يسرى المزوغي فنانة تونسية تجعل من البوهيمية دستور حياة

التشكيلية التونسية يسرى المزوغي انتصرت في باكورة أعمالها الفنية "سفر داخلي" للمرأة، فارتحلت فيها وإليها لترسمها في انكسارها وانتصارها.
الجمعة 2019/02/15
أناس نحبهم سرا ونلعنهم جهرا

“هؤلاء الناس” هو المعرض الشخصي الثاني لـ التشكيلية التونسية يسرى المزوغي الذي احتضنه مؤخرا “رواق التياترو” بالعاصمة تونس، والذي سبقه في العام 2017 معرض “سفر داخلي” بالنادي الثقافي الطاهر الحداد. وبين “سفر داخلي” و”هؤلاء الناس” تعمّقت تجربة المزوغي التشكيلية لتُفرز سفرا جماليا في أولئك الناس الذين هم منا رغم اختلافهم عنا.

تونس - للفنانة التشكيلية التونسية الشابة يسرى المزوغي قبل معرضها الشخصي الأخير “هؤلاء الناس”، معرض شخصي أول حمل عنوان “سفر داخلي” أقامته في فبراير 2017 بالفضاء الثقافي الطاهر الحداد بالعاصمة تونس، وبالاستناد إلى العنوانين تتكشّف رؤى المزوغي الجمالية.

في “سفر داخلي” قدّمت المزوغي باكورة أعمالها الفنية، منتصرة للمرأة، وهي الأنثى، فارتحلت فيها وإليها لترسمها في انكسارها وانتصارها، في ألمها وأملها، في حبها وكرهها، في شغفها ولامبالاتها، فأبرزت انفعالات الأنثى الكامنة وراء اللامُعلن فيها وعنها، وإن بابتسامة استهتار أو احتقار لكائن من كان أو لأي زمن يمكن أن يكون.

يسرى المزوغي: معرض "هؤلاء الناس" بمثابة السفر في اتجاه الآخر والحديث عنه وإليه
يسرى المزوغي: معرض "هؤلاء الناس" بمثابة السفر في اتجاه الآخر والحديث عنه وإليه

وفي “هؤلاء الناس” تتخلىّ المزوغي عن رسم المرأة، إلاّ لماما، لتُسافر إلى الناس جميعا، وليسوا جميعا حقا، وهي التي آثرت رسم ما يُصطلح على تسميتهم بالبوهيميين من البشر العالقين بين التحقّق والازدراء.

بين “السفر الداخلي” و”هؤلاء الناس” تحضر يسرى المزوغي بألوانها وتخصّصها العلمي الأكاديمي، وهي الدارسة بالمعهد العالي لعلوم وتكنولوجيا التصميم، اختصاص تصميم صناعي، لتُفرد شخوصها ألوانا وحركات وانفعالات الغجر الأوّلين غير المُبالين بكل ما هو صناعي وما بعده، والمُحتفين فقط بالفن والحب والحياة والجمال وإن كانوا في أرذل العمر أو عنفوانه على السواء.

“هؤلاء الناس” تحقّقت لهم الحياة رغم الازدراء المُرافق لبوهيميتهم التي يشتهيها الناس، عامة الناس، سرا ويلعنونها جهرا، كحال كل العاديين من البشر الذين ارتهنوا للعُرف والتقاليد والتقيّد بهما حدّ المرض.

مُحجبات وسافرات، اجتمعن في صف واحد مع رجال وأطفال ينتظرون الفراغ، اجتماع عائلي على طاولة الغداء أو العشاء، فالزمن غير مهم، طالما الفراغ والضياع هما سيّدا الوقت، صورة عائلية جماعية تنظر قبالة المُشاهد وكأنهم يدعونه للانضمام إليهم للمزيد من إضاعة الوقت. عازف ساكسوفون وآخر على العود وثالث على الكونترباص ينظرون وينتظرون من القائد الأصليّ للجوق، والذي هو في النهاية “أنا أو أنت”، أي ذاك الناظر المُراقب لصمتهم المُتحفّز لإيذانه لهم بالبدء في العزف كي يستلذّ أكثر بضياع الوقت بموسيقى حالمة وحاملة لآلامها وآمالها في الوقت ذاته.

والمُشترك في كل “هؤلاء الناس” هو شكل الرأس الساقط، عفوا، على الصدر، وكأن حامله ضاق به ذرعا وذُعرا ممّا فيه، وبما حمّلوه إيّاه من طقس اتفق الجماعة على أنه الأصدق، وأقرّ هو بأنه الأكذب، ليُعلن ذاته المتمرّدة على النواميس والأعراف، فيكون هو الهامشيّ والبوهيميّ الذي اختار، طوعا، أن يمضي خارج القطيع.

"هؤلاء الناس" تحقّقت لهم الحياة رغم الازدراء المُرافق لبوهيميتهم
"هؤلاء الناس" تحقّقت لهم الحياة رغم الازدراء المُرافق لبوهيميتهم 

يسرى المزوغي وضعت بـ”هؤلاء الناس”  دون أن تدري، والأحرى أنها تدري “أولائك الناس” الذين يُحدّدون مصائرنا بالقوانين والدساتير والأعراف أمام مأزق ضرورة الاعتراف بالاختلاف، حق الاختلاف في أن يكون المرء هو ولا أحد سواه، وهي التي قالت لـ”العرب” مقدمة معرضها “هؤلاء الناس’، على خلاف معرضي الأول ‘سفر داخلي’، هو ارتحال في اتجاه الآخر والحديث عنه وإليه، هو مصالحة مع التونسي الذي نريده جميعا”.

الجميل في معرض “هؤلاء الناس” أن التشكيلية التونسية التي تعمل في المجال السينمائي كمصممة أزياء، لم تنس أنها كذلك، فالبهرج اللوني طاغ على جميع لوحاتها دون استثناء، والاحتفاء بالحياة باد في رسوماتها حتى تلك الكئيبة منها، والانتصار للحب والجمال ناصع البروز في لوحة “العشيقين” أو “لاعب البيانو” (ذكرا لا حصرا). وكأن يسرى المزوغي تُلبس شخوصها إكسسوارات سينمائية باذخة الأحلام، لتُنتج نجوم شاشة جددا يطلون على المُشاهد عبر لوحات فنية تستمد من التشكيل جماله ومن الفن السابع خياله.

17