صراع الاختصاصات ينهي محاكم التفتيش للإعلام المصري

ترقب توسيع هامش الحريات الصحافية في الوسط الصحافي المصري مع عودة وزارة الإعلام إلى الواجهة.
الخميس 2019/12/26
صدى قرارات مراكز القرار الإعلامي ينعكس على الصحافة المصرية

ينتظر الوسط الصحافي المصري انفراجا في الحريات، مع عودة وزارة الإعلام وسحب البساط من تحت الهيئات الثلاث المسؤولة عن إدارة المشهد الإعلامي، والتي فشلت في تحقيق أي مهمة يفترض القيام بها، بما وسع الهوة بين المؤسسات الإعلامية وما يريده المواطنون.

القاهرة - يترقب المشهد الإعلامي في مصر تغيرات دراماتيكية، بعد عودة وزارة الإعلام مرة أخرى، حيث أصبح رحيل رؤساء وأعضاء الهيئات الإعلامية الثلاث عن مناصبهم مسألة وقت، واستبدالهم بشخصيات أكثر تناغما مع السياسة الإعلامية الجديدة.

وبدأ أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام الذي تولى منصبه الأحد، ترشيح أسماء شخصيات جديدة لرئاسة وعضوية الهيئات الإعلامية الثلاث، وهي: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، تمهيدا لتقديمها إلى مؤسسة الرئاسة.

وارتبط وجود حقيبة للإعلام بإخفاق الهيئات الثلاث في مهمة ضبط إيقاع المشهد الإعلامي، والتراخي في وقف الفوضى وعدم رسم سياسة تتوافق مع احتياجات الحكومة وتكون مقبولة من الشارع، ما أدخل المشهد العام في مآزق عصية على الحل.

ويستهدف التسريع من وتيرة إقصاء الوجوه القديمة منع وقوع صدام في الاختصاصات مع وزير الإعلام، لاسيما وأن مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، انتقد إعادة الوزارة، على اعتبار أنه يقوم بدور الوزير.

ويعيش الوسط الصحافي والإعلامي حالة من التشتت، في ظل محاولة كل هيئة فرض نفسها، وانتزاع صلاحيات، وغياب التنسيق بين الأطراف المعنية بضبط المشهد، ما انعكس سلبا على المنتج الإعلامي، واتسعت الهوة بين المؤسسات الإعلامية وما يريده المواطنون. وتظل مشكلة الهيئات الإعلامية أنها حصرت نفسها في دور الرقيب وقاضي التفتيش وفرضت سياسة اعتمدت على ترسيخ الصوت الواحد، وتفرغت لملاحقة من يغردون خارج السرب، لتصورها أنها ترضي السلطة، ويبقى رؤساؤها وأعضاؤها في مناصبهم لأطول فترة، وغاب عنهم ترتيب البيت الإعلامي ووضع سياسة توازن بين تأييد ونقد الحكومة.

وقال حاتم زكريا، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لـ”العرب”، إن توقيت تشكيل الهيئات الإعلامية فرض عليها اتخاذ قرارات تستهدف ضبط المنظومة وتغليب سياسة التصدي للفوضى وتطبيق عقوبات قاسية على الخارجين على النص.

وأضاف، أيّ صراع بين الهيئات ووزارة الإعلام لن يخدم المهنة، وهذا مستبعد مستقبلا لأن الإصلاح أصبح مطلبا جماعيا، ولا بديل عن التكامل، ومهمة ضبط وإصلاح المنظومة وإعادة الإعلام المصري لمكانته الحقيقية أمر صعب، ويحتاج لتغليب المصلحة العامة.

يحيى قلاش: مع وجود وزارة الإعلام لن توجد توجيهات مجهولة المصدر
يحيى قلاش: مع وجود وزارة الإعلام لن توجد توجيهات مجهولة المصدر

ويفترض أن يقوم وزير الإعلام بوضع استراتيجية شاملة، يجري تطبيقها على الإعلام الحكومي والخاص، ويكون هناك شكل وهوية للإعلام تتلاقى مع الأهداف والسياسة العامة للدولة، على أن تقوم الهيئات الثلاث بتنفيذها، بحيث لا تعمل كل واحدة منها في جزر منعزلة.

وما يخشاه البعض من الصحافيين هو أن تتبنى السياسة الجديدة ترسيخ مفهوم الإعلام القومي الذي يقلص فرص حرية الرأي والتعبير، بحكم أن أغلب الصحف والقنوات مملوكة لجهات رسمية، لكن ما يشير إلى وجود بصيص من الأمل، أن احتكار أجهزة رسمية إدارة المشهد بالتوجيهات أو التعليمات لن يستمر، على الأقل بنفس الطريقة التي كانت عليها الأوضاع خلال الفترة الأخيرة.

ويرتبط انتقال مهمة الإشراف للوزير أسامة هيكل بعاملين أساسيين، الأول عدم رضا رئاسة الجمهورية، عن طريقة إدارة الإعلام ونوعية القضايا التي يناقشها.

والعامل الثاني، أن الحكومة ليست على خبرة كافية لمن توجه الخطاب حول ضرورة إصلاح الإعلام، هل للإعلاميين أنفسهم؟ أم للهيئات والنقابات الإعلامية؟ أم للأجهزة العليا التي تدير المشهد؟

وبالتالي كان حتميا وجود جهة واحدة تقوم بكل هذه الأدوار، مثل وزارة الإعلام، تضع سياسة توازن بين ما تريده السلطة وما ينتظره أعضاء المهنة والشارع.

ودعم يحيى قلاش، نقيب الصحافيين السابق، هذا الطرح، قائلا لـ”العرب”، “السلطة في مصر تبحث عن مركزية القرار الإعلامي، وهو ما يفسر عودة الوزارة، فمن كانوا يصدرون التعليمات، شخصيات خفيّة، وأعتقد مع وجود الوزارة لن تكون هناك توجيهات مجهولة المصدر”.

ويظل الاستحقاق الأهم، من وجهة نظر قلاش، أن الحكومة بدأت تسحب البساط من تحت أقدام دوائر لم تكن متخصصة ولا تمتلك خبرة إدارة المشهد الإعلامي، لتضع المسؤولية في يد صحافي، وحتى إن كان هيكل سوف يسير وفق رؤية سياسية معنية بضبط المشهد الإعلامي، فإن بإمكانه التدخل وفق خبراته وعلاقاته واقترابه من الإعلاميين لتغييرها إلى الأفضل، لأنه على الأقل مدرك لما يريده أبناء المهنة، وما يطالب به المواطنون.

ويرى أحمد سعد، وهو اسم مستعار لصحافي بمؤسسة حكومية، ومعد برنامج تلفزيوني، أن “الميزة الأهم في وجود وزير إعلام، أن يصل بأصوات العاملين في المهنة إلى رأس السلطة، وهو ما افتقدته الهيئات الثلاث التي لا تستطيع الوصول إلى رئيس الحكومة أو مؤسسة الرئاسة، لكن المعروف أن وزير الإعلام يكون متواصلا مع الرئيس مباشرة”.

ويظل الخوف الأكبر لدى هذا الصحافي الذي تحدث مع “العرب”، أن تكون إعادة منصب وزير الإعلام مرتبطة بالحديث عن تصفية للمؤسسات الحكومية، وتنفيذ النصوص القانونية التي أقرها البرلمان قبل شهور، وأتاحت دمج وإلغاء إصدارات ومؤسسات إعلامية، ما يعني تشريد الآلاف من العاملين لتقليل الخسائر، وهي الخطوة التي لم تجرؤ الهيئات على اتخاذها.

لكن ما يطمئن سعد، أن “هناك حديثا متصاعدا حول فتح قنوات اتصال بين الإعلاميين ومؤسسة الرئاسة والاستماع إلى آرائهم وتوصيل مشكلاتهم بعيدا عن الإطار الرسمي المتمثل في هيئات أرادت احتكار التواصل مع السلطة”.

وهيكل، شخصية سياسية أكثر منها إعلامية، فهو وزير سابق للإعلام، وبرلماني وصحافي ورئيس تحرير سابق، ويؤمن بأن “وجود حرية رأي وتعبير، السبيل الأمثل لإعادة الناس لمتابعة الإعلام المحلي، وضرب المنصات الخارجية التي تستهدف الدولة المصرية”.

ويقول مراقبون، إن وجود شخصية تؤمن بحرية التعبير على رأس وزارة الإعلام، لن يكون ذا قيمة إذا استمرت قناعات بعض دوائر الحكم بحتمية الاصطفاف خلف السلطة، وهو ما يضع أمام هيكل مهمة إقناع هذه الدوائر، والرئيس شخصيا، بأن إعادة مصداقية الإعلام تبدأ مع وجود أصوات معارضة، أو على الأقل مختلفة توحي بأن هناك تعددية.

وتبدأ مهمة وزير الإعلام، حسب كلام يحيى قلاش، في إقناع الحكومة بمزايا وجود حرية رأي، وتحسين صورة الصحافيين أمام السلطة أولا، لأن بعض دوائر الحكم تصنف الإعلاميين ضمن أهل الشر الذين يجب ترويضهم والسيطرة عليهم، لافتا إلى أن “انتزاع وزير الإعلام سلطة التوجيه من أجهزة وهيئات لا علاقة لها بالإعلام ربما يكون بداية رفع القيود عن المهنة”.

18