برلمان تونس يحبط خططا للإفراط في الاقتراض

اعتبرت الأوساط الاقتصادية التونسية رفض البرلمان السماح بطرح سندات جديدة في السوقين المحلية والدولية تحركا يعكس حجم المخاوف من تخلف الدولة عن سداد ديونها مع فشل كل المحاولات الحكومية لتخفيف حدة الأزمات المتراكمة في ظل بطء الإصلاحات.
تونس - أحبط البرلمان التونسي خطط الحكومة لطرح سندات جديدة، في تحرك يهدف منه إلى كبح الإفراط في الاقتراض وسط خشية الأوساط الاقتصادية من تخلف الدولة عن سداد ديونها.
ورفضت لجنة المالية والتخطيط والتنمية مساء الخميس مقترحا حكوميا لإصدار سندات بقيمة قصوى تصل إلى 800 مليون دولار هذا العام.
وشكّل القرار انتكاسة قوية لجهود الحكومة بقيادة يوسف الشاهد، التي تسعى لضمان تمويلات لسد العجز المتوقع في موازنة العام الجاري والقيام بإجراءات يطالب بها المقرضون الدوليون.
وتأتي الخطوة بينما تشهد البلاد موجة من الإضرابات في عدة قطاعات كان آخرها قطاع نقل الوقود، حيث أفضى ذلك إلى طوابير طويلة أمام محطات الوقود.
وقال الخبير أنيس القاسمي لـ”العرب” إن “القرار ولو أنه لم يكن متوقعا بالنظر إلى التناغم بين البرلمان والحكومة، إلا أنه يظهر في الوقت ذاته أنه يوجد شعور بأن المزيد من الاقتراض سيجعل تونس في موقف أكثر إحراجا”.
وأوضح أن الضرورة تقتضي إعادة محركات النمو إلى نشاطها المعهود وتنفيذ كل الوعود التي قطعتها الحكومة باعتبارها المحفز الرئيسي لإنقاذ البلاد من محنتها، التي لا يبدو أنها ستنتهي قريبا.
غير أن البعض فسّر قرار البرلمان بعدم قدرة تونس حاليا على التفاوض على نسب فائدة تتماشى مع إمكانياتها من جهة، وعدم رغبة الأسواق في تمويل تونس من جهة أخرى.
وأشاروا إلى أن التجاذبات السياسية زادت من تعقيد الأمور، ما جعل الدولة مرتبطة أكثر بصندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات مقابل إجراء حزمة إصلاحات.
ويكشف استمرار لجوء تونس للاقتراض من الأسواق الخارجية عن عمق الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، وفشل كافة الإجراءات الإصلاحية لتعديل بوصلة محركات النمو الاستراتيجية.
وتُختزل تلك الأزمة في عجز الموازنة وفي ظل الضغوط المتزايدة على الاحتياطيات النقدية من العملة الصعبة، فضلا عن شح السيولة في السوق المالية المحلية.
وتخطط الحكومة لخفض العجز في الموازنة إلى 3.9 بالمئة بنهاية العام قياسا مع ما تم تسجيله العام الماضي عند مستوى 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتحتاج تونس خلال العام الجاري قرابة 3.6 مليار دولار لردم الفجوة الكبيرة بين النفقات والإيرادات، منها حوالي 2.5 مليار دولار من الأسواق الدولية.
وقبل قرار اللجنة، قال وزير المالية محمد رضا شلغوم إن “هناك إمكانية للخروج للسوق المالية ربما في نهاية العام عندما تكون هناك حاجة لذلك وسيتم التعامل مع هذا الأمر وفقا للفرص المتاحة في السوق المالية”.
لكنه أشار في المقابل، إلى أنه ليس “هناك حاجة ملحة للخروج حاليا”.
وبلغت المديونية مستويات قياسية، حيث وصلت إلى 74 بالمئة من الناتج المحلي الخام بنهاية العام الماضي، لتمثل مصدر قلق لدى التونسيين وخاصة المعارضة التي تتهم الحكومة بالبحث عن الحلول السهلة عبر الاقتراض.
وتأمل الحكومة في أن تساعد الإصلاحات في خفض مستوى الدين الخارجي، ليصل بحلول العام المقبل إلى 70 بالمئة فقط.
وكان الشاهد قد قال في وقت سابق العام الجاري إنه “يتعين البدء بشكل فوري في إصلاحات جريئة ومؤلمة عبر تقاسم التونسيين التضحيات بهدف وقف نزيف التداين”.
ولكن خطط الإصلاحات تواجه رفضا شديدا من قبل النقابات القوية وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة.
وعجزت الحكومة خلال العام الماضي في تعبئة مليار دولار من الأسواق الدولية لضبابية آفاق الاقتصاد خاصة بعد أن خفضت وكالة موديز تصنيف تونس إلى مستوى بي 1 مع آفاق سلبية بعد أن كان في مستوى بي.أي 3 مع آفاق سلبية.
ولم تكتف موديز بذلك، بل خفضت السندات طويلة الأمد بالعملة المحلية والسندات المصرفية التونسية إلى بي.أي 1 من بي.أي.أي 2.
كما خفضت الوكالة تصنيف سقف الودائع بالعملات الأجنبية طويلة الأجل إلى بي 2 من بي 1، وسقف السندات بالعملات الأجنبية من بي.أي 1 إلى بي.أي 2.
وما تزال تونس تتعرض لضغوط من صندوق النقد لتقليص عجز الموازنة عبر خفض الدعم وإصلاح القطاع العام وتجميد الأجور.
ومع ارتفاع حجم الأجور بشكل لافت مع التهامها لثلث الميزانية الجديدة، بات الوضع أكثر صعوبة، فضلا عن فقدان الدينار أكثر من نصف قيمته خلال العامين الأخيرين، الأمر الذي انعكس على القدرة الشرائية للمواطنين.
وبلغت نسبة التضخم بنهاية الربع الأول من العام 7.1 بالمئة حسب المعهد الوطني للإحصاء، في وقت يتوقع فيه صندوق النقد ارتفاعها إلى 8.1 بالمئة بنهاية العام، في تقريره الأخير حول “آفاق الاقتصاد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط”.
ومن بين أهداف برنامج الإصلاحات القاسية تقليص معدل البطالة بنحو 3 بالمئة ليبلغ نحو 12.4 بالمئة بحلول عام 2020.
ويشكك محللون في قدرة الحكومة على تخفيف الضغوط المتزايدة على المواطنين بعد أن بنت موازنة 2019 على فرضيات تبدو غير واقعية ومؤشرات غير ثابتة، قد تعرقل كافة الجهود لإخراج البلاد من نفق الأزمات المتراكمة.
وتبني الحكومة الموازنة، عادة، على مجموعة من الفرضيات، ولعل من أهمها نسبة النمو الاقتصادي وسعر صرف العملة المحلية وسعر النفط الخام في الأسواق العالمية.
ورغم أن الحكومة لم تفرض ضرائب هذا العام، لكن المؤشرات غير الثابتة، التي بنيت عليها الموازنة تبدو مزعجة خاصة مع انحدار قيمة الدينار وارتفاع أسعار النفط.
ويقول البعض إن تفاؤل الحكومة بشأن انتقال الاقتصاد إلى المنطقة الآمنة بحلول 2021 شبه مستحيل، في ظل انكماش معظم محركات النمو الرئيسية وخاصة مع بطء نشاط القطاعات الاستراتيجية مثل الفوسفات.
وحتى الآن، لا يرى معظم التونسيين سوى ضوء خافت في نهاية نفق طويل من الأزمات الاقتصادية منذ 2011 ولا تزال تركة السنوات الثقيلة من الاضطرابات السياسية والأمنية تلقي بظلال قاتمة على الأوضاع الاقتصادية الحالية.