مصر وإثيوبيا أمام "فرصة تاريخية" لتسوية أزمة سد النهضة

القاهرة- التقى وزراء المياه والخارجية في كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بحضور وزير الخزانة الأميركي ورئيس البنك الدولي في واشنطن، الأربعاء، لليوم الثاني على التوالي، بهدف صياغة اتفاق نهائي لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وسط تفاؤل كبير بعدم اللجوء إلى الطرف الرابع.
وقد يكون الاجتماع جولة أخيرة أو يفتح الطريق لجولات تقع على عاتق ما أصبح يعرف بالطرف الرابع، ضمن سلسلة لقاءات عقدت منذ 6 نوفمبر، بعد انضمام الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين لتبديد النقاط الخلافية.
وتباينت الآراء حول مدى قدرة كل مفاوض من الدول الثلاث على تقرير رأي يناسب تطلعات بلاده، بتقديم تنازلات أو التراجع عن بعض الطلبات لصالح بلورة اتفاق متكامل.
وعزز احتمال حضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب حفل التوقيع على الاتفاق النهائي، الرغبة لدى الأطراف المتفاوضة في حسم النقاط الخلافية التي سبق تأجيلها.
وباتت الدول الثلاث مرغمة على التوافق بعد دخول الرئيس الأميركي على خط الأزمة واللقاء مع الوفود الثلاثة مرتين في أقل من شهر، وأن وعد ترامب بحضور توقيع الاتفاق وإقامة حفل كبير في البيت الأبيض بتلك المناسبة يدلل على ثقته في اجتياز الأزمة، ويحمل رسالة غير مباشرة للأطراف الثلاثة مفادها لن يعود أحد إلى بلده دون اتفاق.
يتبلور الهيكل الأساسي لأي اتفاق متعلق بسد النهضة حول شمولية التعاون في قواعد التشغيل وآليات التطبيق وكميات التصرف باعتبارها نقاطا فاصلة
ويقول متابعون، إن الفرصة سانحة لحصول مصر على ضمانات مبدئية تبدد المخاوف من انخفاض منسوب مياه النيل، وكذلك إثيوبيا التي تسعى إلى إنتاج الكهرباء من سد النهضة مع نهاية العام الجاري.
وخرجت الاجتماعات لسد النهضة الأخيرة بالخرطوم حاملة دلالة مفادها أن هناك اتجاها لدى الأطراف المتنازعة لضرورة التوصل لحل وآلية تفاهم نهائية، بعد أن عجزت لجان التفاوض في التوصل لمسودة نهائية لاتفاق شامل، ودارت خلافات كبيرة حول وضع آلية لفض المنازعات مستقبلا مع طول أمد عملية ملء وتشغيل سد النهضة.
وحذر بعض المراقبين، من المبالغة في التفاؤل، لأن هناك خلافات جوهرية بين القاهرة وأديس أبابا تتعلق بإلزام الثانية بالحفاظ على كميات المياه المتدفقة بشكل سنوي، ورفضها أي إدارة مشتركة للسد باعتباره عملا يخل بسيادتها.
وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، مصطفى رجب، إن قضية سد النهضة تبدو أقرب من أي وقت مضى للحل، وهذا يعني إمكانية تجاوز العقبات بقليل من التفاهمات المشتركة.
وأضاف لـ”العرب”، أن مصر عليها تعويض النقص من مخزون بحيرة ناصر وزيادة كفاءة استخدام المياه، ولن يحدث ذلك إلا بوضع كميات محددة من المياه المتدفقة إلى مصر والسودان كي لا يكون الأمر كارثيا في المستقبل. وأوضح أن آلية فض المنازعات ضرورة لا تقبل التفاوض، لأن تاريخ البلدان الثلاثة في التشاور سلبي للغاية.
ويتبلور الهيكل الأساسي لأي اتفاق متعلق بسد النهضة حول شمولية التعاون في قواعد التشغيل وآليات التطبيق وكميات التصرف باعتبارها نقاطا فاصلة، فمصر تحتاج نحو 40 مليار متر مكعب من المياه سنويا على الأقل لأراضيها الزراعية. ويتبنى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، حامد التجاني، رأيا مشابها للحكومة السودانية التي ترى أن البوادر تشير إلى قرب انتهاء تلك الأزمة المعقدة.
وأوضح التيجاني، وهو خبير سوداني مقيم في القاهرة، لـ”العرب”، أن هناك نقطتين هما المكون الرئيسي للاتفاق النهائي، أولاهما: وضع مرجعية فنية قانونية تنشأ عند إعادة ضبط سياسة تشغيل السد بسبب التغيرات في كمية الفيضان من عام لآخر أو من فترة لأخرى.
والنقطة الثانية، تتعلق بالتفاهم حول الإجراءات الواجب اتباعها للتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد، بما يؤمن عدم الإضرار بالمصالح المائية السودانية والمصرية. ولفت التجاني، إلى أن السودان لعب دورا مهما في المفاوضات، وبات لاعبا مؤثرا، قائلا “الخرطوم لم تنجرف خلف طرف على حساب الآخر، ولم تسقط في فخ التصريحات المسيئة والصدامية، وأدركت منذ بداية مفاوضات سد النهضة أن المسألة لن تحل برمتها دون فصل السياسة عن الشؤون الفنية”.
عزز احتمال حضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب حفل التوقيع على الاتفاق النهائي، الرغبة لدى الأطراف المتفاوضة في حسم النقاط الخلافية التي سبق تأجيلها
وعبرت وزيرة الخارجية السودانية، أسماء عبدالله، عن تفاؤلها في أن تصل الدول الثلاث إلى اتفاق شامل حول سد النهضة، لأنها حريصة على التفاهم، ولديها رغبة حقيقية للإنجاز.
في المقابل، أبدى وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، محمد نصرالدين علام، عدم حماسة لفرص تحقيق اتفاق في هذه الجولة، قائلا “مسألة إتمام اتفاق نهائي قد تؤجل بسبب انشغال الجانب الأميركي بقضية صفقة القرن وردود الأفعال بشأنها، لكن أيضا هناك بوادر إيجابية بتبديد النقاط الخلافية بين مصر وإثيوبيا خلال الاجتماع
الجاري”.
وتوقع في تصريح لـ”العرب”، أن يتم تأجيل العديد من النقاط العالقة إلى اجتماعات أخرى، مقابل تقديم مقايضات بعيدة عن النقاط الأساسية لتمرير اتفاق.