عرض شكلي للدستور الجديد على البرلمان الجزائري

الجزائر – يشرع أعضاء البرلمان الجزائري في مناقشة الوثيقة الدستورية الجديدة، تحسبا لعرضها للمصادقة، ثم إحالتها على الاستفتاء الشعبي، في خطوة شكلية لا تحمل أي مؤشر على تحوير التعديلات المدرجة أو التحفظ عليها، إلا أن الوثيقة الجديدة ستضع الجزائر أمام تحول جديد، رغم أن دساتير البلاد لم يكن لها مفعول في توجيه سياسات الدولة ولم تسلم هي الأخرى من الاختراق والتلاعب.
وتعرض الحكومة الجزائرية الخميس، الوثيقة الدستورية أمام أعضاء البرلمان بغرض المناقشة والتصديق، وسط أجواء من اللامبالاة الشعبية واستئثار السلطة بالقرار السياسي في البلاد، دون الأخذ بالمطالب الأساسية المرفوعة من طرف الشارع الجزائري.
وخيبت الوثيقة النهائية المكشوف عنها، آمال الراغبين في إدراج تعديلات أو تعديل بعض الأفكار التي عرضتها المسودة، حيث يسود إجماع لدى الفاعلين السياسيين بأن اللجنة المختصة لم تتعاط تماما مع الاقتراحات التي استقبلتها خلال الأسابيع الماضية، واكتفت في نهاية المطاف بترسيم مقترحاتها الأولى.
وسيكون مع مطلع شهر نوفمبر القادم، بإمكان الجيش الجزائري أداء مهام عسكرية خارج حدود بلاده، ورغم أن البند الجديد أوجزها في المهام التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة، إلا أنه ترك لها مبررا آخر لما أشار إلى إمكانية ذلك حين يتم الاتفاق مع طرف آخر في إطار الشرعية الدولية، وهو ما يفتح المجال أمام مراجعة جذرية لعقيدة الجيش الجزائري التي كانت تتمثل بمهام دفاعية صرفة عن أمن وسيادة البلاد.
كما أحيت الوثيقة تعديلات سابقة كان دستور الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة قد أقرها العام 2016، وأبرزها العودة إلى آلية ولايتين رئاسيتين فقط، بعدما فتحت في دستور 2008، فضلا عن إعادة منصب رئاسة الحكومة إلى الأغلبية النيابية، بعدما كان رئيس الجمهورية حرا في اختيار الشخصية التي ترأس الحكومة.
وفيما تستعد الأذرع السياسية والدعائية الموالية للسلطة لخوض حملة لحشد القواعد الشعبية من أجل تزكية الدستور في استفتاء الفاتح من نوفمبر المقبل، تستمر لامبالاة الشارع الجزائري بخطاب السلطة، فيما يبدو مجبرا على التكيف مع الإكراهات التي أفرزتها الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا وتدهور الخدمات العمومية.
وكرست الفيضانات التي عاشتها العاصمة وعدد من مدن البلاد، مدى هشاشة البنى التحتية في البلاد، وفشل المؤسسات الحكومية في تطوير الخدمات العمومية رغم استنزاف أموال طائلة، وهو ما حاول الرجل الأول في الدولة التغطية عليه بإقرار تشكيل لجنة تحقيق في الأسباب الحقيقية للفيضانات، في خطوة تلمح إلى إدراج نتائجها في سياق المؤامرة التي يسوق لها في الدوائر الرسمية.
وبين السخط والتهكم بات الشارع الجزائري يتعاطى مع قرارات السلطة، لإدراكه بأن السلطة الجديدة التي تروج للتغيير، لا زالت تتخفى وراء الخطب الديماغوجية بدل الاعتراف بفشل المنظومة الحاكمة برمتها، والإقرار بالذهاب إلى تغيير حقيقي بالشراكة مع النخب الجديدة التي أفرزها الحراك الشعبي.
ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن الإشكال الحقيقي في الجزائر لم يكن في يوم ما يتصل بالنصوص التشريعية أو الدستور، فالنصوص الموجودة تكفي لصناعة بلد ناشئ، وإنما المعضلة تكمن في آليات وأدوات التنفيذ وإرادة الالتزام، ولذلك تبقى السلطة ومؤسساتها هي أول ما يهدد تلك النصوص الدساتير.
وعشية عرض الدستور الجديد على البرلمان قبل إحالته إلى الاستفتاء، يستمر التضارب بين مضمون الوثيقة الجديدة وبين ممارسات مؤسساتها على الأرض، ففيما تم إدراج الحراك الشعبي في ديباجة تخليد لثورة الابتسامة التي فرضت تحولات كثيرة في البلاد منذ فبراير 2019، تستمر ممارسات السلطة في القمع والتضييق على رموز الحراك نفسه، واختلاق كل المعوقات للحيلولة دون عودته.
وكان الناشط السياسي إبراهيم لعلامي، الذي أطلق سراحه مؤخرا في مدينة برج بوعريريج، قد أعيد اعتقاله الثلاثاء من طرف قوات الأمن من أمام مقر سكناه، وتداول ناشطون في شبكات التواصل الاجتماعي تعرضه لتعنيف كبير، أحاله على المستشفى أين أجريت له عملية جراحية.
وفيما أقر “منع توقيف نشاط وسائل الإعلام وحل الأحزاب والجمعيات إلا بقرار قضائي”، تواصل السلطة سجن عدد من الصحافيين وخنق المؤسسات الإعلامية والإعلاميين المعارضين والناقدين، وتوظيف عائدات الإعلان الحكومي المحتكر في ترويض الخطوط التحريرية لها، لإجبار الجميع على التفريط في شرف وحرية المهنة والاستسلام للضغوط المالية.