اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي تهدد الأمن الغذائي التونسي

تصاعدت انتقادات الأوساط الاقتصادية التونسية حول تجاهل الحكومة للتحذيرات المتعلقة بتداعيات إبرام اتفاقية للتبادل التجاري الحر الشامل والمعمّق مع الاتحاد الأوروبي، في ظل تفاقم مخاوف من تداعيات خطيرة على الاقتصاد التونسي وخاصة القطاع الزراعي.
تونس – طفا على السطح في تونس الجدل مرة أخرى حول المنافع الاقتصادية، التي يمكن أن تجنيها الدولة من إبرام اتفاقية التبادل التجاري الحرّ الشامل والمعمّق (أليكا) مع الاتحاد الأوروبي.
وصعّد خبراء من لهجتهم التحذيرية بشأن الانعكاسات السلبية المدمرة للاتفاقية، التي تطمح تونس لإبرامها مع بروكسل العام المقبل، على الاقتصاد التونسي، رغم اقتناع الحكومة بأنها خطوة ضرورية لتعزيز النمو من خلال الاندماج أكثر في السوق الأوروبية.
ومشروع الاتفاقية، الذي حصلت “العرب” على نسخة منه، هو امتداد لاتفاقية التبادل الحر والشراكة، المبرم بين الطرفين في 1995.
ويبدو أن أهم تحد يواجه تونس في حال وقعت أليكا يتمثل في عدم قدرة اقتصادها وخاصة القطاعات الاستراتيجية على تعزيز موقعها كشريك حقيقي مع أوروبا، التي لا ترى مصالح اقتصادية مباشرة في تونس، لكنها تبحث عن دعم المنطقة للتأثير الاقتصادي.
وتشمل الاتفاقية تحرير قطاعي الزراعة والخدمات، اللذين كانا خارج إطار التبادل الحر، وهذا الوضع سيتيح للشركات الأوروبية منافسة المنتجين المحليين في مجالات استراتيجية مثل الغذاء والصحة والبنوك والطاقة وغيرها.
وهناك قلق متزايد لدى الأوساط الاقتصادية من انحسار دور مجالات الحبوب والألبان واللحوم باعتبارها ستكون أكثر تأثرا بالانفتاح الكامل بين الطرفين.
وتأتي المفاوضات حول قطاع الزراعة تحديدا في سياق توصيات قديمة للمؤسسات المالية الدولية، وخاصة البنك الدولي، الذي دعا في عام 2006 إلى التخلي عن الزراعات غير الرابحة مثل القمح وتربية الماشية.
وأشار خبراء المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دراسة حديثة إلى أن “فقدان المزارعين لموارد رزقهم في مواجهة منافسة أوروبية شرسة ستكون له تداعيات وخيمة”.
وأوضحوا أن الأراضي الزراعية الكبرى في تونس تضاهي الأراضي الصغيرة في أوروبا، مما سينعكس على كل العاملين في القطاع بشكل مباشر وغير مباشر.
وقالوا في تقرير نشر قبل أيام إن صغار المزارعين سيسحقون تماما وسينتهي الأمر بهم لأن يكونوا عمالا في أراضيهم لأن المنافسة لن تكون متكافئة على مستوى مهارات اليد العاملة، فضلا عن فوارق استخدام التكنولوجية وندرة المياه والعوامل المناخية.
وإلى جانب ذلك، فإن المنتجات الأوروبية المدعمة بشكل كبير ستكون في موقع أكثر تنافسية، وبالتالي سيضطر صغار المزارعين التونسيين، غير القادرين على مواجهة المنافسة، إلى بيع أراضيهم.
ويمكن أن يتسبب اتفاق أليكا، وفق خبراء المنتدى، إلى فقدان السيادة الغذائية لأن إنتاج الحبوب يمكن أن يتلاشى، مما يجعل البلاد في تبعية للأسواق الدولية كما أن هناك احتمالات بأن تشهد الأسعار ارتفاعا كبيرا، قد يثقل كاهل ميزانية الدولة.
وتواجه تونس تحديات كبيرة ومن الضروري، أن تتحرك الحكومة سريعا باقتراح عرض مضاد لأوروبا يلائم الأوضاع، التي تمر بها البلاد.
وأكد الخبير الاقتصادي، سامي العوادي، في ندوة حول “التنمية من خلال التبادل الحر” نظمتها مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية بتونس العام الماضي، أن “هناك تباينا صارخا، فالعملاق الأوروبي يتفاوض مع قزم اقتصادي”، في إشارة إلى تونس.
ولمواجهة هذه المشكلة، يرى اقتصاديون أنه في حال دخول الاتفاق حيز النفاذ بعد سنوات، فإن اعتماد استراتيجية حقيقية لتطوير القطاع تأخذ في الاعتبار المنافسة الجديدة وكيفية التأقلم مع التغيرات المناخية، يبدو أمرا حتميا.
وأظهرت الحكومة في الفترة الأخيرة إصرارا في المضي قدما في إبرام الاتفاقية متجاهلة كافة الانعكاسات السلبية، التي قد تنجر عنها على الاقتصاد التونسي الهش.
وكان رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قد أكد خلال زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى بروكسل في أبريل الماضي، على أن الطرفين لديهما رغبة في إبرام الاتفاق العام المقبل.
وقال الشاهد حينها “لسنا بمستوى التطور نفسه لكن لا يعني عدم التعاون”، لافتا إلى أن الجانبين سيضعان في نهاية مايو 2019 مبادئ يجب أن يقوم عليها هذا الاتفاق.
وحاولت تونس في 2014 إطلاق مفاوضات في هذا الشأن، لكنها تراجعت في أعقاب ضغوط داخلية، لكن في أكتوبر 2015 بدأت الحكومة، التي كان يرأسها الحبيب الصيد آنذاك، أولى خطوات التفاوض رغم تحفظات بعض خبراء الاقتصاد التونسيين الذين يتخوفون من تحرير السوق التونسية قسرا.
وهناك ضغوط أوروبية على تونس لتوقيع الاتفاق، حيث كشفت عضو البرلمان الأوروبي ماري فيرجيات، أثناء زيارتها لتونس في فبراير الماضي أن “الاتحاد الأوروبي يستخدم ورقة القوائم السوداء للضغط على تونس″.
وشرحت دوافع الخطوة حينما قالت إن “السبب وراء التصنيفات الدولية السلبية لتونس هو الضغط على السلطات لتسريع المفاوضات المتعلقة باتفاقية أليكا”.