفض الاستجابة لتنظيم النسل واكتفى بطفلين فقط، يأتي الرد ممزوجا بالتشاؤم على طريقة، الابن من يصنع مستقبله بنفسه، والحكومة لا تساعده في ذلك، فالتعليم والصحة والسكن وغيرها من الحقوق أصبحت مدفوعة التكلفة، والحق الوحيد الذي يضمن حياة كريمة تحسين المستوى المعيشي للأسر بأي طريقة.
وقال عمرو حسن رئيس المجلس القومي للسكان سابقا، إن أغلب العائلات التي تقدس كثرة الأبناء لن يؤثر معها الخطاب الدعائي- الترهيبي، الذي يقدم لها تصورات متشائمة عن مستقبل أولادها، وقد يترتب على ذلك زيادة منسوب التمرد الأسري وتكون هناك ردود فعل عكسية، لأن الشريحة الأكبر لا تهتم بالحوافز السلبية، بل تتماهى مع الإيجابية منها.
وأضاف لـ”العرب”، أن استراتيجية خفض المواليد يجب أن تركز على الشباب والفتيات باعتبارهم أرباب أسر المستقبل، لأن الآباء والأجداد غالبا ما تكون لديهم قناعات وثقافات متوارثة عن الإنجاب يصعب تغييرها بسهولة، أما الأجيال الجديدة فهي أكثر وعيا، ومن الضروري إعادة تشكيل رؤاها بعيدا عن الأفكار القديمة ولغة التهديد والوعيد والتشاؤم من المستقبل.
كما أن الخطاب الموجه للأسر ما يزال جامدا ولا يتناسب مع عقليات الفئة المستهدفة، فأئمة المساجد يتحدثون عن الحلال والحرام، والإعلام يتحدث عن معدلات التنمية، والحكومة نفسها تخاطب الناس بلغة لا يفهمها سوى النخبة، مع أن قرابة 40 في المئة من المجتمع أميون، ويترتب على ذلك أن الأغلبية لا تؤمن بالقضية المطروحة.
ولا يدرك دعاة التهديد برفع الدعم عن الأبناء أن تداعيات ذلك ستكون أشد خطورة على الزيادة السكانية، ويكفي أن الأسرة الفقيرة قد لا تعلم ابنها ليتحول بعدها إلى شخص أمّي منعدم الوعي، يؤمن بالزواج المبكر وزيادة المواليد ولا يفهم شيئا عن التنمية والاقتصاد، ويركز كل هدفه على مسايرة حياته بالطريقة التي يراها مناسبة.
ويرى خبراء في الشؤون الأسرية، أن الحوافز الإيجابية ووضع استراتيجية قائمة على رفع منسوب الوعي ونسف ثقافة تحريم تنظيم النسل، أفضل الحلول الواقعية لمواجهة الزيادة السكانية، لأن تقديم مزايا للأسر الفقيرة نظير التزامها بخفض المواليد، يجعلها تعيد النظر في الاعتماد على كثرة الأبناء باعتبارهم قوة اقتصادية أهم من دعم الدولة.
وأكد حسن الببلاوي خبير علم الاجتماع ، أن الحكومة إذا أرادت الحفاظ على معدلات التنمية أمام الزيادة السكانية، عليها تغيير خطة التنمية لتتناسب مع ظروف الشريحة التي تقدس كثرة الإنجاب، بحيث يتم التركيز على بناء مشروعات تنموية بالقرى والمناطق التي تنتشر فيها ثقافة المواليد الكثيفة، حتى تكون لدى سكانها قوة اقتصادية تغنيهم عن زيادة الأبناء.
وأوضح لـ”العرب”، أن الشاب الذي لم يتخط عمره 25 عاما وأصبح أبا لأربعة أولاد، لديه ميراث ثقافي خاطئ، مطلوب نسفه بالنزول إلى واقعه المعيشي، بخطاب تنويري ورؤية اقتصادية يجعلانه وغيره يتراجعون عن فكرة العزوة، لا أن يتم التحدث إليه من مبانٍ وزارية فخمة ومنابر إعلامية متعددة، إذ يجب أن تكون هناك رؤية شاملة بأسلحة مختلفة في توقيت واحد.
وما زالت الحكومة تعتقد أن إقرار تشريع يعيد رسم خارطة الدعم بشكل يُرهب الأسر من زيادة الإنجاب هو الأمثل، مع أن الشواهد السابقة تؤكد أن القوانين وحدها لا يمكن أن تؤتي بنتائج جيدة، والدليل استمرار زواج القاصرات والتسرب من التعليم وختان الإناث، علاوة على كيفية تغيير القانون لثقافة شريحة كبيرة من الأهالي تؤمن بأن كثرة الإنجاب إلى حين إنجاب طفل ذكر ضرورة حياتية.
ينسف النزول إلى الميدان والتعاطي بواقعية مع الأزمة، المعتقدات والأفكار البالية عن استسهال الإنجاب، ويكفي أن حملة المجلس القومي للمرأة حاليا عن ختان الإناث والتي يعتمد فيها على طرق أبواب الأسر غيّرت قناعات الكثير من الأهالي، ربما تأخذ وقتا طويلا، لكنها أثبتت عبر مؤشراتها فشل التحركات التي استهدفت محاربة الختان بالعقاب.