هذا ما يجمع فيدان ومملوك

التنسيق الأمني مسار يزعم البعض أنه مستقل عن التنسيق السياسي، إلا أن الخطط الأمنية تتبع التوجهات السياسية للدول وعلى أساسها يتم تحديد الأهداف المعادية والصديقة في ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب".
الاثنين 2021/09/13
تركيا تبدو أكثر قدرة على المناورة

بدت تركيا أكثر قدرة على المناورة بعد الانفتاح الذي تشهده علاقاتها الإقليمية، سواء مع دولة الإمارات العربية المتحدة أو مع مصر وتبعا المملكة العربية السعودية، فكشفت عن لقاء مرتقب في بغداد سيجمع كلا من رئيس المخابرات التركية حقان فيدان ورئيس جهاز الأمن الوطني السوري علي مملوك. لقاء نفته الأوساط المقرّبة من نظام الأسد في دمشق، كما نفته وسائل الإعلام اللبنانية المحسوبة على المحور الإيراني.

الأتراك قالوا إن اللقاء سيناقش المسائل الأمنية، لاسيما مواجهة التحديات الإرهابية في المنطقة، فردّ النظام السوري بالقول إن تركيا هي راعية الإرهاب وإنه لن يناقش مكافحة الإرهاب مع رعاته. غير أن هذا لم يمنع أعلى مسؤول دبلوماسي تركي من القول إن مثل هذه اللقاءات ليست سياسية ولا تعني تغييرا في موقف تركيا، جاء ذلك على لسان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو الذي أكّد أن هذا التنسيق الأمني لا يعني تغييرا في سياسة أنقرة حيال النظام السوري، وزادت تركيا بالتأكيد على أن الائتلاف الوطني السوري المعارض ومعه الحكومة المؤقتة هما الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري في نظرها.

حسنا. القول إن التنسيق الأمني مسار مستقل عن التنسيق السياسي، مسألة توجب التوقف عندها، فالخطط الأمنية تتبع التوجهات السياسية للدول وليست منفصلة عنها، وعلى أساسها يتم تحديد الأهداف المعادية والصديقة في ما يسمى بـ”الحرب على الإرهاب”. وإذا كان تصنيف أنقرة للإرهاب مطابقا لتصنيف نظام دمشق، فإن هذا سيغيّر الكثير. خاصة وأن جميع التنظيمات السياسية والفصائل العسكرية التي تدعمها تركيا يصنفها الأسد إرهابية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن حلفاء الأسد الأكراد في الشمال السوري، أي فرع حزب العمال الكردستاني مصنفون لدى الأتراك إرهابيين. وهم في الوقت ذاته على علاقة حذرة وانتهازية متبادلة مع دمشق.

صحيح أن تنظيمي داعش والقاعدة لم يعودا كما كانا في ذروة قوتهما، لكنهما آخذان بالعودة ولديهما نشاط يومي ملحوظ في استهداف الطرفين التركي والسوري، وأحدث تلك العمليات كان قتل ثلاثة جنود أتراك على يد كتيبة أبي بكر الصديق التي تبنت الهجوم، وهي تنظيم لم يعلن فك ارتباطه مع القاعدة. ولكن هل علاقة النظام السوري مع تنظيم القاعدة بنفس درجة علاقة الأتراك معها؟ ليس بالضرورة، فقد جرّب هذا الاستثمار في الماضي، وبالفعل كان للأجهزة الأمنية السورية عصا السبق فيه، وقد حققت إنجازات كبيرة، في الفترة التي تلت الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، لا بالحرب على القاعدة كحال الأميركيين ودول الإقليم، بل بتوطيد العلاقة معها، وتسهيل مرور مجاهديها عبر الحدود العراقية السورية الطويلة، ومن ثم تسليم قوائم من المعتقلين مع بيانات مفصلة عنهم حين عودتهم من العراق، وكان ذلك يتم تحت نظر الأميركيين الذين لم يمانعوا الاستفادة من سوريا الأسد في تلك المرحلة كمحطة أمنية ذاتية التشغيل تعمل لصالحها. وكان مملوك ورجاله يطيرون من عاصمة عربية وأوروبية إلى أخرى، يسلّمون القوائم الأمنية، ويتفاوضون على المقابل السياسي. إذا لن يكون سهلا الفصل بين الأمني والسياسي كما يمكن أن يتخيل البعض.

لقاء مختلف عن المرة السابقة يجمع مملوك وفيدان
لقاء مختلف عن المرة السابقة يجمع مملوك وفيدان

من هو العدو المشترك لدمشق وأنقرة إذا؟

ليست المرة الأولى التي يجري فيها مثل هذا التنسيق وعلى المستوى ذاته، فالمعلومات تقول إن لقاء عُقِد برعاية روسية في موسكو بين فيدان ومملوك في الـ13 من ديسمبر العام الماضي. لكن هذا اللقاء الجديد المزمع عقده، يبدو مختلفا هذه المرة. إذ لم يبق من الملفات التي يمكن أن يتحدث حولها الرجلان سوى ملف وحيد؛ الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ومن ثم احتمال الانسحاب الأميركي من سوريا.

هكذا يستقيم المنطق، والانسحاب الأميركي من شمال شرق سوريا، يعني أن الأكراد والإدارة الذاتية التي أسسوها والتي ترفضها الغالبية العربية في المحافظات الشرقية الثلاث دير الزور والحسكة والرقة، سيكونون أمام النيران المباشرة. فالأسد يريد بسط سيطرته على ما تبقى من سوريا حيث النفط والغاز والثروات وأيضا التغلغل الإيراني، ولا يعنيه الالتزام بأي اتفاقية أمنية سبق ووقعها مسؤولوه الأمنيون مع حزب الاتحاد الكردي الذي يقود ما تعرف بـ”قسد”، وسينقلب على تلك الاتفاقيات كما انقلب على اتفاقيات التسوية في درعا. أما الأتراك فلن يسمحوا بفوضى في حدودهم الجنوبية، وإذا اندلعت مواجهة بين الأسد والأكراد لن يقفوا متفرجين. ولن يضعوا أيديهم بأيدي عدو تركيا الأول لحزبها الحاكم ولمعارضتها في الوقت ذاته، حزب العمال الكردستاني.

وفي الخلفية تجري استعدادات عسكرية كبيرة، على جبهة المعارضة السورية والجيش الوطني المدعوم من تركيا، لتنظيم صفوفه وضم المزيد من القوى والفصائل إلى مؤسسة وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، تحضيرا للمرحلة القادمة.

هذا ما يجمع فيدان ومملوك. وسيكون على الرجلين أن يفكرا في المقابل الذي يمكن أن تحققه وصفة التحالف في شمال شرق سوريا، والتنازع في شمال غربها، وتنظيم الخلاف حول الموقف السياسي. بالنسبة إلى الفريقين هذه مصلحة عليا ولا تحتمل أن يعمل كل طرف منفردا، فالأسد بحاجة إلى الأتراك للإطباق على الأكراد في الشمال، وتركيا بحاجة إلى تشجيع الأسد على مثل هذا التدبير الذي يرمي لتفكيك الإدارة الهشة التي لم تبرهن على قدرتها على إقناع المواطنين السوريين في المحافظات الثلاث أنها منبثقة عنهم وأنها ديمقراطية بالفعل وأنها منفكة تماما عن حزب عبدالله أوجلان الذي تنتشر صوره في الشمال السوري أكثر من صور بشار الأسد ذاته.

8