وزارة الثقافة السعودية بين مركزية الذات وتهميش المراكز

مثقفون وأدباء سعوديون يؤكدون أن الفعل الثقافي مسؤولية الجميع دون عزل أو إقصاء.
الاثنين 2020/01/20
الثقافة تحتاج إلى كسر الجدران

دفعت فعاليات وزارة الثقافة المتنوعة في جميع مناطق السعودية المتابعين للشأن الثقافي السعودي إلى التساؤل حول ما الذي يجري في الوزارة، وهل تحاول الإمساك بكل خيوط ومسارات العمل الثقافي في الداخل السعودي، وكأنها تعلن بذلك عن المركزية في أنصع تجلياتها، ساحبة البساط من الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية. “العرب” في هذا الاستطلاع ترصد رأي نخبة من المثقفين حول استراتيجية الوزارة الحالية بين تمركز القرار واستقلال إدارات الأندية والجمعيات في فروعها الستة عشر المنتشرة في البلاد.

تنظم وزارة الثقافة السعودية في الرياض وجدة والدمام مجموعة أمسيات أدبية تتناول مجالات الرواية التاريخية والوجدانية والنقد الأدبي بمشاركة أسماء أدبية وثقافية ذات خبرات في تخصصها، حيث تنظم الوزارة خلال يناير الجاري أربع أمسيات ثقافية، كانت الأولى في الدمام بعنوان “أدب الرواية التاريخية”، قدمها الكاتبان سلطان الموسى وأشرف فقيه، والثانية والثالثة ستكون في الرياض، الأولى تحت عنوان “رواد ونقاد” تقدمها مجموعة من الكتاب وهم: عبده خال ومحمد جبر الحربي وحسين علي حسين ومحمد العباس ورانيا العرضاوي، والمحاضرة الثانية تحمل عنوان “أطباء أدباء” ويقدمها متعب العنزي ومنذر قباني وطارق الجارد، أما أمسية جدة فكانت تحت عنوان “الرواية الوجدانية”، ويقدمها انتصار العقيلي وجمانة السيهاتي وعادل الدوسري.

 وكانت وزارة الثقافية -قبل هذه الفعالية- قد أعلنت عن تنظيم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الذي سينطلق هذا العام، كما أنها تشرف على الفرقتين الوطنيتين الموسيقية والمسرحية، بالإضافة إلى تنظيمها ورشات للكتابة الإبداعية في مختلف مناطق المملكة.

مدن العزلة الثقافية

علي فايع: دور غائب
علي فايع: دور غائب

يقول الناقد الدكتور مبارك الخالدي “المنطقي هو اكتفاء الوزارة بتنظيم الفعاليات الكبيرة كمهرجانات السينما والمسرح الوطني والجنادرية ومعرض الكتاب، وأيّ فعاليات خارج نطاق إمكانات الجمعيات والأندية. لكن يبدو أنها تسعى إلى ترسيخ المركزية والإمساك بخيوط ومسارات العمل الثقافي؛ أو كأنها بتنظيم فعاليات تستطيع الجمعيات والأندية تنظيمها (ورشات الكتابة وأمسيات أدبية ثقافية)، تريد القول لها إنها لا تعمل كما يجب”.

ويضيف “أتمنى أن تدع الوزارة ما للفروع للفروع، وتكتفي بالدعم والتوجيه لتطويره. أما إذا كان لا بد من التنظيم والتوزيع، فليكن ما توزعه على المدن جديدا، متجاوزا ومتفوقا على ما قدمته وتقدمه الفروع، لا أن يكون عاديا ومكررا مع احترامي للمشاركين في تلك الأمسيات”.

ويتابع في الشأن نفسه “إن كان لا بد من التوزيع فليكن على المدن الواقعة خارج التغطية الثقافية منذ حقبة رعاية الشباب حتى الآن، كما هو حال مدن المنطقة الشرقية عدا الدمام والهفوف. وأقترح ألّا يأتي التوزيع اختيارا وفرضا من المركز على الأطراف، ولكن عبر التحاور والتشاور مع المثقفين والفنانين في مدن العزلة الثقافية عبر تشكيل لجان ثقافية استشارية فيها إلى حين وصول التغطية الثقافية إليها”.

ويعلّق الكاتب والمحرر الثقافي علي فايع أنه ربما تمر هذه المناسبات دون أن يعلم بها أحد كما مرت العديد من الفعاليات السابقة كالمعتكف والترجمة.

ويقول “المركزية قاتلة لأنها تعمل على تنفيذ فكرة واحدة مركزية بعيدا عن أفكار أدباء آخرين لهم حق في هذا الشأن الثقافي. ما زلت أسأل عن دور وزارة الثقافة في ما يخص العمل الثقافي داخل المملكة، وأظن من خلال متابعتي أن هذا الدور ما زال غائبا. إن لم تنطلق وزارة الثقافة مما هو موجود ولكن برؤية مختلفة تدفع بالموجود ليتميز ويختلف وإلا فلا قيمة تذكر لمثل هذه الفعاليات التي ربما لا يعلم بها إلا المقررون لها والضيوف الذين تمت دعوتهم لمثل هذه الفعاليات”.

رائدة السبع:  الحلقة التقليدية
رائدة السبع: الحلقة التقليدية

ويؤكد فايع أنه على وزارة الثقافة ألا تعزل الأندية الأدبية ولا جمعيات الثقافة عن العمل الثقافي ويكون ذلك -بحسب رأيه- عبر إصلاح الخلل الذي حلّ بالأندية الأدبية منذ الانتخابات وإلى اليوم، إضافة إلى أهمية دعم جمعيات الثقافة وهيكلتها وفق رؤية الوزارة وتطلعاتها ومبادراتها لتكون الذراع التنفيذية لأعمال الوزارة وأفكارها.

يقول فايع “لدي قناعة من خلال المتابعة وممارسة العمل الثقافي تؤكد على أن عزل الأدباء والمثقفين عن أنشطة الوزارة وفعالياتها سيجعلها تغرد وحيدة دون فائدة تذكر ولا خدمة فعلية للعمل الثقافي داخل السعودية. كما أن الثقافة ليست حصرا على جدة والرياض والدمام، ويبدو أن لدى المخططين لمثل هذه الفعاليات رؤية تختلف عن رؤيتنا الشمولية للثقافة وكم أخشى أن تصبح الثقافة كالتنمية تمطر في مكان وتجدب في آخر! ويمكننا بعد سنوات أن نتحدث عن تكدس المثقفين والأدباء في المدن الرئيسة من أجل التركيز على المدن الكبرى وتجاهل الأطراف”.

وتتساءل الروائية والشاعرة مها الجهني عن تمييع الجمعيات والأندية الذي تراه أمرا واضحا وجليا، وتقول “إن وزارة الثقافة تقوم بالدور المنوط بالأندية والجمعيات، وبالتالي سيكون ربما تحويل الأندية والجمعيات إلى إدارات تابعة لوزارة الثقافة أو ربما إلغاؤها”.

وتضيف “كل شيء ممكن في هذه المرحلة وربما هي محاولة لتحريك الأندية الأدبية والجمعيات للتحرك بشكل فاعل لتحافظ على مكانتها، أو تنسحب نهائيا. الوقت كفيل بكشف التغييرات الممكن حدوثها. وهذا الموقف سيحرك لا محالة وجه النهر والاستمرارية فيه عبر دراسة جادة ورؤية واضحة قد تحرك القاع أيضا، وتثير التغيير وتكشف المخزون الثقافي والإبداعي لإنسان هذا الوطن”.

المسؤولية والاستقلال

مستقبل واعد
مستقبل واعد

يؤكد الناقد الدكتور حسن مشهور على أن وزارة الثقافة عبر مجمل هذه الأنشطة الثقافية المزمع إنفاذها من قبلها؛ تسعى بشكل قصدي لتضع لها بصمة في المشهد الثقافي السعودي ربما هو نتاج دافع لاشعوري لجهازها القيادي والإداري الجديد كي يعلن بصوت جهوري عن وجوديته الراهنة.

ويضيف مشهور “قد يكون باعثها تَمثُلُ ردة فعل ميكانيزمية لحالة الترهل الراهنة التي تحياها بعض الأندية والجمعيات. حيث تتمثل حالة الترهل هذه في التكرارية وإعادة التدوير لذات المناشط والاعتيادية في الفعاليات الممارسة من قبلها وافتقارها لملكة الابتكار والتجديد، وإن كان مرد ذلك وأسبابه في تقديري تتحمله الوزارة ذاتها؛ جراء إبقاء على ذات الأعضاء في مجالس إدارات النوادي الأدبية لامتدادية زمنية تقارب الثمانية أعوام. ناهيك عن تقليص أعداد أعضاء مجالس بعض الأندية الأدبية إلى ثلاثة أفراد كما هو حاصل في بعض أندية المناطق الطرفية. بدعاوى عائمة كإعداد لائحة انتخاب جديدة للأندية الأدبية وغيرها من المبررات المتسمة بالضبابية والإبهام التي تتسرب بين فينة وأخرى من أروقة الوزارة”.

حسن مشهور: حالة ترهل
حسن مشهور: حالة ترهل

ويتابع “المفارقة الباعثة على السخرية، أنها حتى هذه الأنشطة التي أعلنت عنها وزارة الثقافة لا تعدو سوى أن تكون ذات المناشط التي تُفَعِّلها غالبية الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة على مدار العام وقد ملَّ منها المشهد الثقافي السعودي ممثلا بمكونه البنيوي البشري. هذا إلى جانب أن بعض الأسماء المعلن عن مشاركتها تندرج تحت مربعين، إما أنها لأسماء مغمورة ولم تترك بصمة على المشهد الأدبي السعودي وتحديدا ممن يقال عنها نقاد، وإما أسماء لأفراد قد خفت وهجهم الأدبي. كما أن غالبية العاملين في وزارة ثقافتنا الموقرة يفتقرون للخبرة، الأمر الذي يهدد بأن يكون التنفيذ متواضعا إلى حد كبير”.

يؤكد الكاتب محمد الحمزة أن الشأن الثقافي بصفة عامة غير محسوب على جهة محددة بذاتها، فهو نشاط إنساني غير مقيد وله فضاءات واسعة وممتدة.

 يقول “حجر الزاوية في هذا الشأن هو السؤال التالي: ما هو مشروعنا الثقافي في السعودية؟ بكل بساطة نحن نحتاج من الحكومة إلى أطر تنظيمية في المقام الأول، ثم نحتاج إلى مبادرات رسمية وغير رسمية لإبقاء الحراك الثقافي متوهجا ومتّقدا ليقدم الواقع الفعلي للثقافة السعودية، وليقوم بصنع حراك واهتمام شعبي، وليخبر العالم بما لدينا من مخزون ثقافي ومعرفي له جذور تاريخية، وله واقع زاخر، وحتما له مستقبل رائع”.

محمد الحمزة: هم مشترك
محمد الحمزة: هم مشترك

ويضيف “المسؤولية الثقافية هي همٌّ مشترك بين كل من المؤسسات الرسمية، وبين المؤسسات الثقافية المستقلة أو ما قد يطلق عليها مؤسسات المجتمع المدني الثقافية مثل الديوانيات والجمعيات الثقافية والأندية الأدبية، وبين مؤسسات القطاع الخاص الثقافية من دور النشر ومراكز البحوث والدراسات، وبين الجهود الفردية للمثقف السعودي عبر النشاطات الفردية الشخصية، فوزارة الثقافة عليها إصدار تشريعات الأنظمة العامة للفعاليات والأنشطة الثقافية، ومن ثم تبقى الساحة مفتوحة لجميع المثقفين لتقديم ما لديهم من مبادرات ومشاريع تخدم الشأن الثقافي في كل مجالاته المتعددة، وحتما ستكون المنافسة الشريفة وتقديم الأفضل والأجود هو المعيار الحقيقي لتقديم مشروع ثقافي متميز ومتجدد يبتعد عن الطرح التقليدي الذي سيطر على الساحة ردحا من الزمان”.

من جانبها تقول الكاتبة رائدة السبع “بنظرة سريعة على المشهد الثقافي قبل شروع وزارة الثقافة بتبني كامل المشهد تقريبا، أو كما يتضح جليا في الجهود المبذولة من قبلها حاليا في الإمساك بمسارات العمل الثقافي، والذي طالما كان يعتمد على مجهودات المنتديات والأندية الثقافية والأدبية مشكورة، والتي كانت نسخا مكررة لأدباء مكررين، وكأننا ندور في نفس الحلقة التقليدية التي كانت أشبه بتحالفات أقرب ما تكون بالشللية، وطالما كانت الوجه الأبرز للمشهد الثقافي السابق هذا التحدي الجديد الذي تتبناه الوزارة، والذي يواجه الطرف الآخر”.

وترى السبع أنه ليس من الحكمة أن تقع معاودة محاولة الارتقاء بالوعي معرفيا وفنيا عبر قانون العرض والطلب، لأن إخضاع الثقافة والفن والفكر لمنطق السوق سيتسبب حتما برداءة مخرجاته.

 وتقول “يمكنني الاطمئنان إلى أن الوزارة تمضي قدما نحو الارتقاء بوعي المثقف لا بمنطق السوق، وذلك لكي تجعل للإبداع الفكري والفني قيمة وترتقي به بدلا من الاستجابة لأهواء الناس، لأن الخطاب الثقافي يتبناه منتجو المعرفة والنص ويكتمل بحلقة التلقي والتفاعل ويكتمل بالتنوع والتعدد وتوليد الخطابات الثقافية الخلاقة، فلدينا شباب مبدعون وطاقات بشرية مبشرة إذا ما تم تبنيها من قبل الوزارة”.

Thumbnail
15