السوق السوداء للعملات تتحدى إجراءات المركزي التونسي

تتباين آراء الخبراء حول فرص نجاح محاولات السلطات النقدية التونسية في محاصرة سوق العملة السوداء عبر فتح مكاتب صرافة تعمل تحت رقابة الدولة، بهدف معالجة الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي، للحد من تداعيات استمرار تدهور قيمة الدينار على اقتصاد البلاد الهش.
تونس- يعتبر كثير من الخبراء في تونس أن مكاتب الصرافة لن تعمل على الحد من تجارة العملة في السوق السوداء، بينما تسعى السلطات لمعرفة الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للدينار والتي من المفترض أن تتطلب وقتا طويلا.
وقال مسؤول رفيع كان يعمل سابقا في البنك المركزي، رفض الكشف عن اسمه، في تصريح لـ”العرب” إن “السلطات النقدية لن تستطيع حل المشكلة إما تقاعسا منها أو خوفا من محاربة اللوبيات التي تسيطر على السوق الموازية”.
وكشف أن في الجنوب التونسي بنكا مركزيا موازيا لا أحد يريد الحديث عنه في العلن، ويقدر حجم الأموال التي يدرها تجار العملة هناك، بنحو ثلاثة أضعاف احتياطات المركزي البالغة حاليا حوالي 5 مليارات دولار.
ويمثل إنشاء مكاتب صرافة للمرة الأولى في تاريخ البلاد خطوة نحو تجرع العلاج المر الذي يطالب به صندوق النقد الدولي نحو تحرير أسعار الصرف، والتي نفاها كل من الحكومة والمركزي مرارا.
وتأتي تحركات السلطات نحو إصلاح النظام المالي من خلال افتتاح مكاتب صرافة تعمل وفق القانون متأخرة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب للبلاد.
ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية لوزير المالية السابق حسين الديماسي قوله إن “الإجراء الجديد المتعلق بفتح مكاتب صرافة العملة لا يمكنه بمفرده وقف نزيف صرف العملة في السوق السوداء”.
وأكد أنه لا يمكن تقدير حجم السوق السوداء لصرف العملة، مشككا في الأرقام التي ساقها المركزي بأن الأموال التي تدور خارج الإطار الرسمي لا تتجاوز 3 مليارات دينار (نحو مليار دولار). وكان المركزي قد أعلن مطلع الأسبوع عن منح 7 تراخيص لممارسة “نشاط الصرف اليدوي للعملة الصعبة”.
وأصدرت الحكومة قرارا العام الماضي يتعلق بإحداث مكاتب صرافة “قصد توجيه عملات الصرف التي تتم بصفة غير شرعية نحو القنوات الرسمية وتدعيم المجهود الوطني في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
وتضمن القرار مجموعة من الشروط التي تخول فتح مكاتب الصرافة من أبرزها أن يكون المسؤول عن المكتب مختصا في الميدان المالي. كما حدد السقف الأدنى للضمان البنكي بمبلغ 50 ألف دينار (20.1 ألف دولار) يتم إصداره لفائدة المركزي من أي مؤسسة مالية تعمل في الدولة.
وهناك خشية من تراجع قيمة الدينار لمستويات قياسية أمام العملات الأجنبية وتزايدت التحذيرات من الانعكاسات الخطيرة لهذا الانحدار، الذي يعكس خللا في التوازنات المالية، في ظل ارتفاع مستوى التضخم وشلل معظم محركات النمو.
وحتى الآن، لا تستهدف السياسة النقدية لتونس تخفيضا في قيمة الدينار، كما أن الحكومة نفت مرارا نيتها تعويم الدينار مع أن المسألة لا تزال تثير جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية.
ورأى الخبير أنيس القاسمي خلال تصريح لـ”العرب” أن تونس مجبرة على السير في طريق إصلاح نظامها المالي في ظل الضغوط المسلطة عليها حتى يتسنى لها تطويق الأزمة تدريجيا.
ورغم تأخر هذه الخطوة كثيرا، وفق رأيه، إلا أنه أكد أن اعتماد مكاتب صرافة رسمية سيتيح للسلطات معرفة تحركات الأموال التي تدور في السوق السوداء، وبالتالي وضع استراتيجية حتى لا ينهار الدينار أكثر في الفترة القادمة.
وقال أحمد كرم، رئيس الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية التونسية، في وقت سابق إن “وزارة المالية والمركزي سيشرفان على العملية، وستكون هذه المكاتب على ارتباط مباشر بالبنوك، وهي التي ستستقبل مباشرة فوائض تلك المكاتب من العملة الأجنبية”.
ويلقي متابعون للشأن الاقتصادي التونسي باللوم على حكومة الترويكا، التي قادتها حركة النهضة حينما أغرقت البلاد في حالة من الفوضى الاقتصادية أدت للدخول في نفق من الأزمات المتتالية، ما أدى لفقدان الدينار قيمته بشكل غير مسبوق.
وتطالب النقابات المحلية وجهات مالية دولية منذ سنوات، تونس بإرساء نظام مالي لمحاصرة السيولة المتداولة في السوق الموازية باعتبارها الحلقة الأولى في تمويل الإرهاب.
ويعتقد مسؤولون حكوميون ومختصون في القطاع المالي والمصرفي أن من أبرز أسباب انتشار ظاهرة غسيل الأموال بالبلاد هو حالات الفوضى السياسية والفوضى الاقتصادية والإدارية، التي أعقبت الإطاحة بزين العابدين بن علي في يناير 2011.
واتسع قلق الأوساط المالية التونسية من يأس السلطات النقدية لعدم قدرتها على حماية قيمة الدينار، الذي تراجع لمستويات قياسية أمام العملات الأجنبية.
واختزل محافظ المركزي مروان العباسي موجة الإحباط تلك خلال جلسة استماع أمام البرلمان في فبراير الماضي بالقول إنه “ليس من السهل الدفاع عن الدينار في ظل انخفاض احتياطي النقد الأجنبي”.
وواجهت تونس سلسلة من الصدمات منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 ليشهد معدّل نموّها هبوطا في 2011، لكن الاقتصاد بدأ بالتعافي منذ عام 2014. وتتوقّع الحكومة أن ينمو الاقتصاد بنحو 3 بالمئة هذا العام.