تأسيس 11 هيئة ثقافية متخصصة لإدارة القطاع الثقافي في السعودية

وفق إطار زمني محدد، وعلى ضوء الأهداف الرئيسية التي حددتها وثيقة رؤية وتوجهات وزارة الثقافة السعودية، يرتكز دور الهيئات الثقافية الجديدة على تطوير المجال الذي ينضوي تحت تخصصها، وستكون علاقة الوزارة بها إشرافية لضمان التزامها بأهداف: الارتقاء بالثقافة لتُصبح نمط حياة، والإسهام في النمو الاقتصادي، وتعزيز مكانة المملكة دوليا.
وافق مجلس الوزراء السعودي مؤخرا على إنشاء 11 هيئة ثقافية جديدة وتفويض وزير الثقافة بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، بممارسة اختصاصات رئاسة مجالس إداراتها، وستتولى الهيئات مسؤولية إدارة القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، حيث ستكون كل هيئة مسؤولة عن تطوير قطاع محدد، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي والإداري وترتبط تنظيميا بوزير الثقافة.
وأوضحت وزارة الثقافة أن الهيئات الثقافية الجديدة ستتولى مسؤولية إدارة القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، وستكون كل هيئة مسؤولة عن تطوير قطاع محدد وتتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي والإداري وترتبط تنظيميّا بوزير الثقافة.
والهيئات الجديدة هي: هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهيئة الأزياء، وهيئة الأفلام، وهيئة التراث، وهيئة فنون العمارة والتصميم، وهيئة الفنون البصرية، وهيئة المتاحف، وهيئة المسرح والفنون الأدائية، وهيئة المكتبات، وهيئة الموسيقى، وهيئة فنون الطهي.
هيئات وتساؤلات
تهدف الهيئات الـ11 بشكل أساسي إلى تنظيم القطاع المعني وتطويره، ودعم وتشجيع الممارسين فيه، وستتولى كل هيئة مهمة الإشراف على قطاع ثقافي فرعي واحد باستقلالية كاملة لضمان أعلى مستويات الجودة والفعالية، وفي سبيل إعادة هيكلة منظومة القطاع الثقافي وتشكيل أدواته الجديدة، والتي تضمن تنفيذ وثيقة رؤية وتوجهات وزارة الثقافة بشكل فعّال لتتحقق من خلاله الأهداف المنوطة بالوزارة في رؤية المملكة 2030.
وبحسب بيان الوزارة فإن اختصاصات الهيئات تشمل بناء منظومة القطاع الذي تتولى إدارته، غير أن القرارات ورغم مباركتها من فصيل ثقافي سعودي كبير إلا أنهم خرجوا من نقاشاتهم بمجموعة أسئلة متعلقة بمدى قدرة الرؤساء التنفيذيين لكل هيئة على إدارتها بأكمل وجه.
وتساءل بعضهم عن آلية اختيارهم، فمن الذي اختار محمد حسن علوان رئيسا تنفيذيا لهيئة الأدب والنشر والترجمة، ومن الذي انتخب عبدالرحمن العاصم رئيسا لهيئة المكتبات، ومن الذي جعل سلطان البازعي رئيسا لهيئة المسرح والفنون الأدائية، ومن صيّر جهاد الخالدي متسيّدة لهيئة الموسيقى؟
هذه التساؤلات تنطلق من وعي المثقفين وصناع المحتوى الفني بطبيعة المشهد الثقافي السعودي، ففي رأيهم لا يمكن أن تقارن خبرة سلطان البازعي في الحقل الثقافي بصورة عامة بالخبرة الضئيلة التي حصل عليها علوان.
الأمر نفسه يستشعره الموسيقيون حين وجدوا جهاد الخالدي -بين ليلة وضحاها- على رأس الهرم الموسيقي في السعودية، في حين أن الساحة مليئة بأسماء مهمة أكثر خبرة إدارية منها في هذا الحقل، الأمر الذي جعل بعضهم ينقد الوزارة برغبتها في أن تمرر رسالة ثقافية للعالم عبر اختيار امرأة لإدارة أكبر وأهم مؤسسة حديثة مسؤولة عن الموسيقى في البلاد، فالاختيار -بنظرهم- قائم على ملابسات اجتماعية وسياسية أكثر من كونه اختيارا قائما على الخبرات والكفاءة. لاسيما وأن هذه الهيئة تحديدا ما زالت تواجه الكثير من الممانعة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بارتباطها بتدريس المناهج الموسيقية في التعليم.
المخبز الثقافي
رغم أن الهيئات الثقافية هي حلم لم يكن ينتظره المثقفون السعوديون فحسب، بل كانوا في أمس الحاجة إليه إلا أنهم كانوا يأملون أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من قرارات الوزارة في تشكيل لجنة استشارية ثقافية من مختلف مثقفي المناطق لتكون الحاملة الحقيقية للاستراتيجيات الوزارية القادمة، تماما كما كانت تفعل وزارة الإعلام والثقافة قبل فصلهما، حينما تستدعي مثقفي البلاد لمؤتمراتها السنوية، لتقديم مقترحاتهم وتطلعاتهم وتوصياتهم التي ترفع للقيادة السعودية بوصفها العجينة النهائية للمخبز الثقافي.
يقول المخرج المسرحي رجاء العتيبي “قرار تشكيل الهيئات الثقافية تأخر أربعين سنة، والصعوبة الحقيقية الآن تكمن في البدء والتأسيس، حيث عملت على ذلك الإدارات الثقافية السابقة في البلاد، لكن الأمر اليوم مختلف، فهي البداية الحقيقية للعمل المنظم. وقبل تشكيل هذه الهيئات كان مفهوم الثقافة ضبابيا وغير واضح، والمصطلحات ليست دقيقة ولا يمكن قياسها. الآن هنالك دقة في تناول الثقافة ويمكن قياس كل هيئة لوحدها”.
واقترح العتيبي إلغاء جمعيات الثقافة والفنون والأندية الأدبية، أو تحويلها إلى أذرع تنفيذية لهيئات الثقافة، فقد أدت ما عليها خلال قرابة نصف قرن من العمل الثقافي والفني في المملكة، بحيث تقوم بتنفيذ المشاريع التي تنظمها الهيئات. وتمنى العتيبي أن تكون هنالك فرص عادلة للجميع دون محاباة أو شلليلة، فالكل يأخذ فرصته في العمل الثقافي.
من جهتها رأت الكاتبة مها محمد الشريف في الهيئات تعميقا لغاية القوى الناعمة، حيث وجدت فيها وفي تنوعها واستراتيجيتها المعلنة ترويجا للمستقبل الذي يختلف عن الماضي، وهدفا رئيسا يعمد إليه العالم في التحولات الكبيرة والعميقة في توازنه وانسجامه.
تقول الشريف “ليست هناك صعوبة في تعبئة المساحات الخالية بقدر كبير من نشر الثقافة والفنون والعمل على ابتكار وسائل تطبيقها، لأن الحاجة ملحة إلى استراتيجية ملائمة لحقبة تحولات مستمرة وجديدة ومؤثرة، تُستخدم فيها القوة الناعمة بنجاح نحو إمكانات جديدة للعقل في سياق ثقافي وفكري، وعلاقة وطيدة في المستقبل في ظل معادلة تربط الإنسان بالزمن، وتنطوي على قدر كبير من الأهمية في العصر الحديث تتوج أفكاره بأساليب مبتكرة في بعض جوانب هذه الحضارة”.
وفي الجانب نفسه علّقت الكاتبة نبيلة حسني محجوب بالقول “تأتي موافقة مجلس الوزراء على إنشاء 11 هيئة لتوقف الفوضى التي أخذت تعمّ نتيجة تكاثر المدعين والمتطفلين على مختلف المهن الإبداعية، وحاجة الوطن إلى المبدعين في كل مجال، حيث أغلق زمن الصحوة الأبواب في وجوه المواهب المختلفة. الآن مع كل هذا النشاط الثقافي احتاج الوطن إلى مواهب حقيقية”.
ويرى الروائي ماجد سليمان أن “القرار يبرهن على عميق وعينا، ويشرح ما يسكن إدراكنا الكامل، وما يُلهم إرادتنا الفتيّة عن جدوى خدمة الفنون ومنحها رعاية غنية كاملة، بكل أطيافها وأشكالها واتجاهاتها ومناهجها وتحولاتها، دون التوقف عن تشييدها وترصيعها بجواهر التطوير والتدبير اللازمة لها”.
مضيفا “يجب جعل الهيئات مشهدا حيّا ضمن مشاهد مجتمعية عدة، ومنحها فرصتها الكبيرة لتصوغ ببصرها الفني المضيء ما بين أيدينا من تراث هائل وثري عُبِّقَ برائحة الأجداد، لنشكِّلَ له صورا فنية ساحرة متصلة، حتى نرى تأثيرها الإيجابي والمستقبلي على حياة الأجيال وتقديم منتج ثقافي وطني مُنقّى، ترعاه وتعتني به هيئات متخصصة أنشئت لتقوم على خدمته وتمهِّد السبل له، وتهيئة المناخ الصحي المناسب كي ينمو هذا المنتج ويتطور ويتخلَّق مستعيرا ألوانه الخاصة بسهولة ويسر”.