نظام جديد للجمارك بمصر لمنع تسرب البضائع المجهولة

تتأهب مصر لتطبيق أول منظومة إلكترونية تستهدف الإفراج المسبق عن البضائع المستوردة، والتي ستمنع أيضا تدفق السلع مجهولة المصدر، في خطوة يرى خبراء أنها تأتي بعد أن تسببت الإجراءات البيروقراطية في منح البلاد مراكز متأخرة في زمن الإفراج الجمركي، وحدّت من تقدمها في تقارير مناخ الأعمال عالميا.
القاهرة – تبدأ الجمارك المصرية في شهر أبريل المقبل تطبيق نظام تجريبي للإفراج المسبق عن البضائع المستوردة من الخارج، تمهيدا للتطبيق الإلزامي مع مطلع يوليو المقبل، في أحدث تحرك من قبل الحكومة لتعديل أوتار العمليات التجارية ومنع تسرب السلع مجهولة المصدر إلى البلاد.
ونظام الإفراج المسبق للشحنات يعني تقديم المستورد لمستندات استيراد السلعة قبل وصولها إلى الموانئ المصرية، وإنهاء جميع الإجراءات، تمهيدا للإفراج عنها فور وصولها الميناء.
وتُلزم المنظومة الجديدة المستوردين والمستخلصين في الجمارك تبادل بيانات ومستندات الشحنات إلكترونيا والحصول على موافقة مسبقة قبل الشحن، مع قيام النظام الجمركي بمنح الموافقة خلال مدة لا تتجاوز الـ48 ساعة من وقت تقديم الطلب، بحيث تتم حماية الحدود المصرية من أي مواد خطرة مهربة.
ويُسهم النظام الجديد في زيادة معدلات التخليص الجمركي، نتيجة سرعة عمليات الإفراج عن السلع، بحيث تصبح الموانئ بوابات للعبور فقط وليست أماكن للتخزين وتكديس البضائع، الأمر الذي من شأنه تعزيز الكفاءة التشغيلية للموانئ.
وقال محمد معيط وزير المالية، إن “المرحلة الأولى من تطبيق النظام الجمركي للتسجيل المسبق للشحنات تشمل جميع المنافذ البحرية، للتأكد من فاعليتها، وحل كافة المعوقات التي تواجه عمليات التطبيق قبل أن تطبق المنظومة بشكل كامل”.
وأوضح أن هذه الخطوة تتسق مع المشروع القومي لتحديث وميكنة منظومة الإدارة الجمركية، ما يسهم في تبسيط الإجراءات، وتقليص زمن الإفراج الجمركي، وبالتالي تعزيز خفض أسعار السلع في الأسواق المحلية، نتيجة سرعة عمليات الإفراج التي يترتب عليها خفض التكاليف ويتم تحميلها على المنتجات.
وتستهدف وزارة المالية عبر المنظومة الجديدة القضاء على ظاهرة “كاحول” بالمنافذ الجمركية، وهو الشخص مجهول الهوية الذي يكون الجاني في قضايا البضائع مجهولة المصدر، والشحنات المخالفة والمجرّمة وفقا للقوانين في مصر.
وشهدت المنافذ الجمركية المصرية مؤخرا عمليات ضبط لحاويات تضم سلعا بداخلها مخدرات بأشكال متعددة، فضلا عن تهريب للأسلحة والألعاب النارية.
وكشفت عمليات الفحص وتتبع مسارات استردادها عن وقوف شركات وهمية وراء عمليات الاستيراد، وفي حال التضييق يظهر الشخص الـ”كاحول” بوصفة الجاني ويتحمل الأحكام القضائية مقابل إخفاء الجناة الحقيقيين الذين قاموا بالتهريب الفعلي.
وتسببت ظاهرة “كاحول” التي تمتد عبر عقود في تكدس الموانئ بالبضائع مجهولة المصدر، فيما تساعد المنظومة الجديدة في تخلص الموانئ من البضائع المهملة والراكدة، لأنه لن يسمح بدخول البضائع إلا إذا استوفت كافة الإجراءات.
وتأمل مصر من هذا النظام تحسين ترتيبها في ثلاثة مؤشرات دولية مهمة، هي التنافسية العالمية، وممارسة الأعمال، وبيئة الاقتصاد الكلي، من أجل تحفيز بيئة الاستثمار، وتشجيع المستثمرين على توسيع أنشطتهم الإنتاجية ونطاق أعمالهم.
وعلاوة على ذلك، تسعى السلطات إلى تحسين تنافسية المنتجات المحلية في الأسواق العالمية التي تحرص على التعامل مع الجهات الموثوق بها.
وكشف تقرير التنافسية العالمية، الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي عن ترتيب متأخر لمصر في مؤشر الانفتاح التجاري، حيث تحتل المركز 137 من إجمالي 141 دولة في القائمة التي أعدها المنتدى.
وتشمل مؤشرات المنتدى التعريفات التجارية، حيث جاءت مصر في المركز 136 في ذات القائمة، وقد أشار التقرير إلى أن هونغ كونغ هي الأفضل عالميا في نظم التعريفات الجمركية.
وأكد التقرير وجود تحسن نسبي لمصر في مجال الشحن الجوي، وهو ما منحها المركز التاسع عشر ضمن القائمة، وحصل على نحو 70.3 من مئة درجة، وهي نسبة متقدمة ولا تتناسب مع مستوى التقهقر في مجالات أخرى.
وأوضح فتحي قباري، عضو شعبة مستخلصي الجمارك بغرفة تجارة الإسكندرية، أن النظام الجديد موجود في قانون الجمارك القديم، لكنه لم يكن مفعلا بالطريقة اللازمة.
ولفت قباري في تصريح لـ”العرب” إلى أن القضاء على ظاهرة “كاحول” تسرّع من إنهاء عمليات الإفراج عن السلع، وتمنع دخول البضائع المجهولة إلى الموانئ المصرية.
وأضاف أن “أزمة المنتجات مجهولة المصدر والمواد المخدرة ستظل قائمة، لأنه يتم تهريبها بطرق غير شرعية، ولا تدخل من المنافذ الرسمية”.
وتتطلب مواجهة عمليات تهريب البضائع أن تتبع مصر نظما إلكترونية متطورة تتمتع بالذكاء الاصطناعي لكشف عمليات التهريب، إذ تتجه معظم بلدان العالم إلى الكشف عن البضائع قبل فتح الحاويات لمعرفة نوعها، وهي وسيلة سهلة لرصد المنتجات المجهولة.
وتفتح هذه النقطة حاجة الجمارك المصرية لتحديث نظمها عبر أجهزة متطورة للكشف عن السلع والبضائع المستوردة، وذلك بهدف مواكبة مستجدات الجريمة على مستوى العالم.
وتتبنى مصلحة الجمارك المصرية خطة لربط جميع الموانئ البرية والبحرية والجوية بمنصة إلكترونية لتطبيق نظام النافذة الواحدة بالجمارك مع نهاية يونيو المقبل.
وكانت القاهرة قد دشنت في وقت سابق مشروع الشباك الواحد بمنافذها في كل من مطار القاهرة وغرب وشرق بورسعيد والعين السخنة.
ويطبق المركز اللوجيستي بمصلحة الجمارك قائمة بيضاء، تضم كبار المستوردين، الذين لهم تاريخ كبير في استيراد المنتجات، وتمكنهم من سرعة إنهاء الإجراءات اللازمة للإفراج عن شحناتهم في جميع الموانئ.
ويرى أحمد شيحة، عضو شعبة المستوردين بالغرفة التجارية للقاهرة، أن تطبيق النظام الجمركي للتسجيل المسبق للشحنات لن يحل أزمة دخول البضائع مجهولة المصدر، فهي بمثابة تطوير للنظام الحالي.
وأشار شيحة في تصريح لـ”العرب” إلى أن المنظومة الجديدة تزيد الضغوط على المستوردين، ويعتقد أنه كان من الأفضل أن تطور الجمارك من أدائها من خلال اتباع آليات تضمن سرعة الإفراج عن البضائع فور وصولها.
وفي حال تشكك الجمارك في أي حاوية قادمة من الخارج تقوم بتطبيق الإجراءات البيروقراطية ذاتها، لأنها قد لا تحقق أهدافها كاملة من وراء عمليات التطوير.
وشدد شيحة على أن هذه المساعي لن تحسّن ترتيب مصر في تقرير التنافسية في ما يتعلق بمؤشرات بالإفراج عن السلع، فالمعوقات الحكومية لا تزال قائمة، وتصل عمليات الافراج بدول كثيرة لساعات معدودة، بينما يظل زمن الإفراج في مصر طويلا بنحو أربعة أيام، فضلا عن المطالب بالغة الصعوبة التي حددتها الدولة للاستيراد.