مواقع التواصل منبر الصحافيين المرفوضين من الإعلام التقليدي في مصر

يصنع صحافيون وإعلاميون مصريون سياسة تحريرية خاصة بهم بحرية على منابرهم الخاصة في فيسبوك أو يوتيوب، دون تدخل من أي جهة فيما يتم بثه للجمهور، فشكلوا شعبية واسعة تفوق ما يحصده الإعلام التقليدي المحكوم بمعايير محددة.
القاهرة - تكفي متابعة ردود الأفعال الجماهيرية على منصات التواصل الاجتماعي في مصر، لما يقدمه شخص مشهور، أو إعلامي مستبعد من الظهور التلفزيوني، بعد الانتهاء من بث حلقته اليومية أو الأسبوعية، لقياس حجم التأثير الذي أصبح عليه الإعلام الفردي في مواجهة الإعلام الجماعي التقليدي رغم إمكانياته الهائلة.
لا يتطلب الأمر أكثر من رصد عدد المتابعين للأشخاص الذين يقدمون إعلاما فرديا، مقارنة بمتابعي صفحات الصحف والقنوات الفضائية، فقد تجد عند الواحد منهم مليون متابع ومشاهد أو أكثر، وإذا طالعت صفحة برنامج شهير يقدّم على قناة يفترض أن لها ثقلا جماهيريا قد تجد ثلث هذا الرقم أو أقل.
يفسر هذا الواقع كيف أصبح الإعلام في مصر بعيدا عن ملامسة احتياجات ورغبات وطموحات الجمهور، ولم يعد أمام الكثير من الناس سوى إعلام نجوم يوتيوب الذي يبني سياسته التحريرية وفق تطلعات المتابعين، حتى تحول إلى ما يشبه منظومة تنافس المؤسسات الصحافية والتلفزيونية.
تضم هذه المنظومة شخصيات هاوية، من الذين يحلمون بأن تكون لهم شعبية عند متصفحي شبكات التواصل تمهيدا لإنشاء قناة خاصة على موقع يوتيوب يحققون من ورائها أرباحا مالية، ومذيعين وكتابا في مجالات مختلفة، معروفا عنهم أنهم من الفئة المستبعدة من الظهور على شاشات التلفزيون أو التحدث إلى الصحف، فقرروا أن يتواصلوا مع الناس من خلال صفحاتهم.
آخر هؤلاء، الإعلامي الشهير أسامة كمال، الذي أصبح يخاطب جمهوره مرتين أسبوعيا، من خلال برنامج يقدمه على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك بعد شهور قليلة على قرار إدارة شبكة قنوات “دي.أم.سي” الاستغناء عنه.
إعلام المشاهير نتيجة لابتعاد الإعلام التقليدي عن ملامسة احتياجات الجمهور في مصر ورغباته وطموحاته
حتى أن الكثير من الصحافيين المحكومين في مؤسساتهم بسياسة تحريرية ترفض التطرق إلى السلبيات، جعلوا من صفحاتهم الشخصية على منصات التواصل منبرا إعلاميا ينفذون منه إلى الناس، وينشرون بأريحية ما يتم رفضه في الصحيفة الورقية أو الرقمية إلى درجة أن بعضهم أصبح مؤثرا لدى المسؤول أكثر من الجريدة نفسها، ما جعلهم يتجهون إلى تحويل سياسة النشر من الكتابة إلى بث فيديوهات لتعزيز تأثيرهم، فأصبح المتابعون يحصلون على المعلومة من خلالهم دون الحاجة إلى تصفح الجريدة أو الموقع.
يتميز الإعلام الفردي في مصر، بأنه من يصنع لنفسه السياسة التحريرية، فلا أحد يتدخل في ما يتم بثه للجمهور، ولا توجد جهات عليا تحدد القضايا والموضوعات التي تجري مناقشتها، وهو ما يصعب تحقيقه في الإعلام التقليدي الذي يخضع لمعايير وتدخلات تصعّب من مهمة تحرره بشكل مطلق.
ما يلفت الانتباه، أن إعلام الأفراد اتجه لتسريع وتيرة الوصول إلى أكبر قاعدة جماهيرية تمكنه من المنافسة واحتلال مكانة متقدمة على الساحة، حيث يلجأ بعض الأشخاص إلى دفع مبالغ مالية لإدارة المنصة الاجتماعية، أيا كان نوعها، نظير الترويج له في صورة إعلان مدفوع الأجر لاستقطاب المزيد من المتابعين.
ويرى خبراء إعلام أن رأس المال سلاح هام للغاية في توسيع قاعدة وجماهيرية الإعلام الفردي، لأنه من الصعوبة على أعضاء هذه المنظومة أن يكونوا منافسين حقيقيين للصحف والقنوات التقليدية، دون قدرة اقتصادية توفر لهم مقومات الوصول إلى الناس، لأن الاعتماد على المشاهدات وحده ليس كافيا للانتشار.
ويقول حسن عماد مكاوي، عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة سابقا، أن القدرات المالية لبعض المنابر الفردية تهدد مستقبل الإعلام التقليدي، لاسيما إذا كان أصحابها يمتلكون كاريزما خاصة وقابلية عند الجمهور، فضلا عن تغيير السياسة التحريرية بشكل متكرر وفق رغبات المتابعين، والاحتكاك المباشر مع الشارع في القضايا الهامة.
وأضاف لـ”العرب” أن ما يميز أصحاب الصوت المنفرد على منصات التواصل، أن لديهم القدرة على استقطاب جمهور الإعلام التقليدي، فهم يركزون على ما يتم نشره وبثه بالصحف والقنوات ويقدمون العكس، أو يتحدثون في قضايا لا يتم التطرق إليها، ولأن الممنوع مرغوب، فإنهم يحققون شعبية عبر نقاش موضوعات شائكة.
وتبدو نبرة الحديث تلقائية وأكثر شجاعة، فقد ترى أحدهم يهاجم مسؤولا بضراوة ويستخدم كلمات شعبوية وتوصيفات حادة يصعب تداولها في الإعلام الرسمي، وما يساعد على زيادة شعبية هذه المنابر الفردية أن الكثير من أصحابها لديهم قاعدة تسمح لهم بالحصول على معلومات حصرية.
وقال باسم سعيد، وهو شاب ثلاثيني ويعمل موظفا بمصلحة البريد، إنه “ينتظر بشغف ما يبثه بعض النقاد الرياضيين من فيديوهات على صفحاتهم الشخصية، لأنهم يتطرقون إلى قضايا شائكة، ويتحدثون بجرأة عالية، ويقدمون معلومات موثقة، وكثيرا ما يطلبون من الجمهور تحديد الموضوعات التي يريدون التحدث فيها، فهم يشركون الناس في سياسة البث، وهذا غير موجود في الإعلام الرياضي التقليدي”.
وأوضح لـ”العرب” أن سيطرة المصالح على المنابر الرسمية، دفع البعض إلى الذهاب إلى الإعلام الفردي الذي يصنّف الجمهور على أنه المكسب الأهم، والناس بطبيعتهم يفضلون متابعة من يتحدث بلسانهم، لكن بعض الأصوات التقليدية اعتادت التحدث بلسان مالك الصحيفة أو القناة وفق خطوط يحددها وحده دون مشاركة متلقي الرسالة فيها.
تظل مشكلة الإعلام التقليدي في مصر أنه يخضع لتوجهات أثرت على مهنيته ومصداقيته، وعلى العكس من ذلك يستثمر الإعلام الفردي فرصة التحرر الكامل من هيمنة رأس المال والإدارة التي تكبل يديه أو تكمم أفواهه، حتى أصبح مؤثرا في توجهات الرأي العام، ولم يعد الأمر مجرد فيديو عابر، بل برامج إلكترونية ومنشورات دائمة يترقبها الناس بشغف.
ما يزيد مصداقية الإعلام الفردي أن بعض برامجه تقوم بإجراء مداخلات مع متخصصين للتعليق على الأحداث، حتى أن بعض أعضاء هذه المنظومة لجؤوا إلى خبراء ونقاد لا يظهرون في الصحف والقنوات بحكم أن آراءهم غير مألوفة غالبا، أو معروف أن لهم موقف من قضية بعينها، وهي أصوات يريد الجمهور سماع وجهات نظرها لمعرفة الحقيقة.
أشار مكاوي لـ”العرب” إلى أن خطورة الإعلام الفردي الخارج عن السيطرة تتعاظم عندما يكون هناك حجب للمعلومات، وتضييق على التحليل والتفسير في المنابر التقليدية، وهنا يلجأ الناس إلى الوسيلة التي نجحت في ملء هذا الفراغ، وأخطر شيء أن تستمر وسيلة إعلامية خاضعة لأجندات بعينها في عصر التكنولوجيا، لأن ذلك يجعلها غير قادرة على المنافسة.
في ظل هذا المشهد أصبح لزاما على الوسائل التقليدية أن تكيف نفسها مع الواقع، بحيث تركز على احتياجات الجمهور وليس متطلبات الأجندة التي يريدها المالك، وتكون لديها قدرة على تفسير وتحليل القضايا، والقيام بمجهود لا يستطيع الإعلام الفردي أن يقدمه، مع إتاحة المزيد من الحرية.