نهاية عاصفة للجفاف الطويل تخفف أزمات الزراعة التونسية

أعلنت تونس انتهاء واحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخ البلاد بعدما أنهكت القطاع الزراعي وهددت إمدادات المياه للملايين من السكان طيلة ثلاث سنوات، وهو ما يعطي الحكومة شحنة جديدة لتنفيذ خططها للابتعاد تدريجيا عن خط الفقر المائي، في ظل رهانها على التكنولوجيا لزيادة إنتاج المحاصيل.
تونس - اعتبر مسؤولون تونسيون أن كميات الأمطار المتساقطة في الفترة الأخيرة حققت مخزونا استراتيجيا سيساعد البلاد على الابتعاد مؤقتا عن خط الفقر المائي وستدعم قطاع الزراعة، رغم الأضرار الكبيرة، التي خلفتها.
وأكد وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، سمير بالطيب، في تصريحات للصحافيين أن الأمطار الغزيرة، التي هطلت على البلاد هذا العام، أنهت حالة الجفاف التي استمرت على مدار السنوات الثلاث الأخيرة.
وواجهت تونس نقصا حادا في مخزون المياه، غير أن موجة الأمطار في الشهرين الماضيين، والكميات، التي هطلت منذ الأربعاء الماضي، ساهمت على ما يبدو في رفع مياه السدود.
وبلغ المخزون المائي، بحسب البيانات الرسمية، قرابة 1.35 مليار متر مكعب، في حين أن طاقة السدود القصوى تناهز 4 مليارات متر مكعب.
وتسببت كميات الأمطار غير المسبوقة هذا الأسبوع في فيضانات بعدة ولايات، في مقدمتها العاصمة تونس والقصرين وقفصة وسيدي بوزيد والكاف، وهي تأتي بعد أسابيع قليلة من فيضانات ولاية نابل.
وقال بالطيب على هامش مشاركته في فعاليات الملتقى الدولي حول “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: لنبدأ بالتنفيذ” المنعقد بالعاصمة على مدار يومين، إنه “بهذه الكميات الكبيرة من الأمطار أغلقنا قوس أعوام الجفاف الثلاثة، وانطلقنا في دورة جديدة لتخزين المياه بما ييسّر المواسم الزراعية، ويضمن التزود المنتظم بالماء الصالح للشرب”.
1.35 مليار متر مكعب مخزون السدود إثر موجة الأمطار الأخيرة بعدما كانت عند 771 مليون متر مكعب
وأضاف “إن بعض السدود قد امتلأت جراء الأمطار الأخيرة على غرار سد ملاق، فيما مازال البعض الآخر ناقصا على غرار سد سيدي سالم”.
وتقدر حصة الفرد من الماء سنويا بحوالي 460 مترا مكعبا، وهي أقل من نصف الكمية التي حددتها الأمم المتحدة لقياس الفقر المائي والمقدرة في حدود ألف متر مكعب.
ووفق الوزارة، لم يتجاوز معدل مخزون المياه في السدود المنتشرة بالبلاد في السنوات الثلاث الماضية حاجز 771 مليون متر مكعب.
وحذرت أوساط اقتصادية مرارا من أن ندرة المياه ستصبح مشكلة استراتيجية للدولة في حال لم تتمكن السلطات من إيجاد حلول جذرية وعاجلة على المدى القريب لتطوير إمكانيات البلاد في تخزين المياه للابتعاد تدريجيا عن خط الفقر المائي.
وكشف شحّ المياه الكبير خلال السنوات الماضية عن واقع صعب يمر به المزارعون خاصة مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، وهو ما فاقم من أزمات تونس الاقتصادية بشكل عام.
وتسهم الزراعة بحوالي 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 11 بالمئة من الصادرات، ويعمل فيه قرابة 16 بالمئة من إجمالي الأيدي العاملة، في كافة القطاعات الاقتصادية.
وتشكل الاستثمارات الزراعية نحو 10 بالمئة من مجموع الاستثمارات في الاقتصاد المحلي، ويستحوذ القطاع الخاص على قرابة 75 بالمئة من الاستثمارات في القطاع، الذي كان إلى وقت قريب يعد من القطاعات المحركة للنمو.
وإلى جانب تراجع كميات المياه المخزنة، شهدت شبكات المياه تقادما أثر بشكل واضح على عمليات التزويد، حيث تضطر الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه الحكومية (الصوناد) أحيانا لقطع الماء بذريعة التطوير أو الصيانة.
وأخذت الحكومات المتعاقبة على عاتقها منذ سنوات تنمية وتطوير الموارد المائية وتقديم خدمات المياه للسكان، وهو ما زاد من الأعباء على الميزانيات، وبالنتيجة أدّى ذلك إلى تراجع مستوى الزراعة عن باقي القطاعات.
وفي ظل استمرار المشكلة، أظهرت الحكومة الحالية، عزيمة لتنفيذ برنامج طموح يتعلق ببناء محطات لتحلية مياه البحر في المدن الساحلية، بهدف تغطية الطلب المحلي، الذي صار مشكلة استراتيجية للدولة في ظل الجفاف، الذي ضرب شمال أفريقيا في السنوات الأخيرة.
وعززت تونس من خطواتها باتجاه تطوير القطاع الزراعي من أجل زيادة إنتاج المحاصيل وذلك باللجوء للمرة الأولى إلى الاعتماد على الطائرات المسيرة لإدارة المشاريع الزراعية بهدف التأقلم مع موجة الجفاف.
ووقعت وزارة الفلاحة في يوليو الماضي، اتفاقية مع البنك الأفريقي للتنمية والمركز التكنولوجي لبوسان الكورية الجنوبية، بشأن المشروع، الذي انطلقت مرحلته الأولى في الشهر الموالي في سيدي بوزيد.
ويقول خبراء إن العمل بهذه التقنية ستكون له فوائد على مردودية الإنتاج الزراعي في المستقبل، كما أنها تساعد على ربح الوقت في معرفة مكامن الخلل في الحقول.
وتهدف تونس من وراء استخدام “الدرون” إلى قيادة ومراقبة المناطق الزراعية وترشيد استعمال الموارد المائية ورصد آثار التغيرات المناخية وحالة الأراضي ومراقبة التنوع البيولوجي ومستويات المياه في السدود.
وانطلقت الحكومة قبل أشهر في تنفيذ خطة المياه في تونس 2030، في إطار خطة استباقية تجعلها في مأمن من الجفاف.
وتعكف الإدارة العامة للسدود على إنجاز مشاريع منها سدي الدويمس وسراط وإنشاء 5 سدود جبلية ورفع طاقة خزن سد بوهرتمة.