نستطيع الحكم على قيمة الكتاب من غلافه

الكاتبات الفركوفونيات الجزائريات تمكن من تحقيق الريادة في كتابة الرواية وأيضا في وضع أغلفة عميقة لكتبهن.
الأربعاء 2020/04/15
طاوس عمروش أول كاتبة مغاربية

أغلفة الكتب ليست فقط ترويجية ولا تمثل وجها تسويقيا للكتاب، بل هي أبعد من ذلك تحمل معاني عديدة على ارتباط بمتن الكتاب، لذا يمكننا إنجاز قراءة أولية لبعض الكتب حتى من خلال أغلفتها، التي تمثل خلاصة أفكار الكتاب كما يتصورها واضع الغلاف والمؤلف.

تحت إشراف المحررة فاليري أورلندو بجامعة ماريلند الأميركية ولجنة محررين تتكون من مفكرين ونقاد بارزين، صدرت في الآونة الأخيرة بالولايات المتحدة الأميركية عدة كتب في إطار سلسلة “بعد الإمبراطورية: العالم الفرنكوفوني وفرنسا ما بعد الكولونيالية”، تتناول بالتحليل والدراسة الأكاديمية الجادة كتابات الأدباء والأديبات الفركوفونيين والفرنكوفونيات في دول أفريقيا السمراء وجزر الكاريبي وفي المنطقة المغاربية.

لهذه السلسلة أهمية قصوى ويمكن أن تكون بمثابة صفعة موجهة إلى تزمت الجامعات الفرنسية التي ترفض أن تعترف بالدراسات الكولونيالية وما بعد الكولونيالية التي تبحث في تأثير الاستعمار على ثقافات الشعوب، وجراء ذلك فقد أبعدت فرنسا المنظور النقدي الكولونيالي وما بعد الكولونيالي في تعليمها الجامعي، الأمر الذي عمق جهل الشبان والشابات الفرنسيين لمعاناة الهويات الثقافية لمواطني ومواطنات البلدان التي خضعت للإمبراطورية الفرنسية.

غلاف الكتاب كنص

لاشك أن هذه السلسلة سيكون لها تأثير استثنائي قوي على المدى المنظور على نقاد الأدب الفرنسيين الذين اختاروا الاصطفاف، مع الأسف، إلى جانب تقاليد إنكار الاستعمار وممارساته، وعلى الأجيال الفرنسية الجديدة التي لا تعرف شيئا يذكر عن تاريخ مقاومات الشعوب المستعمرة سابقا للجيوش الفرنسية وللهجمة اللغوية والثقافية الفرنسية.

لقد تضمنت هذه السلسلة الكتب التالية: الحرب الجزائرية في المسلسلات الهزلية باللغة الفرنسية: الذاكرة ما بعد الكولونيالية، والتاريخ والذاتية لجونفر هول، وسردية متوسطية: أبعد من فرنسا والمنطقة المغاربية لكلوديا إسبوزيطو، وثقافة الكهف في الأدب المغاربي لكريستا جونز، والجسد المحاصر: تجسيد الذاكرة التاريخية عند نينه بوراوي وليلى صبَار، والنجم والصليب والهلال: الديانات والصراعات في الأدب الفركوفوني في العالم العربي لكارين بورجي، والغلاف الأمامي الأيقوني وكتابات النساء الجزائريات لباميلا بيرس.

 وضمن هذه السلسلة يكتسي كتاب “الغلاف الأمامي الأيقوني وكتابات النساء الجزائريات” للباحثة باميلا بيرس أهمية استثنائية لكونه يشذَ عن القاعدة التقليدية للنقد ما بعد الكولونيالي التقليدي الذي يركز غالبا على دراسة النصوص وتحليل تمثلات الخطابات الكولونيالية التعسفية المشوهة للآخر المستعمر (بفتح الميم) حينا وعلى كتابات أدباء ومثقفي ومفكري البلدان المستعمرة وأوجه المقاومة فيها حينا آخر.

نقاد الأدب الفرنسيين اختاروا الاصطفاف إلى جانب تقاليد إنكار الاستعمار وممارساته
نقاد الأدب الفرنسيين اختاروا الاصطفاف إلى جانب تقاليد إنكار الاستعمار وممارساته

ففي مقدمة هذا الكتاب تفتح بيرس النقاش بقولها “إذا قلنا إننا نحكم على الكتاب من غلافه فذلك يعني أننا سذج، أو أننا أسوأ من ذلك لأننا قراء كسالى”. وترى أن الناقد الجديد يعطي قيمة خاصة لغلاف الكتاب ولذلك فهي تقترح أنه “يجب علينا أن نحكم على الكتاب من غلافه وذلك من أجل أن نعرف كيف نقترب منه إذا أردنا أن نقرأه، أو إذا أردنا أن نشتريه في المجتمع الاستهلاكي”.

على ضوء ما تقدم تلفت بيرس انتباهنا إلى جهود المنظر الأدبي هانز روبيرت جوس، أحد رواد نظرية الاستقبال، والذي يضع إطارا للأدب واستقباله “ضمن مثلث المؤلف والعمل الأدبي والجمهور القارئ”، ومن ثم تبرز لنا أن روبيرت جوس يرى أن “القارئ يلعب دورا نشطا كطاقة صانعة للتاريخ” و يعتبر “ن العمل الأدبي يبدع ويستقبل وفقا لأفق التوقعات”.

يكمن تميَز كتاب الباحثة في وضعه لنصوص الكاتبات الفرنكوفونيات الجزائريات جانبا وعدم تحليلها، والاكتفاء بالكشف عن دلالات الحافة والخفية التي تنطوي عليها الأغلفة ذات الطابع الأيقوني للكتب التي تتضمن نصوص روايات وشهادات الكاتبات الفرنكوفونيات الجزائريات وفي المقدمة آسيا جبار، ونينة بوراوي، ومليكة مقدم، وليلى صبار وخليدة مسعودي.

 بطبيعة الحال فإن كتاب بيرس يشير أيضا إلى بعض أغلفة روايات كتَاب ذكور فرنكوفونيين جزائريين ومغاربة منهم على سبيل المثال يسمينة خضراء والطاهر بن جلون ولكن حصة الأسد في دراستها هذه مكرسة للكاتبات الإناث.

رائدات الرواية الجزائرية

 في هذا السياق نجد بيرس تثير قضية مهمة جدا وتتمثل في كشف النقاب عن جانب لم ينل حقه من التأريخ وهي قضية الريادة في الكتابة الروائية في الجزائر. حسب بيرس فإن الكاتبات الفركوفونيات الجزائريات قد حققن الريادة في كتابة الرواية علما أن عددا من الدراسات المتداولة في مجال التأريخ للرواية الجزائرية تقول إن الريادة في “الرواية المعاصرة” هي من نصيب الكتاب الذكور حيث كثيرا ما يؤرخ البعض لذلك برواية رضا حوحو.

وفي هذا الخصوص كتبت بيرس مبرزة أن الكاتبة الجزائرية الفرنكوفونية طاوس عمروش تدرج غالبا كأول كاتبة مغاربية/ جزائرية نشرت بالفرنسية وذلك عندما قامت في عام 1947 بنشر نصَ روائي لها وهو نص “جانيث السوداء” ولكنها تستدرك موضحة أن جميلة دبيش قد نشرت أيضا روايتها “ليلي الشابة الجزائرية” في نفس السنة. وهنا تصحح بيرس الموقف موضحة أنه من المحتمل أن الكاتبة الجزائرية الفرنكوفونية الأولى هي إليسا رايس اليهودية الأصل والمولودة والمتوفاة في مدينة البليدة (1840م - 1976م).

بعد هذه الوقفة التأريخية للرواية النسوية الجزائرية تنتقل الباحثة إلى سبر شبكات الدلالات المعلنة والمضمرة لأغلفة الكتب والصور التي تتضمنها رويات الكاتبات الجزائريات الفرنكوفونيات وفي المقدمة آسيا جبار ومليكة مقدم ونينه بوراوي وليلى صبار، وفي هذا السياق يلاحظ أن بيرس تركز بقوة في كتابها الموسوم بـ”الغلاف الأمامي الأيقوني وكتابات النساء الجزائريات” على أربعة مباحث أساسية وهي: الرسوم الاستشراقية/ والصحراء، والحجاب وصورة المؤلف حيث نجدها تحلل الرسوم والصور التي توضع على أغلفة كتب عدد من الكاتبات الجزائريات الفرنكوفونيات ليس لغرض التزيين وإنما من أجل تبليغ رسالة مشفرة للقارئ الفرنسي خصوصا والغربي عموما، وفي هذا الخصوص كتبت قائلة “إن قوة صورة الغلاف التي تغير منظورنا تذهب أبعد من لحظة الشراء ولذلك فهي تتجاوز حدود التسويق”، وهي “تبقى مع الكتاب وتظهر في الشبكة العنكبوتية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تسمح أبدا بالفصل بين التمثَل البصري وبين التمثَل المكتوب. وخلال سبرها لمجموعة من الصور المثبتة على كتب الكاتبات الفرنكوفونيات الجزائريات تسلط بيرس الأضواء على دلالات صور أغلفة الكتب مثل لوحة النساء الجزائريات ولوحة النساء الباكيات لبيكاسو، ولوحات ورسومات المستشرقين الذين عرفتهم الجزائر المستعمرة الفرنسية أمثال يوجين دولاكروا أو جان أوغست دومينيك، أو صور الكاتبات الجزائرية أنفسهن أو صور طبيعية للصحراء.

الروائي يتحدى ويواجه الذات في مرآة الزمن بكل جرأة ومغامرة، باحثا عن الأمان المنشود وسط دوامة الوجود

في تقدير باميلا إن “صور الأغلفة الأمامية في حالة كتابات النساء الجزائريات الفركوفونيات قد ذهبت إلى أبعد من ترجمة أولية أو تأطير للنصَ: لقد أصبحت أيقونات مسيطرة تفرض الآن معناها وتتحكم بشكل حيوي في التأويل النقدي”. على ضوء هذا الفهم نجد بيرس تقرأ وتفكَك شيفرات أغلفة كتب كل من إزابيل إبرهردت الألمانية الأصل وذات الشخصية الغرائبية والهوى الجزائري الرومانسي نظرا لارتباطها الوجداني والروحي بعوالم الصحراء الجزائرية وطقوس حياة الناس فيها، وآسيا جبار ونينه بوراوي وخليدة مسعودي ومليكة مقدم وليلى صبار.

 تستخلص بيرس من تحليلاتها أن هناك علاقة عضوية بين النص وغلاف الكتاب إلى درجة “أصبح البصري والنصي مرتبطين على نحو متشابك”. وبمعنى آخر فإن صور ورسوم أغلفة كتب الكاتبات الجزائريات الفرنكوفونيات المذكورات آنفا ينبغي أن تقرأ كعناصر متبدلة الاعتماد وباعتبار أجزائها تشكل هوية نصية موحدة. وفقا لتأويلات بيرس فإن صور ورسوم أغلفة كتب الكاتبات الجزائريات المذكورة تستخدم حينا من قبل دور النشر الفرنسية لتكرار الصور النمطية التي تقدم المرأة الجزائرية المسلمة كضحية للحجاب وللقمع الذكوري وحينا آخر تقدم للقارئ الأوروبي/ الغربي لاستقطابه إلى الجمال الأنثوي الغرائبي ومن أجل توظيف كل ذلك لتحقيق غايات بعضها تجاري مثل تسويق الكتاب بسرعة، وبعضها يرمي إلى تنميط صور التخلف التي اعتاد على تكريسها الاستشراق التقليدي وهلم جرَا.

14