صناعة الأدوية التونسية في مرمى اتفاقية أليكا

تونس - أطلق القطاع الصحي التونسي صفارات الإنذار من المخاطر، التي ستخلفها اتفاقية التبادل التجاري الحرّ الشامل والمعمّق (أليكا) في حال تم توقيعها بشكل غير عادل.
ويحذر محللون من الانعكاسات السلبية للاتفاقية على الاقتصاد التونسي، رغم اقتناع الحكومة بأنها خطوة ضرورية لتعزيز النمو عبر الاندماج أكثر في السوق الأوروبية.
وتأتي هذه التحذيرات بينما دخلت تونس في جولة رابعة من المفاوضات بشأن الاتفاقية المثيرة للجدل مع الاتحاد الأوروبي تختتم اليوم الجمعة.
والاتفاقية هي امتداد لاتفاقية التبادل الحر والشراكة التي أبرمها الطرفان في 1995، حيث كانت تونس أول بلد جنوب البحر المتوسط يوقعها.
ومن القضايا، التي تثير القلق من الاتفاقية ما يتعلق بحماية حقوق الملكية الفكريّة حيث يطالب الأوروبيون بالمصادقة على قوانين تحمي براءات اختراع شركاتهم وتمنع نسخها، كما ورد في مسودة الاتفاقية.
وسيكون من بين المتضررين من حماية حقوق الملكية، شركات صناعة الأدوية التونسية، حيث قد تفضي الاتفاقية إلى تهديد حقوق المرضى في تناول الأدوية المثيلة.
ويعتمد نظام التأمين الصحي التونسي بشكل كبير على تلك الأنواع الرخيصة من الأدوية، نظرا لارتفاع أسعار مثيلاتها الأصلية المستوردة.
وقبيل انطلاق هذه الجولة، مارس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة ضغوطا على الحكومة من أجل توظيف المرونة التي يكفلها الاتفاق المتعلق بحقوق الملكية الفكرية المتصلة بتجارة الأدوية.
كما رفضت نقابة أصحاب الصيدليات الخاصة بشكل قاطع أي خطوة قد تضر بمصالح العاملين في هذا المجال.
وعبر نوفل عميرة نائب رئيس نقابة أصحاب الصيدليات الخاصة عن مخاوف القطاع من أن يؤدي الاتفاق بصيغته الحالية إلى ضرب صناعة الأدوية بالبلاد.
ومن أبرز بنود الاتفاقية هو التحرير الكلي لقطاع الأدوية، وهي نفس المشكلة التي ستعاني منها قطاعات استراتيجية أخرى وفي مقدمتها الزراعة والصناعة.
ويرى عميرة أن تحرير القطاع سينجر عنه دخول مستثمرين أوروبيين بعقلية النشاط في أوروبا أي أن المنافسة لن تكون متكافئة.
وقال إن “جذب مؤسسات صيدلانية أوروبية خاصة لترويج الأدوية في تونس سيؤدي إلى عدم التزامها بالتوزيع الجغرافي بالنظر لعدد السكان واحتياجاتهم من الأدوية”.
واعتبر أن تحرير قطاع الأدوية سيؤدي إلى تحرير تجارتها بالكامل بعدما كانت تونس تفرض قيودا على واردات الأدوية في إجراء تحفيزي يدعم الصناعة المحلية.
ووفق البيانات الرسمية، فإن القطاع يضم 74 شركة، من بينها 36 شركة مختصة في صناعة الأدوية، فيما تركز البقية على المستلزمات الطبية، برقم معاملات يبلغ سنويا 250 مليون دولار.
وانتقد عميرة تجاهل الحكومة لتحذيرات المحللين من الانعكاسات السلبية للاتفاقية على اقتصاد البلاد والدخول في مفاوضات بصفة أحادية.
وأوضح أن عدم تشريك المنظمات المهنية في المشاورات حول الاتفاقية يعد من أهم الأسباب، التي قد تجعل الاتفاقية تسير في اتجاه واحد، في إشارة إلى المستثمرين ورجال الأعمال الأوروبيين.
وكشفت وثيقة وقعت عليها الجمعية التونسية لمقاومة الأمراض المعدية والتحالف الدولي من أجل ضمان العلاج في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قبل ثلاث سنوات، أن الأوروبيين وقعوا اتفاقيات مشابهة تطالب بتمديد براءة الاختراع إلى أكثر من عقدين.
ويشدد الشق المعارض للاتفاقية على ضرورة البدء بتقييم نتائج اتفاق الشراكة المبرمة قبل 24 عاما بين الطرفين خاصة مع اختفاء نحو 55 بالمئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، ما تسبب في فقدان نصف مليون تونسي لوظيفته.
ويقول الخبير سامي العوادي إن أهم تحد يواجه تونس اليوم يتمثل في عدم قدرة الاقتصاد على تعزيز موقعه كشريك حقيقي مع أوروبا، فالاتفاقية تحمل تحديات حقيقية للقطاعات الحساسة.
وتندرج المفاوضات الجديدة في إطار سلسلة من اللقاءات بين الجانبين بدأت مع قطاع الزراعة على وجه التحديد في سياق توصيات قديمة للمؤسسات المالية الدولية.
وأشارت دراسة للبنك الدولي في 2006 إلى أن تونس عليها التخلي عن الزراعات غير الرابحة مثل القمح وتربية الماشية.
وبدأت الجولة الأولى من المفاوضات حول اتفاقية أليكا في أبريل 2016، حيث شملت قطاع الصناعية عبر تحرير التعرفة الجمركية على المنتوجات، لكن دون تفويض رسمي من البرلمان.
وحاولت تونس في عام 2014 إطلاق مفاوضات في هذا الشأن ومع الضغوط الداخلية الشديدة من قبل الأوساط الاقتصادية تراجعت عن الخطوة.
ولكن في أكتوبر 2015، أطلقت الحكومة التي كان يرأسها الحبيب الصيد آنذاك المفاوضات غير مكترثة للعواقب الوخيمة التي تخلفها الاتفاقية على الاقتصاد التونسي.
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد شدد خلال زيارته إلى بروكسل في أبريل العام الماضي على أهمية التوصل تدريجيا إلى هذا الاتفاق المثير للجدل.
وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر حينها “صحيح أن هناك عدم تكافؤ اقتصادي بين تونس والاتحاد الأوروبي ولسنا بمستوى التطور نفسه لكن هذا لا يعني أنه لا يمكننا التعاون”.
ومن المتوقع أن يضع الطرفان مع نهاية هذا الشهر مبادئ أساسية سيقوم عليها الاتفاق، قبل توقيعها رسميا في وقت لم يتم الإعلان عنه حتى الآن.