إعفاء الرجل من العقوبة يعرقل تجريم زواج القاصرات في مصر

تصطدم مساعي الحكومة المصرية لمواجهة ظاهرة زواج القاصرات بجملة من الثغرات القانونية التي يتم اكتشافها بين الحين والآخر، بعدما أظهرت وقائع أن بعض الشباب يتزوجون من قاصرات دون علم أسرهن من خلال ورقة زواج عرفي يتم إبرامها بين الطرفين، في حين لا يتضمن القانون توقيع عقوبة على من يتزوج طفلة.
القاهرة - أظهر قرار النيابة المصرية، قبل أيام، بإخلاء سبيل عامل تزوج من طفلة تدرس بالمرحلة الإعدادية ولا يتجاوز عمرها 13 سنة، أن استمرار إعفاء من يتزوج فتاة قاصرة من العقوبة، سوف يقود إلى المزيد من انتهاك أعراض الصغيرات بذريعة أن الزواج تم بموافقتهن، ولم يُجبرن على إقامة علاقة جنسية، وكثيرا ما تنتهي بالإنجاب وهن في سن الطفولة.
ويقتصر تطبيق العقوبة في زواج القاصرات وفق القانون، على المأذون الشرعي، وولي أمر الطفلة، وإذا لم يكن الشاب قد وصل إلى مرحلة البلوغ وتم تزويجه يُعاقب والده، وفي كل الأحوال يتم إعفاء الزوج من المساءلة حتى لو تزوج القاصر دون علم أسرتها، بذريعة أنها وافقت على ذلك، وتمت الإجراءات برضاها، وجرى إبرام عقد الزواج العرفي في وجود شهود.
وكانت الحكومة المصرية قد وافقت على قانون يجرم كل فعل يخدم الزواج المبكر للفتيات، بحيث يكون تزويج القاصر قبل بلوغها سن الثامنة عشرة جريمة وليس جنحة، ولا تسقط التهمة بالتقادم عن المتهمين ومعاقبتهم بالحبس حتى سبع سنوات، أي أن كل من سهل وساعد على إتمام الزيجة يظل مجرما سابقا في السجلات الحكومية، حتى وإن أنهى عقوبة السجن.
واستندت النيابة في قرار الإفراج عن العامل الذي تزوج قاصرا، أن “الطفلة نفسها لم تتهمه باغتصابها أو إجبارها على إقامة علاقة جنسية انتهت بحملها منه وإنجابها، واتهام أسرتها للعامل بأنه عاشرها رغما عنها ليس له دليل، لأن الطفلة وقعت على عقد الزواج العرفي”.
وإذا رفضت النيابة إطلاق سراح المتزوج من طفلة، وأحالته إلى المحكمة، فإن القاضي لن يتمكن من معاقبته، لعدم وجود نص قانوني يُعاقب الشاب الذي يقبل الزواج من قاصر، وفي هذه الحالة تتم تبرئته والاعتراف بصحة الزواج، ولا تملك أسرة الطفلة إلا القبول بالأمر.
صحيح أن مثل هذه الوقائع فردية، ولم تتحول إلى ظاهرة مجتمعية، لكنها تكشف عن خلل وثغرات في إجراءات مواجهة تزويج القاصرات، وتزيح الستار عن معضلة أكبر ترتبط بأن بعض الأسر لديها مشكلة حقيقية في الاهتمام بالفتيات، بدليل أن طفلة عمرها 13 سنة تتزوج عرفيا وتحمل، ولا يتم اكتشاف الأمر مبكرا. وتشير هذه المستجدات إلى أن حصر معضلة زواج القاصرات في أسرة الطفلة مشكلة في حد ذاتها، لأن هناك عائلات ترفض فكرة تزويج الفتاة في سن مبكرة، لكنها تفاجأ بمن يغرر بها، ويستغل البراءة وعدم النضج ليوقعها في علاقة عاطفية تنتهي بالزواج العرفي، ولا تتم معاقبته على هذا الفعل، أو حتى يتطرق القانون إليه ويحمله جزءا من المسؤولية.
وأفادت شهادة الطفلة التي تزوجت العامل وأنجبت منه، أنها لم تكن في وعيها عندما وافقت على الزواج العرفي، وقالت أمام النيابة “حاولت كثيرا أن أهرب منه، لكنه كان يطاردني بكلام عاطفي وهدايا وتوفير كل احتياجاتي حتى قبلت الارتباط به والزواج منه وإقامة علاقة جنسية معه في أحد المنازل”.
وأعادت الواقعة تسليط الضوء على ما يمكن اعتباره ظاهرة الزواج العرفي بين طالبات المدارس في مصر، حيث سجلت محاضر أقسام الشرطة بلاغات عديدة مقدمة من أسر فتيات في سن مبكرة، لم تتجاوز أعمارهن 16 عاما (قاصرات)، يشكون من تغيب بناتهن عن المنزل، وبعد التحقيق في الوقائع تبين أن المتغيبات تزوجن عرفيا.
وحسب تقارير إعلامية مصرية، فإن هناك عشرات الحالات لطالبات قاصرات هربن من أسرهن بدافع الزواج العرفي، حيث سجل قسم شرطة الزقازيق بمحافظة الشرقية شمال القاهرة، 30 حالة، و38 بمدينتي منيا القمح ومشتول السوق بذات المحافظة.
وما يلفت الانتباه، أن أغلب حالات زواج القاصرات يكون أطرافها شباب في سن متقدمة، وقد يصل الفارق العمري بين الطرفين إلى 15 عاما، أيّ أن الزوج يدرك ماذا يفعل، ويلجأ إلى حيلة الزواج العرفي لإثبات حسن نواياه، وأنه جاد في العلاقة، ما يجعل الطفلة تثق به وتمنحه جسدها، لكنها لا تدرك تبعاته مستقبلا على نفسها وأطفالها ونظرة المجتمع إليها.
ووفق التعداد السكاني الأخير في مصر عام 2017، فإن هناك آلاف الفتيات تزوجن وهن في سن الثانية عشرة، وأصبحت بينهن مطلقات وأرامل وأغلبهن أنجبن أطفالا، لكن لم يتم تسجيلهن رسميا لدى مكاتب الصحة لأن شهادات الزواج لم توثق، ما تسبب في صدمة لجهات تنفيذية وتشريعية حول طريقة اختراق القوانين التي تمنع الزواج لمن هن دون سن 18 عاما.
وتتمثل أزمة الحكومة في تعاملها مع الزواج العرفي، أو الأمومة المبكرة بمعنى أصح، في أنها تنظر إلى الظاهرة باعتبارها قضية أمن قومي، وأحد مسببات الانفجار السكاني المتهم بأنه أكبر عائق أمام التنمية المستدامة، وتحاربه من منظور ضيق دون وجود هدف أسمى وأهم، يتمثل في كونه انتهاكا لبراءة طفلة لا تدرك ماذا تفعل، وأي مصير سيء ينتظرها هي والأبناء إن وجدوا. وقالت سهير حمدي، ناشطة في مجال المرأة، إنه لا يمكن فصل زواج القاصرات عن وقائع الزواج العرفي في المدارس، لأن المتهم واحد، وهو شاب استطاع نسج خيوطه حول طفلة وأقنعها بالزواج، وأسقط عندها قيمة الالتزام بتقاليد الأسرة، ولا يمكن مواجهة الظاهرة دون أن تكون هناك رسالة ترهيب بالقانون لكل شاب تسوّل له نفسه الزواج من قاصر.
وأضافت لـ”العرب”، “لو كل شاب بالغ يعرف أنه سوف يُحاكم بتهمة ارتكاب جريمة الزواج من طفلة واستغلالها جنسيا، حتى لو كان برضاها، لن تتكرر هذه الوقائع، وصحيح أن الأسرة عليها الدور الأكبر في التربية والرقابة والمتابعة الدقيقة لحياة الفتاة ودائرة علاقاتها وأصدقائها، لكن انشغال الآباء والأمهات في المشكلات الحياتية سهل مهمة الشباب في التغرير بفتياتهن الصغيرات”.
وثمة معضلة أخرى، تتمثل في أن المؤسسات الدينية وحدها الأكثر حضورا في المشهد، لخفض ظاهرة زواج القاصرات والزواج العرفي، لكنها تستخدم أسلوبا نمطيا يقوم على الترهيب الديني واعتبار هذا الفعل من المحرمات، وهو خطاب لم يعد يجدي نفعا مع الشباب والفتيات.
واقترح عادل بركات، الباحث في شؤون التقويم الأسري وتربية النشء، القيام بحملة إعلامية موجهة للفتاة نفسها، وترهيبها من توابع إقامة علاقة عاطفية تنتهي بالزواج العرفي دون علم الأسرة، ونشر وإذاعة قصص واقعية لفتيات واجهن حياة تعيسة ومصيرا مجهولا.
وأوضح لـ”العرب”، أنه لا بديل عن وجود خطاب موجه للمراهقات يتناسب مع عقولهن، وإقناعهن بأن أغلب العلاقات معهن في سن صغيرة وراءها دوافع جنسية لا يجب الاستسلام لها، ولجوء الشباب إلى ورقة الزواج العرفي محاولة لإضفاء صبغة شرعية على هذه العلاقات، وقبول الفتاة بها لن تجني من ورائها سوى الخراب وخسارة الأهل والعائلة والأصدقاء، وغالبا الطلاق والوصمة المجتمعية.