تونس تبدأ إنشاء أكبر منطقة للتجارة الحرة والخدمات اللوجستية على الحدود مع ليبيا

رهان على الشراكة مع القطاع الخاص في بناء مراحل المشروع، والحكومة تسعى لمعالجة تفشي التهريب وتعزيز التبادل التجاري.
السبت 2019/03/09
مشروع استراتيجي يدعم جهود التنمية

وضعت تونس أول لبنات إنشاء أكبر منطقة تجارية ولوجستية حرة على الحدود مع ليبيا بعد سنوات من التأخير في إطار جهود دعم الصادرات ومعالجة التداعيات السلبية لانتشار التهريب والسوق السوداء، رغم شكوك البعض في جدوى المشروع نتيجة ارتباك تنفيذ المشاريع التنموية السابقة.

بنقردان (تونس) - أعطت الحكومة التونسية الضوء الأخضر أخيرا لبناء المنطقة الحرة للأنشطة التجارية واللوجستية في بنقردان، في محاولة لتطويق التهريب، التي يوجه إليها أصابع اللوم في اتساع الاختلالات الاقتصادية.

ويؤكد المسؤولون أن الهدف من الاندفاع لإنشاء المنطقة هو تعزيز التبادل التجاري والحد من السوق السوداء، التي نخرت الاقتصاد في السنوات، التي تلت الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وتواجه السلطات تركة هائلة من المشكلات المتعلقة بالتهريب، وقد شدد خبراء مرارا أن عليها تحديد خارطة واضحة المعالم للحد من هذه الآفة المتنامية، والتي خصصت لها الحكومات السابقة ملايين الدولارات لمحاربتها ولم تأت بنتائج ملموسة.

إلياس بن عامر: سيتم الترويج للمشروع في شهر يونيو المقبل لاستقطاب رؤوس الأموال
إلياس بن عامر: سيتم الترويج للمشروع في شهر يونيو المقبل لاستقطاب رؤوس الأموال

واختارت الحكومة تدشين المشروع البالغ مساحته 150 هكتارا، بالتزامن مع إحياء الذكرى الثالثة لأحداث بنقردان، في تحرك رمزي تريد منه إثبات أن مكافحة الإرهاب لا يأتي إلا بتنمية المناطق الحدودية.

وقال وزير التجارة عمر الباهي في كلمة بعد وضع حجر الأساس للمنطقة الحرة إن “من بين أهداف المشروع هو دمج السوق الموازية في الاقتصاد الرسمي، وهو ما سيوفر 8 آلاف فرصة عمل بشكل مباشر وغير مباشر”.

وموقع إنشاء المشروع استراتيجي إذ لا يبعد عن معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا سوى 10 كلم، كما أنه قريب من ميناء جرجيس التجاري بنحو 50 كلم.

وفعليا، ثمة منطقتان للتبادل الحر إحداها في جرجيس التابعة لولاية مدنين على مساحة 60 هكتارا، والثانية بولاية بنزرت على مساحة 30 هكتارا، ولكن دورهما غير كاف رغم أن  أنهما بلغتا الطاقة القصوى تجاريا.

وأكد وزير التجارة في تصريح لـ”العرب” أن الوزارة تعمل مع وزارات التجهيز والصناعة والفلاحة لإتمام كافة مراحل المشروع خاصة وأن القسط المتبقي من الطريق السريعة الرابط بين ولاية قابس وراس جدير سيكون جاهزا بنهاية العام الجاري.

وأوضح الباهي، الذي دشن المشروع برفقة وزير التجهيز والإسكان نورالدين السالمي، أن المنطقة الحرة ستؤسس لقاعدة تجارية ضخمة بمعايير دولية وهو ما من شأنه أن يجعل من المنطقة بوابة لغزو الأسواق الأفريقية.

وكشفت مصادر لـ”العرب” أن الجزائر أبدت رغبتها ببناء طريق سريعة بين المنطقة الحرة والحدود الجزائرية، لتسهيل عبور البضائع إلى ليبيا وأوروبا عبر ميناء جرجيس.

ووفق الوثيقة الفنية للمشروع، فإن 70 بالمئة من مساحة المنطقة الحرة مخصصة لأنشطة الخدمات اللوجستية وإعادة التصدير والتجارة الدولية وستكون تحت الرقابة الجمركية، ما يعني أنها ضمن الاقتصاد الرسمي.

وسيتم تخصيص المساحة المتبقية من المنطقة للتجارة بالتفصيل وبناء مستودعات تخزين للشركات الصناعية، إلى جانب بناء وحدات فندقية وترفيهية، فضلا عن بناء هياكل لتقديم الخدمات الإدارية والمساندة للمستثمرين.

وتراهن تونس على جذب استثمارات أجنبية جديدة للدخول في مثل هذه المشاريع الواعدة بعد أن استطاعت انتزاع اتفاق من الصين العام الماضي ضمن مبادرة “الحزام والطريق” الجديد لبناء منطقة حرة تشمل مصانع صينية في جرجيس.

ومن المفترض البدء في تنفيذ أولى مراحل المشروع والبالغ تكلفته 32 مليون دينار (10.5 مليون دولار) الشهر المقبل، وتشمل البنية التحتية بما فيها بناء محطة لتوليد الكهرباء ومحطة لمعالجة النفايات وتشييد الطرقات وتهيئة قنوات الصرف الصحي.

105 ملايين دولار التكلفة الإجمالية لمشروع المنطقة الحرة في بنقردان على أن يدخل العمل بحلول 2021
105 ملايين دولار التكلفة الإجمالية لمشروع المنطقة الحرة في بنقردان على أن يدخل العمل بحلول 2021

وتعمل الحكومة على تنويع الحوافز لتشجيع المستثمرين ودفعهم للدخول في شراكات مع القطاع العام، باعتبار هذا المحور إحدى أبرز النقاط الاستراتيجية في السياسة الاقتصادية للدولة.

وأكد الديوان التونسي للتجارة، الجهة المشرفة على المشروع، أن عمليات التشييد ستنطلق بعد تأسيس شركة ستدير المراحل الخمس لبناء المنطقة، على أن تتم المرحلة الأخيرة في ديسمبر العام المقبل.

وقال إلياس بن عامر الرئيس المدير العام للديوان في تصريح خاص لـ”العرب” إن “قيمة المشروع تبلغ حوالي 320 مليون دينار (105 مليون دولار) وأن الدراسات الفنية للمشروع ستكون جاهزة في الفترة القليلة القادمة”.

وأوضح أنه سيتم الترويج للمشروع خلال ندوة دولية في شهر يونيو المقبل من أجل استقطاب رؤوس أموال محلية وأجنبية للمساهمة في بناء المنطقة التجارية الحرة.

وأشار إلى أن المنطقة الحرة ستقدم حوافز لتجار السوق الموازية في المناطق الحدودية وستشجعهم على ممارسة أنشطتهم ضمن السوق الرسمية لمحاصرة عمليات التهريب، وبالتالي تحقيق عوائد إضافية لخزينة الدولة.

ويمثل التهريب صداعا مزمنا لتونس، خاصة الوقود حيث يباع لتر البنزين المهرب من ليبيا بـ6 أضعاف ثمنه، وفق البنك الدولي، فضلا عن منتجات غذائية واستهلاكية أخرى مجهولة المصدر، والتي ألحقت ضررا كبيرا بالصناعة المحلية وأدت لغلق العديد من الشركات لأبوابها.

وتستهدف تونس الحد من حجم الاقتصاد الموازي من 50 بالمئة، وفق التقديرات الرسمية، إلى 20 بالمئة بحلول العام المقبل، غير أن المحللين يشككون في قدرتها على القيام بذلك.

وتزامن إطلاق المشروع مع تدشين أول مستشفى خاص ببنقردان وافتتاح جسر وادي بوحامد الرابط بين مدنين وجرجيس في خطوة لتوسيع شبكة الطرقات في الجنوب التونسي.

وقال وزير التجهيز للصحافيين إن العمل على قدم وساق من أجل الانتهاء من أشغال الطريق السريعة المؤدية للمنطقة الحرة مرورا ببنقردان حتى تكون المدينة أكثر نشاطا من خلال شمولها بخطط التنمية.

ولكن اللافت أن بعض السكان وناشطين من المنطقة أبدوا لـ”العرب”، امتعاضهم من الخطوة في هذا التوقيت، إذ أكدوا أنها مجرد ذر رماد في العيون استباقا للانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة نهاية العام.

وقال مصطفى عبدالكبير الناشط الحقوقي وهو من سكان بنقردان لـ”العرب”، إن “الدولة ليست جادة في التعامل مع المشاريع التنموية والدليل أن الرئيس الباجي قائد السبسي زارنا في 2016 ودشن قرابة 16 مشروعا ولكنها لم تر النور إلى اليوم”.

وأضاف عبدالكبير الذي يرأس المرصد التونسي لحقوق الإنسان أن “الحكومات المتعاقبة ربطت مصيرنا لعقود طويلة بليبيا من خلال مشاريع تنموية وهمية”، مشيرا إلى أن مشروع المنطقة اللوجستية كان مطروحا منذ 2008 خلال حكم بن علي.

وتستهدف تونس من المناطق الحرة تحقيق عوائد سنوية تتجاوز نصف مليار دولار على أن تتضاعف مع دخول مشروع بنقردان النشاط.

11