الكاتب السعودي جعفر عمران: الكتابة قادرة على التغيير والتأثير

القاص والكاتب السعودي جعفر عمران يعتبر أن شبكات التواصل الاجتماعي أنصفت المرأة.
الخميس 2020/03/12
نعيش عصرا جديدا صنّاعه هم الشباب

القاص والكاتب السعودي جعفر عمران، له توجهه الخاص، فهو يهدم بمعوله الكبير بمقدار ما يكتب بقلمه، يحاول أن يحطم صوره القديمه في سبيل إقامة عوالمه الأدبية المنشقة عن الوعي وعن ابتكار الصورة المخترعة من لا صورة قبلها. هكذا يقول الكاتب السعودي عن نفسه في حواره مع “العرب” الذي تطرقنا فيه لعدة قضايا سعودية وعربية معاصرة.

من خلال عنوان “اختراع رجل دين” دخل القاص والكاتب السعودي جعفر عمران خلال السنوات الأربع الأخيرة تجربة كتابة الرواية وأنجزها قبل شهور. تلك التجربة التي زادت من إيمانه بالكتابة، وعرفته أكثر عليها.

وعن ذلك يقول “بعد أكثر من ثلاثين عاماً في غمارها، منحتني الكتابة رقمها السري، فصار لدي تدفق في التعبير وفي الخروج بأسلوبٍ خاص. أما مسألة قدرتها على التغيير وعلى خلق واقع جديد، فأرى أن تعبير ‘قدرتها على التغيير’ تسرّب إلينا من الجيل الذي سبقنا، والذي بدأ بعضهم يتخلّى عن الإيمان بقدرة الكتابة على التغيير، أو تغيير المجتمع”.

ويؤمن عمران بأن الكتابة قادرة على التغيير أو التأثير في فرد واحد على الأقل، ويقول “بالنسبة لي أشتغل على هذا الفرد الواحد. لا أعرفه، ولكنه قد يكون في أكثر من مكان. ربما جملة واحدة تطلق الشرارة لدى هذا الواحد، تؤثر فيه وتعمل على تغييره أو اتخاذ قرار مهم في حياته، قرار يؤثر في غيره، وهكذا ينتقل التغيير من فرد إلى آخر وليس التغيير بشكل جماعي”.

اختراع رجل دين

تعدّ “اختراع رجل دين” رواية جريئة، وذلك لتناولها موضوعاً له حساسيته الاجتماعية، فالرواية تحكي قصة أربعة أصدقاء يعملون على إيجاد مكانة اجتماعية لهم داخل المجتمع، فيبحثون عن اعتراف من المجتمع تجاه قدراتهم وكفاءاتهم. فيقترح أحدهم أن ذلك لن يتم إلا بوجود رجل دين إلى جانبهم، فيخططون لتسمية أحد زملائهم في المرحلة الثانوية ليتم إعداده ليكون رجل دين المستقبل، فيبدأ الاختلاف بينهم في النظرة إلى رجل الدين، فهناك من يرى أنه الطريق الذي يوصلهم إلى الجنة، وآخر يرى أنه يمكن استغلاله كمكسب دنيوي. وهكذا تجري الرواية في طرح رؤى وأفكار مختلفة تجاه رجل الدين.

الصورة تضع العالم أمام تحدٍّ جديد
الصورة تضع العالم أمام تحدٍّ جديد

يقول عمران عن الرواية “الرواية تطرح أن رجل الدين داخل المجتمع ليس بالضرورة أنه احتل هذه المكانة نتيجة جهد وعمل ودراسة، بل ربما جاء من الهامش. صنعته الصدفة، أو ربما هو استغل الظرف الاجتماعي ليكون رجل دين فيبدأ يخطب في الناس مستخدماً العاطفة والإرث التاريخي، موظفاً البكاء والعويل لإرساء سلطته الشخصية”.

يشتغل جعفر عمران على تقنيات جديدة في القصة، ففي العامين الأخيرين قرأ قصصاً وروايات من الأدب الأرجنتيني والإيطالي والإسباني، ولاحظ توظيفها للمخيلة بشكل بارع ومقبول في الحدث القصصي دون مبالغة يصعب تصديقها. تلك القراءات تعلم منها كثيراً في كتابة القصة بأسلوب حديث وكيف أن المخيلة -حسب تعبيره- مَخرج مهم للحدث القصصي.

يرى الكاتب أن القصة -كانت ولا زالت- تعيش في الظل بعيداً عن الضوء الإعلامي كما يحدث للشعر والرواية والأفلام القصيرة. ومن هنا يستنتج عمران أنه يصعب قراءة المشهد القصصي السعودي بشكل كامل وواضح لكون الإعلام لا يعطيه مساحة كافية للتعرف على ذلك المشهد، سوى نشر نصوص قصصية قليلة بصورة متباعدة.

ويستأنف رأيه بالقول “هذا ‘الظل’ له إيجابياته في أنّ أحدهم لا يمكن أن يدّعي قدرته على كتابة القصة، فلا يقترب منها متطفّل أو راغب في ضوء إعلامي. أعتقد أن كتابة القصة بشكل خاص تتطلب موهبة خاصة قديرة، فأي خطأ بسيط يمكن كشفه، كل كلمة يجب أن تكون هي المقصودة، أن تكون محسوبة تماماً مثل ما تُحسب الثانية الواحدة في فيلم قصير”.

في ظل هيمنة قوى الترفيه والرياضة، ثمة رأي يتداول في صفحات التواصل الاجتماعية حول التفات هيئة الترفيه بقيادة المستشار تركي آل الشيخ للفنانين والمغنين، لكنها أهملت في تكريمها المثقفين والثقافة التي هي -بحسب رأيهم- القوة الناعمة للمملكة. بينما ذهب آخرون إلى أن هذه اللفتة كان يجب أن تكون من وزارة الثقافة وليس الترفيه.

وعن ذلك يقول عمران “تكريم المثقفين والثقافة ينبغي أن يكون من قبل وزارة الثقافة فهي الأعرف بالمثقفين وبقيمتهم الفكرية والثقافية. المشكلة لدينا هي فهمنا للتكريم. أن يكون التكريم للمثقف عندما يطعن في السن ويتداعى جسده. فيأتي التكريم حاملاً العطف والشفقة، بينما يفترض أن يكون التكريم لأهمية العطاء الثقافي والفكري ومدى قيمته وتأثيره في المتلقّي وإضافته للمنجز الثقافي”.

وفي سؤال عن رأيه في مبادرات وزارة الثقافة واستشرافه لمستقبلها يجيب “المبادرات من التنوع والغنى بما يسمح لكل فرد ينتمي للثقافة وللفنون بجميع فروعها أن يمارس هوايته ويعبر عن مواهبه وقدراته. هذا التنوع في النهاية سيكشف عن كفاءات وطاقات وخبرات متنوعة، ويضيف إلى التاريخ الثقافي السعودي الكثير من الإنجازات والخبرات. وتلك ‘المبادرات’ تتماشى مع رؤية المملكة التي تنص ضمن محاورها أنّ ‘كلّا منّا مسؤول عن بناء مستقبله، حيث يبني كلٌ منّا ذاته ليكون مستقلاً وفاعلاً في مجتمعه، ويخطط لمستقبله المالي والعملي'”.

ثقافة الصورة

بِصفته مهتماً بثقافة الصورة، حيث سبق أن قدم محاضرات في سلطة الصورة وتأثيرها على الفرد والمجتمع يقول عمران “إنّ شبكات التواصل الاجتماعي ساعدت الفرد على أن يعبر عن صوته الخاص وعن رأيه في التقاليد والأعراف من دون مواجهة أو تصادم مع المجتمع”.

جعفر عمران يعمل على تقنيات جديدة في القصة
جعفر عمران يعمل على تقنيات جديدة في القصة

موضحاً أنه “عندما نتحدث عن الحال التي أوجدتها شبكات التواصل الاجتماعي فنحن نتحدث عن حالة عابرة للأديان وللتراث وللتاريخ وللغة ولكافة الثقافات المختلفة للمجتمعات. نتحدث عن حالة جديدة يعيشها العالم بعيداً عن النظريات والمصطلحات السابقة القديمة. حالة جديدة بدأت ولا نعرف إلى أين ستصل وكيف سيكون شكلها النهائي”.

ويلفت عمران إلى أن “الصورة تضع العالم أمام تحدٍّ جديد. تحدٍ لديه الرغبة في أن يعاد بناء العالم من جديد، وأن يُفسحَ فيه المكانُ للشباب، أن يُسمح لهم بالوقوف معهم على الخط نفسه وليس وراءهم”.

ويضيف عمران في الشأن نفسه “شبكات التواصل أنصفت المرأة. جعلت المرأة تضاهي الرجل. ألغت الفارق الواضح والواسع بين الرجل والمرأة وحطمت التفوق الذكوري للرجل على المرأة الذي أعطاه إياه التاريخ وظل محتكِراً له، يلوّح به في وجه المرأة كحقٍّ وانتصار لم يبذل فيه جهداً ولم يخض من أجله معركة. ‘عالم الصورة’ سيجعل الرجل يتنازل عن عرشه ويسمح مرغماً للمرأة أن تقف إلى جانبه وليس خلفه”.

ويختتم جعفر عمران حديثه بالقول “في العام 2019 صار الشباب أكثر ثقة في أنفسهم، والتعبير عن مشاعرهم بِحرية مسؤولة. شبابٌ بدأ يؤسس لذائقته الخاصة في تأسيس منصات إعلامية وثقافية. صنع أفلاماً ومواد فنية بديلة عن التلفزيون ونشرها على اليوتيوب، وغامر في خوض تجربة البودكاست (التسجيل الصوتي). وجد أن شبكات التواصل لا تحقق رغباته، وأن موهبته وقدرته أكبر وأوسع من المساحات الضيقة في شبكات التواصل”.

ويضيف “انتشار منصات ثقافية وإعلامية واجتماعية عبر قنوات على اليوتيوب أو البودكاست والمدونات تنشر مقالات جريئة في الطرح بلغةٍ عصرية حديثة. وكأن ما يحدث هو الإعلام البديل من تلفزيون وإذاعة وصحافة، بعيداً عن ملاحقة الخبر الصحافي واللهاث حول الحدث اليومي. إعلام يعبّر عن نفسه بكل شفافية وصدق وبراءة، ويحاول أن يؤثر في مستمعيه”.

14