ممارسة الرياضة تعالج الإدمان أو تتسبب فيه

باحثون يحذّرون من الهوس المرضي باللياقة البدنية حيث يسبب مشاكل عديدة من بينها التعرض للإصابات الناتجة عن زيادة حمل التدريب وضعف جهاز المناعة إضافة إلى إهمالهم لأسرهم وأعمالهم.
الأحد 2020/01/05
تجاهل الألم خلال التمارين من أهم مؤشرات الإصابة بإدمان الرياضة

الرغبة في الحصول على قوام رشيق وبنية جسدية مثالية قد تدفع البعض إلى ممارسة التمارين بشكل مكثف. وقد تنجر عن ذلك حالة من الإجهاد الجسدي. ومع ذلك فالأشخاص الذين أدمنوا على ممارسة الرياضة بغرض الوصول إلى هدفهم المنشود، قد يتجاهلون ما يشعرون به من آلام أو إصابات.

غالبا ما يقول الخبراء إن المواظبة على ممارسة التمارين الرياضية تشكل إحدى أكثر الوصفات للأشخاص الذين يعانون من حالات الإدمان، وقد ركزوا في أبحاثهم على فكرة أن الرياضة تعزز الثقة بالنفس والكفاءة الذاتية والشعور بالسعادة، وبالتالي فهي من العوامل التي تحارب الإدمان وتحافظ على صحة الجسم.

لكن في الاتجاه المقابل يحذّر البعض الآخر من الهوس المرضي باللياقة البدنية والولع المبالغ فيه بممارسة التمارين بشكل مكثف وما قد ينجر عنه من إجهاد جسدي، ومع ذلك فالأشخاص الذين يدمنون على ممارسة الرياضة قد يتجاهلون علامات الخطر وما يشعرون به من آلام أو إصابات، وهذه هي أهم مؤشرات الإصابة بإدمان الرياضة.

ويعتبر الإدمان الرياضي نوعا من الاضطراب السلوكي الذي يفرض على البعض الانهماك المتواصل في ممارسة التمارين بغض النظر عن العواقب الضارة بصحتهم أو حالتهم العقلية أو حياتهم الاجتماعية.

وبالرغم من أن مثل هذا الاضطراب لم يدرج ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الذي تنشره الجمعية الأميركية للطب النفسي، لكنّ هناك عددا من الخبراء نبهوا للتبعات الخطيرة له على الصحة وعلى سلوك الأفراد في حياتهم اليومية.

ويرى كلاف جونز الطبيب المختص في علم النفس الرياضي بجامعة بوند الأسترالية أن علامات الإدمان على التمارين الرياضية قد تظهر تأثيرها على الجانب النفسي والعلاقات الاجتماعية للرياضيين. ويرجح جونز أن من أهم علامات الإدمان على الرياضة هي الولع الشديد بممارسة التمارين، إلى درجة أن ذلك قد يؤثر بشكل سلبي على حياة الشخص وسلوكياته وتصرفاته، بل قد يجعله يهمل علاقاته الأسرية وعمله وجميع الالتزامات المهمة في حياته، وهذا علامة قوية على المعاناة من الإدمان على الرياضة.

كلاف جونز الطبيب المختص في علم النفس الرياضي: علامات الإدمان على التمارين قد يظهر تأثيرها على الجانب النفسي

وقد أظهرت أبحاث علمية أن الأشخاص المواظبين على ممارسة بعض الرياضات مثل تدريبات كمال الأجسام يمكن أن يصابوا بحالة إدمان لتلك الرياضة وخلصت الأبحاث إلى أن السبب في ذلك قد يرجع إلى طبيعة الأجواء التي تسود صالات التدريب.

وأجرى الدكتور ديفيد سميث أستاذ علم النفس الرياضي في جامعة شيستر البريطانية بحثا حول هذا الأمر بعد إجراء مقابلات مع المئات من الأشخاص الذين يمارسون رياضة كمال الأجسام.

وأشارت نتائج بحثه إلى أن إدمان بعض اللاعبين على أداء تدريباتهم يسبب مشاكل عديدة من بينها التعرض للإصابات الناتجة عن زيادة حمل التدريب وضعف جهاز المناعة بالإضافة إلى إهمالهم لأسرهم وأعمالهم.

وأظهر البحث أن أصل المشكلة ينبع من أن الدافع لممارسة رياضة كمال الأجسام لدى الكثيرين هو عدم رضاهم عن مظهرهم البدني.

ونظرا إلى أن تدريبات كمال الأجسام تأتي بنتائج ملموسة على المظهر الجسماني لممارسيها، فإن ذلك يدفع نحو الإفراط في ممارسة التدريبات للحصول على نتائج أفضل.

ومع تلقي اللاعبين داخل صالات التدريب لعبارات الإطراء والإعجاب بما حققوه من تقدم يزداد تعلقهم بتلك الرياضة ليصل إلى حد الإدمان.

وذكر البحث أن عدم الرضا عن المظهر البدني هو نوع من انعدام الثقة في النفس الذي يولد الرغبة في سماع تعليقات الإعجاب من الآخرين.

وقال سميث إنه على الرغم من أن ممارسة رياضة كمال الأجسام من الممكن أن تكون عادة صحية للغاية، فإن إدمانها قد يؤدي إلى مشاكل صحية واجتماعية كثيرة. ووصلت درجة تعلق بعد اللاعبين بممارسة التدريبات إلى حد الامتناع عن العمل والتفرغ التام للرياضة وإهمال حياتهم الأسرية.

ويصاب بعضهم بحالة نفسية مرضية، إذ يتوهمون أن حجم عضلاتهم لا يزال صغيرا مهما حققوا من تقدم في التدريب، الأمر الذي يدفعهم إلى الإفراط في الأكل والتدريب إلى حد تدمير الذات.

ممارسة الرياضة لمدة 20 دقيقة لبضع مرات في الشهر يمكن أن يقلل خطر الموت
ممارسة الرياضة لمدة 20 دقيقة لبضع مرات في الشهر يمكن أن يقلل خطر الموت

وكلما ازدادت فترة ممارسة رياضة كمال الأجسام ارتفعت احتمالات إدمانها بين اللاعبين، ويعتبر البعض من الباحثين أن المبادئ التوجيهية للمختصين وتشديدهم على ممارسة الرياضة قد يكون أحيانا جزءا من هذه المشكلة، مطالبين الأطباء بأن ينصحوا في بعض الأحيان بممارسة الرياضة بشكل أقل.

وحذر الخبراء من أن الهدف الأسبوعي الذي يصل إلى 150 دقيقة ليس في متناول البعض، خاصة الأفراد الأكبر سنا، وأن السعي للوصول إلى هذه الأهداف يمكن أن يعني التغاضي عن فوائد التمارين الرياضية الخفيفة.

وهناك قلق بين الناس حول فعالية التمارين الرياضية ومقدار الوقت الذي يجب أن يقضيه الشخص في ممارسة هذه التمارين حتى يتمكن من تغيير جسمه نحو الأفضل.

وتوصي المبادئ التوجيهية بأن يمارس البالغون الرياضة لمدة ساعتين ونصف الساعة على الأقل أسبوعيا، خلال تمرينات تستمر لمدة عشر دقائق أو أكثر.

وفي مقالتين منفصلتين في المجلة الطبية البريطانية، طالب الخبراء بتغيير تلك التوصيات، مع زيادة التركيز على حث الأشخاص الخاملين على التحرك بصورة أكبر.

ونصح فيليب دي سوتو باريتو، الطبيب في مستشفى جامعة تولوز، الأشخاص الذين لا يتحركون كثيرا بزيادة مستويات نشاطهم  بدلا من دفعهم إلى تحقيق الأهداف الحالية.

واستشهد باريتو بدراسات سابقة تظهر أن المشي لمدة قصيرة أو ممارسة الرياضة لمدة 20 دقيقة لبضع مرات في الشهر يمكن أن يقلل خطر الموت، مقارنة بالأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة.

البعض يفرط في الأكل والتدريب إلى حد تدمير الذات
البعض يفرط في الأكل والتدريب إلى حد تدمير الذات

وفي المقالة الثانية، قال فيليب سبارلينغ، من معهد جورجيا للتكنولوجيا، إن توصيات الأطباء يجب أن تتغير وفقا لحالة كل شخص، وخاصة بالنسبة للمرضى من كبار السن.

وطالب الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاما بزيارة الطبيب لمناقشة “خيارات واقعية” لزيادة معدل ممارسة الرياضة، مثل حث الناس على الوقوف والتحرك أثناء الفترات الإعلانية في التلفزيون.

وقال كيفن فنتون، الذي يعمل في مؤسسة الصحة العامة بإنجلترا “يجب أن يكون الشخص نشيطا كل يوم، وممارسة الرياضة لمدة 10 دقائق أو أكثر لها فوائد صحية، لكن ممارسة الرياضة بشكل معتدل لمدة 150 دقيقة أو أكثر أسبوعيا هو ما نحتاجه حتى يكون هناك تأثير إيجابي على مجموعة واسعة من الظروف الصحية”.

وأضاف “هذا يشمل الحدّ من خطر الإصابة بأمراض القلب وداء السكري من النوع الثاني”.

ويوصي الخبراء كل من يرغب في بلوغ اللياقة البدنية المثلى أن يقلص من النشاطات التي يغلب عليها طابع الخمول الجسدي، كالجلوس أمام شاشة تلفاز أو كمبيوتر، ويزيد من النشاطات ذات الكثافة المرتفعة، التي تتضمن الحركة، مثل المشي وركوب الدراجات الهوائية.

ويقول الخبراء إنه بالإمكان الذهاب إلى قاعات الرياضة، والقيام بنشاطات معتدلة الفعالية دون أي مخاطرة.

غير أن النصيحة العامة والأهم هي أن ممارسة التمارين الرياضية أفضل من عدمها وأن ممارستها مرتين في اليوم أفضل من مرة واحدة، لكن الاعتدال والتواصل هما أفضل الطرق لبلوغ اللياقة البدنية المثلى.

18