مصر تلجأ للدبلوماسية الشعبية لتحسين صورتها بالخارج

القاهرة – تستعد الحكومة المصرية لتفعيل ورقة الدبلوماسية الشعبية لتخفيف الضغوط عليها في ملف الحريات وحقوق الإنسان، حيث استشعرت أن الردود الرسمية لم تحرز النتائج المرجوة، وأخفقت في تغيير قناعات جهات دولية بهذا الملف الذي تحول إلى صداع للقاهرة.
وأرسلت الحكومة إشارات لعدد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والأحزاب وأعضاء في البرلمان للاستعداد للقيام بجولات خارجية قريبا في سبيل شرح وجهة نظرها وإجراء حوارات مع مراكز أبحاث ووسائل إعلام ونشطاء في المجتمع المدني.
وعلمت “العرب” أن هذا التوجه يشمل تحركا أيضا على مستوى أعضاء الكونغرس الأميركي من المعروفين بمواقفهم المعادية للنهج المصري في ملف الحريات، أملا في تقديم صورة مختلفة عما يصل بعضهم من معلومات “مشوهة” عبر وسائل إعلام وشخصيات مصرية معارضة.
وواجهت القاهرة انتقادات شديدة الفترة الماضية في مجال حقوق الإنسان، ولم تفلح الردود الرسمية في تغيير قناعات أصحابها، ولم تقتنع الحكومة بتغيير طريقتها وتبني خطوات واسعة تهيئ الأجواء لإصلاحات سياسية تتماشى مع نظيرتها الاقتصادية التي قطعت شوطا كبيرا.
وأعلن رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات إطلاق مبادرة جديدة تحت اسم “مجموعة الحوار الدولي”، حاملة شعار “بالمنطق والحكمة.. وبالدليل والبرهان”، في إشارة إلى أن ما تتعرض له الدولة من اتهامات غير حقيقي ويجانب الصواب.
وقال السادات، وهو ابن شقيق الرئيس المصري الراحل أنور السادات، في تصريح لـ”العرب” إن المبادرة تضم عددا من ممثلي الأحزاب والمجتمع المدني وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، بغرض بناء جسور ثقة مع الشركاء الدوليين في بعض القضايا محل الجدل والخلاف.
وأضاف أن الهدف من التحرك توضيح الحقائق ودحض الشائعات وتصويب البيانات المغلوطة، وتلك التي تحوي مُبالغات تحتاج إلى مُراجعة وتدقيق، والبحث في معنى الانتقادات بالحوار مع قنوات رسمية وشعبية.
وتعتزم أطراف المبادرة القيام ببعض الأنشطة اللافتة لخلق مناخ من التعاون عبر الاستفادة من الخبرات والتجارب المختلفة في إطار من احترام القانون والدستور والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
ورغم أن المبادرة من المتوقع أن تتبلور في شكل خطوات محددة الفترة المقبلة راعت التنوع في الانتماء الحزبي والسياسي والديني لأعضائها، إلا أن السمة العامة هي انتماء الغالبية لأحزاب وشخصيات مؤيدة وقريبة من الحكومة، حتى لو حاولت التدثر برداء المعارضة.
ومن أبرز الأعضاء: السفيرة مشيرة خطاب كممثلة للمجتمع المدني، وهي وزيرة سابقة للأسرة والسكان، والنائب أشرف ثابت، عضو مجلس الشيوخ، والقيادي بحزب النور السلفي، والنائبة سحر البزار، وهي عضو مجلس النواب ووكيلة لجنة العلاقات الخارجية به، وعملت كمستشار للبنك الدولي وعضو بحزب مستقبل وطن.
علاوة على النائب إيهاب رمزي، وهو قبطي ومحام وأستاذ للقانون الجنائي وينتمي لحزب الشعب الجمهوري، والنائبة فضية سالم عضو مجلس النواب وأمينة المرأة في حزب مستقبل وطن بمحافظة سيناء، والإعلامي يوسف الحسيني عضو مجلس النواب وكيل لجنة الإعلام والثقافة بالمجلس.
وأكد السادات لـ”العرب” أن المبادرة اجتهاد من مجموعة تمثل أطيافا سياسية ومجتمعية بدأت في التشاور منذ نحو شهرين، وجميع الأسماء من المهمومين بالتقارير الحقوقية الخاصة بمصر وقضية الحريات، وتسير جهودهم بالتوازي مع جهود الدولة.
وتهتم المبادرة بملفات محلية أيضا تتعلق بمظالم وشكاوى الناس من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتتحرك داخليا عبر إجراءات تحضيرية لحين تتاح فرصة السفر والقيام بزيارات خارجية للولايات المتحدة ولقاء شخصيات مختلفة هناك فضلا عن بعض الدول الأوروبية.
ويعتزم أعضاء المبادرة عقد لقاءات مع بعض ممثلي الأحزاب والمجتمع المدني ومسؤولين في الدولة تمهيدا لتنفيذ خطة العمل على المستوى الخارجي لتشجيع الحوار والتعرف على الرؤى والتحفظات بشأن ملف الحريات، والعمل على تصويبها من خلال حوار آخر مع مؤسسات الدولة.
وأوضح السادات أن أعضاء المبادرة اقتربوا من وضع اللمسات الأخيرة لخطتهم، وسيتم الإعلان عنها قريبا، وكلهم ثقة في إحداث اختراق في التوجهات الخاطئة عن مصر وتقديم صورة حقيقية.
ورغم أن القائمين على المبادرة يؤكدون أنها جاءت نتيجة جهود شخصية، غير أن مراقبين يرون صعوبة خروجها للنور من دون أن تتلقى ضوءا أخضر من السلطات الرسمية.
وشكك هؤلاء في إمكانية نجاح هذه المهمة، لأن الأوراق التي تعتمد عليها ذات طابع عاطفي لا يصلح في الأمور السياسية الشائكة، ولا يفيد في الوصول للأهداف النهائية، كما أن التجارب السابقة لم تكن موفقة.
مراقبون يشكّكون في إمكانية نجاح هذه المهمة، لأن الأوراق التي تعتمد عليها ذات طابع عاطفي لا يصلح في الأمور السياسية الشائكة
وأشار السادات إلى أنه “لم يحدث اعتراض من قبل أجهزة الدولة، وهذا أمر مهم وباعث على الأمل، وكل الأطراف المشاركة ضمن المبادرة ينتمون إلى جهات مختلفة، وكل شخص في مكانه سأل الجهة التي ينتمي لها حول إمكانية المشاركة من عدمه ولم يجد ممانعة، وربما على العكس وجد ترحيبا، باعتبار أن المبادرة تصب في خانة الإصلاح”.
ويظل التحدي الحقيقي لأعضاء المبادرة لتأكيد شفافيتها حدوث تغييرات في الواقع، خاصة في ما يتعلق بقضايا الحريات، وتفعيل دور الأحزاب والنقابات، وعقد شراكات بين المجتمع وأجهزة الدولة تصب في صالح إنهاء الخصومة بين الطرفين، وفتح المجال العام.
ويقول متابعون إن هذه النوعية من الجهود تبدو “مجرد مساحيق سياسية لتجميل صورة النظام أمام المجتمع الدولي في ظل اتهامات مستمرة بوقوع انتهاكات حقوقية، ومرجح أن يفقد أطرافها مصداقيتهم لصعوبة المهمة التي يتصدون لها”.
وذكر الخبير بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عمرو الشوبكي لـ”العرب”، أن نجاح مثل هذه النوعية من المبادرات وتحقيق أهدافها ينبغي أن يكون متزامنا مع تحولات في المشهد السياسي، ومنح دفقة نشاط للأحزاب السياسية والمجتمع المدني لممارسة أدوارهم في حرية، فالتحرك الذي سيقوم به أصحاب المبادرة قد يتحول إلى مشروع علاقات عامة.
وتعرض السادات لهجوم خلال الفترة الماضية بسبب تحركاته وتدخلاته للإفراج عن محتجزين ومحبوسين احتياطيين على ذمة بعض القضايا، من سياسيين وصحافيين ونشطاء في المجتمع المدني ومهتمين بالشأن العام عموما.
وأوحى خصومه أن تحركاته جاءت بإيعاز من بعض الأجهزة الرسمية، وهو ما نفاه واعتبره مكايدة سياسية من بعض الأشخاص المحسوبين على جهات معارضة لإخفاقهم في تحريك هذا الملف على مدار سنوات.