واشنطن تؤسس لوجود عسكري آمن على الأراضي العراقية

الإدارة الأميركية تؤسس لوجود عسكري طويل الأمد في العراق يتيح لها مراقبة إيران عن قرب لكنها تتجنب وقوع خسائر بشرية في صفوف قواتها مع اقتراب موعد الانتخابات.
الأربعاء 2020/04/01
لا انسحاب بل إعادة انتشار

التغييرات المسجّلة في خارطة تواجد القوات الأميركية على الأراضي العراقية، وأيضا في مستوى حمايتها وتحصينها من شتى أنواع الهجمات الصاروخية، مظهر لتكتيك أميركي جديد يهدف للتأسيس لتواجد عسكري أميركي في العراق يكون ناجعا في مراقبة إيران وحلفائها عن قرب، ويكون في الوقت نفسه آمنا من عملية استنزاف محتملة لا تستطيع إدارة ترامب احتمالها في سنة الانتخابات الرئاسية.                        

الأنبار (العراق)- تسارع الولايات المتّحدة الأميركية خطاها لإعادة ترتيب أوضاع قوّاتها في العراق وحصر تواجدها في قاعدتين عاليتي التحصين وجلب المزيد من بطاريات صواريخ باتريوت وتعزيز منظومات الحماية من الصواريخ قصيرة المدى، وذلك في وقت تصعّد فيه ميليشيات شيعية موالية لإيران من تهديدها اللفظي لتلك القوات واستفزازها برشقات صاروخية.

وتؤسّس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتلك الخطوات لوجود عسكري طويل الأمد وآمن على أرض العراق يتيح لها مراقبة غريمتها إيران عن قرب وخصوصا تحرّكاتها على محور طهران دمشق بيروت مرورا بالأراضي العراقية. لكنّ الإدارة نفسها لا تهمل عامل تجنّب وقوع خسائر بشرية في صفوف قوّاتها خلال سنة الانتخابات الرئاسية، حيث يعلم ترامب مدى حساسية هذا العامل لدى الناخب الأميركي.

وأخلت قوات التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتّحدة خلال الأيام الماضية أغلب القواعد الثانوية في العراق وسلمتها للقوات العراقية، بينما توجّهت إلى قاعدة عين الأسد غربي مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، وقاعدة الحرير شرقي مدينة أربيل مركز إقليم كردستان بشمال البلاد.

ويمكن لعدد محدود من قوات النخبة الموجودة في قاعدتين محصّنتين ومحميتين من صواريخ الميليشيات الشيعية، أن تواصل فرض هيمنتها على الأجواء العراقية، وتوجيه ضربات دقيقة للفصائل المسلّحة الموالية لإيران بهدف تحجيمها ومنع تغوّلها، من دون تقديم أي أثمان مقابل ذلك.

ولا تلقي الولايات المتّحدة بالا لقرار سبق أن أصدره مجلس النواب العراقي بدفع من الكتل الموالية لإيران، ويقضي بإخراج القوات الأميركية من العراق.

القيادات العسكرية العراقية تدرك حاجة قواتها إلى الدعم التسليحي والذخيرة والتدريب والاستشارات الأميركية
القيادات العسكرية العراقية تدرك حاجة قواتها إلى الدعم التسليحي والذخيرة والتدريب والاستشارات الأميركية

وتستشعر إيران والميليشيات العراقية الخطر الداهم بفعل هذا التغيير في التكتيكات الأميركية، وهو ما يترجمه السلوك المستفزّ للميليشيات ضدّ القوات الأميركية على أمل جرّها إلى معركة سابقة لأوانها.

واعترضت المنظومة الدفاعية الأميركية، الثلاثاء، صاروخين كانا يستهدفان قاعدة عين الأسد التي تضم جنودا أميركيين غربي العراق، بحسب ضابط بالجيش العراقي.

وصرح الضابط، لوكالة الأناضول، مفضلا عدم نشر اسمه كونه غير مخول بالتصريح للإعلام، أن المنظومة الأميركية تمكنت من صد صاروخين استهدفا القاعدة الواقعة في ناحية البغدادي غربي مدينة الرمادي.

وذكر المصدر أن الصاروخين سقطا بعد انفجارهما على الطريق العام، في قرية المعمورة شرق القاعدة المذكورة. وأشار إلى أنّ “القصف كان المراد منه ضرب القوات الأميركية في القاعدة”.

وكانت تقارير إعلامية ومصادر عسكرية أميركية وعراقية، قد أفادت الإثنين، أن الولايات المتحدة نشرت الجمعة الماضي، منظومة باتريوت في قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار وقاعدة الحرير في محافظة أربيل.

ويستعمل الباتريوت في اعتراض هجمات بالصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، بينما تستعمل منظومات دفاعية أصغر حجما في اعتراض الهجمات بالصواريخ القصيرة وقذائف الكاتيوشا، ما يعني أن الولايات المتّحدة لا تتحسّب فقط لهجمات الميليشيات، بل أيضا لهجمات محتملة من قبل إيران، على غرار الهجوم الذي ردّت به على مقتل القائد بحرسها الثوري قاسم سليماني على يد القوات الأميركية في العراق.

وتصاعدت في الفترة الماضية الهجمات الصاروخية على قواعد تضم أميركيين بالعراق منها قاعدة عين الأسد. واتهمت واشنطن ميليشيا كتائب حزب الله بالوقوف وراء تلك الهجمات.

يتواجد في العراق قبل مغادرة المئات مؤخرا بسبب وباء كورونا نحو 8000 جندي أجنبي بينهم 5200 أميركي وفق أرقام رسمية، بينما تقول مصادر غير رسمية إن العدد الحقيقي يتجاوز 16000 جندي

ووصفت الكتائب في أحدث تصريح لأحد قادتها التواجد العسكري الأميركي في العراق بغير الشرعي وتوعّدت بالتصدي له. وتوعّد محمد محيي القوات الأميركية بمواصلة استهدافها لأنّ “تحركاتها في العراق عدوانية”.

وقال نحذّر تلك القوات “من القيام بأي عدوان على الشعب العراقي وفصائله أو أي محاولة انقلاب عسكري ضد العملية السياسية أو النيل من قيادات الحشد الشعبي أو اغتيال شخصيات عراقية وطنية مؤثرة”.

ومنذ مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس في يناير الماضي بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي تمارس إيران ضغوطا على الميليشيات والكتل والأحزاب السياسية العراقية الحليفة لها لإجبار حكومة بغداد على مطالبة واشنطن بإخراج قواتها من العراق.

كما يأخذ الضغط الإيراني بعدا عسكريا عبر الطلب من الميليشيات تنفيذ هجمات على مراكز تواجد القوات الأميركية في العراق لإرغامها على المغادرة.

وشجع اغتيال سليماني والمهندس حلفاء إيران تحت قبة البرلمان العراقي على التصويت لصالح قرار إخراج القوات الأجنبية، لكن الحكومة لم تتخذ أي إجراء بشأن القرار حتى الآن، في ظل الأزمة السياسية المصاحبة لتشكيل حكومة انتقالية خلفا لحكومة عادل عبدالمهدي المستقيلة منذ الأول من ديسمبر الماضي.

وعلى عكس التوقعات الأميركية، فإن اغتيال سليماني لم يردع الحرس الثوري الإيراني عن مواصلة سعيه إلى استثمار قدرات القوات الحليفة له لشن مزيد من الهجمات على المصالح والقوات الأميركية لإرغامها على الانسحاب من العراق.

وفي أعقاب عملية الاغتيال، نسّق حزب الله اللبناني اجتماعات برعاية إيرانية في طهران لقيادات فصائل الحشد الشعبي العراقي، لتشكيل جبهة موحدة تضم أهم الفصائل لاستهداف المصالح والقوات الأميركية.

وتقدم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة دعما متعدد الجوانب للقوات الأمنية العراقية وذلك منذ تشكيل التحالف في أعقاب أحداث الموصل عام 2014 بهدف قتال تنظيم داعش الذي لا يزال ينفذ هجمات مميتة على القوات الأمنية وقوات الحشد في مناطق نائية مثل الصحارى الواقعة غربي العراق والمناطق الجبلية في شمال غربه.

الولايات المتّحدة الأميركية تحصر تواجدها بقاعدتين عاليتي التحصين في العراق
الولايات المتّحدة الأميركية تحصر تواجدها بقاعدتين عاليتي التحصين في العراق

وتدرك القيادات العسكرية العراقية حاجة القوات الأمنية العراقية إلى الدعم التسليحي والذخيرة والتدريب والاستشارات الأميركية، وتوفير قطع الغيار للآليات وطائرات أف 16 أميركية الصنع.

ومنذ أسابيع، تنفذ قوات التحالف عملية إخلاء لعدد من قواعدها في العراق. ويقول مسؤولون أميركيون إن العملية تأتي على خلفية انتشار وباء كورونا ولتأمين حماية القوات من هجمات محتملة من القوات الحليفة لإيران.

ومنذ 19 مارس الماضي نقلت قوات التحالف المسؤولية عن قاعدة عسكرية أقامتها بمنطقة القائم على الحدود مع سوريا عام 2018، إلى القوات الأمنية العراقية، وكذلك قاعدة كي وان قرب كركوك وهي القاعدة الثانية بين عدة قواعد تتحدث وسائل إعلام عن نية واشنطن تسليمها للقوات العراقية، لتقليل وجودها العسكري بالعراق.

وللولايات المتحدة تواجد عسكري في نحو 14 قاعدة جوية ومعسكرا بمناطق مختلفة في شمال وغرب بغداد وفي إقليم كردستان العراق. ومن أهم تلك القواعد قاعدتا التاجي وبلد قرب بغداد، والنصر قرب مطار المدينة، والتقدم وعين الأسد في الأنبار، والقيارة بمحافظة صلاح الدين، والقصور الرئاسية بمركز مدينة الموصل، وقاعدة الحرير في أربيل.

استهداف الميليشيات الشيعية للقوات الأميركية في العراق يهدف لاستفزازها وجرّها إلى معركة سابقة لأوانها

ويتواجد في العراق قبل مغادرة المئات مؤخرا بسبب وباء كورونا نحو 8000 جندي أجنبي بينهم 5200 أميركي وفق أرقام رسمية، بينما تقول مصادر غير رسمية إن العدد الحقيقي يتجاوز 16000 جندي.

وبينما تحاول إيران استخدام القوات الحليفة لها لإجبار القوات الأميركية على الانسحاب من العراق، تتمسك الولايات المتحدة بعدم الانسحاب واتخاذ العراق منطلقا للعمل على تحجيم النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.

وتتخوف القوات الحليفة لإيران مما تسميه “أنشطة مشبوهة” من جانب الولايات المتحدة تُمهّد لعملية عسكرية تستهدفها وتستخدم فيها قوات برية مدعومة بطائرات مقاتلة وطائرات مروحية وبمشاركة بعض القوات العسكرية والأمنية العراقية، حسب بيان لكتائب حزب الله العراقي.

وتعتقد الإدارة الأميركية بضرورة اتخاذ إجراءات للتقليل من قدرات القوات الحليفة لإيران عبر استهداف مواقع تخزين الأسلحة وتصنيعها وتطويرها واستهداف قياداتها الفاعلة.

لكن تحقيق تلك الأهداف في سنة انتخابية حاسمة للرئيس الأميركي دونالد ترامب الساعي إلى الفوز بولاية رئاسية ثانية، يقتضي الكثير من الحذر لتجنّب وقوع خسائر في صفوف القوات الأميركية بالعراق، وهو ما يعكسه تكتيك تجميع تلك القوات في عدد محدود من القواعد تسهل حمايتها والدفاع عنها على عكس القواعد الصغيرة المتناثرة التي يمكن أن تمثّل صيدا سهلا للميليشيات الشيعية في حال أعطتها إيران الأمر بضربها.

3