يوتيوب نافذة صحافية حرة للكتاب العرب لا رقيب عليها

باتت قنوات يوتيوب المنصة المفضلة للكثير من الكتاب العرب الذين يبحثون عن نافذة إعلامية للتعبير عن الرأي بحرية تضيّق عليها وسائل الإعلام التقليدية، إضافة إلى قدرة قنوات يوتيوب على الوصول إلى شرائح كبيرة من المتابعين وتحقيق مشاهدات مرتفعة تحقق عائدات مالية.
لندن - أصبحت قنوات يوتيوب وجهة الكتاب والصحافيين العرب الباحثين عن منصة مستقلة تصل إلى قاعدة جماهيرية كبيرة دون وسيط أو رقابة، وبعيدة عن توجهات وسائل الإعلام التقليدية المحسوبة على تيارات سياسية معينة، ويرفض بعضهم الظهور أو النشر على منصاتها.
واستطاع صحافيون من خلال يوتيوب كسر الحجب الذي تفرضه العديد من الدول على منابر تقليدية وأنشأوا قنواتهم الخاصة التي تتيح لهم إنتاج صحافة عالية الجودة لا يمكن إنتاجها على القنوات العادية، فالمحتوى الجيد على يوتيوب يفرض نفسه وهو المعيار الوحيد لمتابعة الجمهور الذي بدوره يهتم بالإعلام المستقل وسط المنظومات الإعلامية الموجهة لأجندات محددة.
ويؤكد الكاتب الصحافي عبدالباري عطوان رئيس تحرير “رأي اليوم”، أن “القارئ العربي ذكي ومثقف جدا ولديه وعي وإدراك ويستطيع أن يعرف توجه المنصة الإعلامية وأجندتها السياسية وتبعيتها من خلال ما تقدمه، ومن الصعب خداعه”.
وتتمتع قناة يوتيوب بعدة بمزايا عديدة بالنسبة إلى الصحافي إضافة إلى الانتشار الواسع، حيث تصل المشاهدات لقناة عبدالباري عطوان التي يرصد من خلالها آخر التطورات العربية والدولية على الصعيد السياسي، أحيانا إلى 2 مليون مشاهدة حسب مدة الفيديو والموضوع المطروح فيه.
ويقول عطوان في تصريحات لـ”العرب”، إن “الميزة الأساسية لهذه القنوات أنها لا تكذب، فأرقام المشاهدات مثبتة، بعكس القنوات الفضائية، وتصل إلى الجمهور مباشرة دون وسيط أو رقيب يحذف ما لا يتناسب مع خطه السياسي ومن الأسباب التي دفعتني إلى اختيار يوتيوب أن بعض القنوات الفضائية تفرض حظرا على آرائي، وتوجد قنوات عربية أخرى لا أحبذ الظهور فيها ولا أريد الخضوع لأجندتها السياسية، وعلى قناتي لدي حرية اختيار الموضوع وحرية الكلام والمساحة الملائمة”.
ونوه بوجود إمبراطوريات إعلامية سعودية وإماراتية وقطرية ترصد لها ملايين الدولارات لتهيمن على الساحة.
ولا تتضمن أرقام مشاهدات قنوات يوتيوب، ما يتداوله المستخدمون من الفيديوهات أو مقاطع منها على صفحاتهم الشخصية، وأيضا وسائل الإعلام العربية التي تنشر مقتطفات من أعمال الفيديو على القنوات التلفزيونية أو حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي ما يعني انتشارا أوسع بكثير بالنسبة إلى الكاتب.
ويعتبر الكثير من الكتاب أن الأهم بالنسبة إليهم أن تتحقق الغاية الأساسية بالوصول إلى الجمهور العربي في أي مكان، بغض النظر عن أن العائدات المالية التي تضيع بسبب مشاركة الفيديو عبر الصفحات الشخصية للمستخدمين.
ومن أبرز أسباب لجوء الصحافيين إلى يوتيوب، أن القواعد الأساسية التي تنطبق على الصحافيين على يوتيوب واحدة لجميع المبدعين ومنشئي المحتوى المرئي في كل مكان من العالم. كما يتيح للصحافيين فرصة لتحقيق دخل مادي جيد من مقاطع الفيديو التي تحظى بشعبية ومشاهدات.
ويرى البعض أنه لا يوجد تنافس بين المقالة المكتوبة ومقالة الفيديو بل هو تطور مع روح العصر، إذ أن لكلا النوعين أهميته بالنسبة إلى القراء حيث ما زالت شريحة من القراء تفضل المقالات المكتوبة وآخرون يشاهدون النوعين في نفس الوقت.
ويقول عبدالرزاق الربيعي الشاعر والصحافي العُماني من أصول عراقية “كلنا نعيش اليوم مرحلة من مراحل التحول، الذي عجّلت به الجائحة، خصوصا وأنّ العالم يتحوّل اليوم إلى المرئي والسمعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وضمن هذه المرحلة الانتقاليّة، لجأت إلى المرئي من باب مواكبة تطورات العصر، علما بأني ما زلت أشتغل على الجانبين، فلا يمكن الاستغناء عن الكتابة لكوني كاتبا بالأساس، وأتعامل مع النص المكتوب”.
ويقدم الربيعي برنامج “كتاب مفتوح” الذي يعدّه مع الشاعر وسام العاني برعاية مركز حدائق الفكر للثقافة والخدمات في سلطنة عُمان، ويحقق متابعة جيدة، ويرى أنه “للإعلام الجديد مساحة أكبر من مساحة الإعلام التقليدي، ولا بد للكاتب أن يواكب معطيات العصر، وتطويعها لخدمة أفكاره، خصوصا أن هذا الإعلام يضمن سرعة الانتشار، وجمهوره أوسع، ويشمل حتى الذين يعانون من إعاقات بصريّة، ومن يعاني من مشاكل مع القراءة، وهناك ضمان لوصول رسالة الكاتب إلى أوسع شريحة ممكنة، وكذلك ضمان التفاعل، فرسالة المشتغلين بالإعلام التقليدي تسير باتّجاه واحد، كذلك تساهم لغة الجسد في تقريب الأفكار، وسهولة إيصالها، وطرحها، وضمان اختصار الوقت الذي نمضيه في الكتابة بالإعلام التقليدي”.
ويحرص خبراء إعلام على التمييز بين مقالة الفيديو التي تبث عبر فيديو، تعبر عن رأي الكاتب أو الصحافي في موضوع محدد، وبين ما يبث عبر بودكاست ويعتمد على قراءة مقالة معدة كتابيا في الأصل وتتحول إلى تسجيل صوتي.
ويشيرون إلى أن مقالات الفيديو المعروضة على يوتيوب لديها سمات مختلفة عما يعرض على فيسبوك وتويتر. فكل منصة لديها خصوصية مختلفة عن الأخرى، وبشكل عام لا يميل متابعو مواقع التواصل الاجتماعي وأغلبهم من الشباب، إلى مقاطع الفيديو الطويلة، وفي هذا الجانب تمنح قناة يوتيوب مساحة أكبر من فيسبوك وتويتر حيث مقاطع الفيديو المتداولة عليهما أقصر من يوتيوب.
ويرى متابعون أن مقالات الفيديو التي تلقى متابعة متزايدة، تؤكد إقبال الجمهور على الإعلام المستقل الذي رغم مواجهته الصعوبات بعدم وجود مصدر تمويل قوي إلا أن استمراريته رهن بثقة الجمهور وولائه.
وفي هذا الإطار يبدي عطوان تفاؤلا بالصحافة المستقلة في العالم العربي، فبالنسبة إليه لا تعتبر كثرة القنوات والمنصات التابعة للجهات السياسية أمرا سلبيا، فالمشاهد العربي يستطيع التمييز ويقدر الإعلام المستقل وهو السبب الرئيسي لاستمرارية “رأي اليوم” منذ سبع سنوات.
وأوضح “كتبت في صحف غربية عديدة، وتعاملت مع وسائل إعلام دولية مثل “بي.بي.سي” و”سي.أن.أن” و”فرانس برس” وحتى قنوات في آسيا، ولمست حجم الوعي والثقافة لدى القارئ العربي الذي يبحث عن منصة مستقلة تعبر عنه وليس عن أجندات تفرض عليه”.
ويقول “نحن نعتمد على القراء الأوفياء، 80 في المئة من قرائنا دائمون. خاصة الجيل الجديد اليوم مثقف جدا ولديه اطلاع واسع على التقنيات والتكنولوجيا، و80 في المئة من قرائنا يتابعونا على الهاتف الذكي”.
وأشار إلى أن “المحتوى المتميز يفرض وجوده ونجاحه، وبسبب نسبة المتابعة العالية للصحيفة على الإنترنت، استطعنا الاعتماد على إيرادات الإعلانات للحفاظ على وجودنا والاستمرار فالإعلان الرقمي تتحدد قيمته حسب عدد الزوار”.
ورغم الأزمة التي شهدها الإعلام بسبب فايروس كورونا، إلا أن الحجر الصحي الذي فرضه الفايروس زاد من نسبة المتابعة وعدد الزيارات لوسائل الإعلام على شبكة الإنترنت وبالتالي ارتفاع إيرادات الإعلانات.
وعن مقالة الفيديو التي جذبت اهتمام الكتاب العرب بدلا من الكتابة، يقول عطوان إن انشغالاته الكثيرة لا تسمح له بتسجيل مقالاته صوتيا ونشرها عبر بودكاست، خصوصا مع إطلالته الأسبوعية على يوتيوب لتناول تطورات المشهد السياسي العربي، وفي حال وجود حدث استثنائي مثل اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل مؤخرا فإنه يكسر القاعدة.