هجر الزوجات أزمة تؤرق المصريات

يشير مستشارو العلاقات الأسرية إلى أن هروب الرجل من بيت الزوجية يعكس عجزه عن تحمل المسؤولية وعدم احترامه لشريكة حياته، ما يؤكد أنه رجل ذو شخصية مهتزة وضعيفة. ويلفت الخبراء إلى أن الزوجة المهجورة في حاجة ملحة إلى الدعم الأسري حتى لا تواجه وحدها نظرة المجتمع المريبة، ويحذرون من أن ينعكس ذلك على أولادها وعلاقتها بهم.
القاهرة – قبل خمس سنوات، دخلت حنان محمد، وهي محامية في العقد الثالث من عمرها، في علاقة عاطفية مع رجل يكبرها في السن، وقررت إبرام عقد الزواج بعد قصة حب امتدت لعامين، وعقب إنجاب الطفلة الأولى بشهور قليلة فاجأها زوجها بأنه يريد الانفصال وعندما سألته عن السبب لم يجبها بشكل مقنع وقرر الخروج من المنزل بلا عودة.
اعتقدت حنان أن شريك حياتها قرر الاختلاء بنفسه لفترة وسوف يعود إليها مرة أخرى بعد أن يهدأ ويراجع قراره المفاجئ، لكن مرّ عامان دون أن تعرف عنه شيئا، ولم تفلح كل محاولاتها للبحث عنه، فقد ترك وظيفته واختفى، وذات يوم تلقت منه اتصالا هاتفيا يبلغها بعدم إرهاق نفسها بالبحث عنه لأنه لن يعود إلى منزل الزوجية.
حاول الوسطاء والأقارب التحدث مع الزوج دون جدوى، حتى صارت امرأة معلقة، لا هي مطلقة ولا متزوجة، ورغم كونها في بداية حياتها لكنها لا تستطيع الارتباط برجل آخر لأنها ما
تزال متزوجة في حكم القانون، وتخشى أن يأتي اليوم الذي تدخل فيه ابنتها المدرسة فتتعرض للسؤال المعتاد: أين الأب ليقدم أوراق ابنته؟
غالبا ما تلجأ الزوجات اللاتي هرب أزواجهن إلى الكذب عندما يتم الاستفسار عن غيابهم المفاجئ ، حفاظا على صورتهن
قالت الزوجة لـ “العرب” إنها تعيش حياة بائسة وتتعرض كل فترة لهمسات وتلميحات من بعض زملاء العمل والأقارب والجيران، توحي بأنها امرأة “معيوبة” وإلا لم يهجرها زوجها، وتخشى رفع دعوى طلاق للضرر خشية أن يكون لدى زوجها نية العودة مرة أخرى ما جعلها تعيش على بصيص من الأمل.
أكثر ما يؤذي هذه السيدة أن أسرتها دائمة التجريح لها بدعوى أنها السبب في هروب زوجها، لكنها في كل مرة تلتزم الصمت، فهي نفسها لا تعرف لماذا هجرها، وكل ما تتمناه أن تلتقيه مرة واحدة لتفهم ماذا يدور في باله، وهل بإمكانه العودة أم تتأقلم على كونها شبه مطلقة، وإذا كان لا ينوي العودة لماذا لم ينفصل عنها رسميا لتكون حرة.
تبدو حالة ولاء واحدة من نساء كثيرات قرر أزواجهن الهروب من بيت الزوجية دون مقدمات، وصارت كل منهن تعيش على أمل العودة أو الطلاق.
وغالبا ما تلجأ الزوجات اللاتي هرب أزواجهن إلى الكذب عندما يتم الاستفسار عن غيابه، فقد تبرّر إحداهن أنه مسافر، وثانية تقول إنه يعمل بعيدا، حفاظا على صورتها.
أزمة الأسر أن بعض أفرادها لا يرحمون المرأة التي هجرها زوجها لشهور وربما سنوات، فهي متهمة بالتقصير والقسوة والتمرد والتسلط بشكل دفع الرجل إلى الهروب لعدم قدرته على تحملها، وقد يتم نعتها بأبشع الصفات حتى لو كانت امرأة سوية وعلى خلق، لكنها تعرضت إلى خديعة وتزوجت من شخص لا يعرف معنى المسؤولية.
ونادرا ما تحدث وقائع هروب الزوج في المناطق الريفية والشعبية أو ذات التكوين القبلي، اعتبار أن بطبيعتها تحترم العادات والتقاليد والأعراف وتحتفظ لنفسها بالترابط الأسري وقدسية الحفاظ على
السمعة، أما في المدينة فقد لا يعرف أغلب الناس بعضهم، ونادرا ما يسأل أحد عن غياب الجار.

صحيح أن هروب الرجل من زوجته يظل من الحالات الشاذة ويخلّف وراءه أسرة مفككة، وزوجة بائسة تعاني نظرات سلبية من الأهل والأصدقاء، وأولادا يعيشون أذى نفسيا، ودائما ما تعاني الأم وهي تتعرض لأسئلة متكررة من أبنائها عن سر اختفاء الأب، ولماذا لا يأتي للعيش في منزله، وهنا تكون الضغوط المعنوية أشد وطأة.
قد يكون هجر الرجل لزوجته في سن مبكرة من الزواج لأسباب ترتبط بالندم على الزيجة، أو اكتشاف أنه كان مستقلا في أثناء فترة العزوبية، أو لأنه لم يعد يتحمل الضغوط وتوفير مصادر الإنفاق على أسرته، فيضطر إلى الهرب كخيار سهل لا يجعله يتحمل أيّ فواتير جراء اللجوء إلى الانفصال الرسمي عن شريكته.
وتعتقد كل زوجة هجرها زوجها أن الاختفاء في بادئ الأمر يأتي كنوع من التأديب على تصرفات وسلوكيات بعينها، ثم تصطدم بالواقع وتكتشف أنها صارت معلقة، وإذا حاولت اللجوء إلى القضاء للطلاق تعيد التفكير في تبعات الخطوة خوفا من نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، خاصة إذا كانت صغيرة في السن.
وقالت هالة منصور أستاذة علم الاجتماع بالقاهرة إن هروب الرجل يعكس الخلل في طريقة تربية الأبناء على احترام قدسية الحياة الزوجية، وهذا السلوك يشير إلى عجز الزوج عن تحمل المسؤولية وعدم احترامه لآدمية المرأة واستسهال قهرها وتعنيفها نفسيا، وهذه الشخصية من سماتها أنها مهتزة وضعيفة.
وأضافت لـ “العرب” أن الزوجة المهجورة في حاجة ملحة إلى الدعم الأسري حتى لا تواجه وحدها نظرة المجتمع المريبة، فهي تشعر وكأنها تعيش بلا هوية، والخطر أن ينعكس ذلك على أولادها وعلاقتها بهم، حيث تكون في حالة اكتئاب وضغط وتوتر طوال الوقت والعيش على أمل عودة الزوج أمر بالغ الصعوبة للمرأة.
وتفضّل بعض الزوجات اللاتي هرب أزواجهن أن تحمل لقب متزوجة مع وقف التنفيذ عن أن يعرف الجميع أنها مطلقة، باعتبار أن كونها متزوجة فذلك يحميها من التلصص ويحافظ على أولادها نفسيا، بمعنى تفضل الزواج الشكلي على الاعتراف بخيبة الأمل.
ومن بين هؤلاء النسوة مي عبدالله، صاحبة الثلاثين عاما، التي أنجبت طفلين من زوجها وفجأة اختفى بعد مشاجرة حول مصروفات المنزل، فهو يعمل موظفا بإحدى شركات الأمن وراتبه محدود، وذات يوم عنفته على عدم مقدرته الوفاء باحتياجات الأسرة المالية فوعدها بالاختفاء من حياتها ولن تعرف مكانه.
مرّ على هروب الزوج ثلاث سنوات وانتقلت الزوجة لتعيش مع أسرتها، وكل فترة تتعرض لضغوط من والديها لحثها على اللجوء إلى القضاء لطلب الطلاق للضرر، وترفض الإقدام على هذه الخطوة خشية أن تحمل لقب مطلقة، فإذا انفصلت عن زوجها بالتراضي فلن تتزوج مرة ثانية، بالتالي لا مبرر عندها للطلاق القانوني.

أكدت الزوجة لـ “العرب” أن أكثر ما يؤذي الزوجة التي هجرها زوجها دموع طفليها على اختفاء والدهما دون سبب، ما يكرّس لدى بعض السيدات عقدة عدم الزواج لمرة ثانية، فالمرأة التي يهرب شريك حياتها كأنه يلقيها في النار، لا أحد يعرف حجم التوتر والضيق والاكتئاب والقهر الذي تعيشه، وكيف تموت مشاعرها تجاه الرجال.
ويتيح القانون المصري تطليق الزوجة لوقع الضرر مع احتفاظها بحقوقها حال هجر زوجها لها، لكنها لا تستطيع إثبات ذلك إلا بشهود تطمئن لهم المحكمة، ويمكن بسهولة أن ينفي الزوج التهمة حتى تخسر زوجته المعركة ويتجنب توريط نفسه في الالتزام بدفع مبالغ مالية نظير النفقة والتكفل بمصروفات الأسرة.
وربما تلجأ الزوجة المهجورة إلى الطلاق من خلال القضاء للحفاظ على حقوق الأبناء ليس أكثر، لأن هناك أمورا يصعب عليها القيام بها، طالما أن الأوراق الرسمية تقول إن لهؤلاء الأبناء أبا، مثل التقديم للمدارس أو التحويل منها، أو حرية السفر بهم إلى خارج البلاد لأن القانون لا يعترف بشيء اسمه هروب الزوج.