مصر تتحرك لمواجهة العنف الأسري ضد الأطفال بالقانون

البرلمان المصري يناقش تشريعا يقر عقوبات صارمة للحد من أساليب التربية الخاطئة.
الثلاثاء 2021/11/23
تعنيف الأطفال فعل انتقامي أكثر من كونه تقويما للسلوك

تسعى المؤسسة التشريعية في مصر للحد من ظاهرة تعنيف الأطفال من طرف أسرهم وهي بصدد مناقشة قانون يقضي بمعاقبة الآباء الذين يمارسون العنف ضد الأبناء. ويرى المتخصصون أن هذه الخطوة لن تكون ناجعة إلا ذا أردفت بوعي أسري لا يرى في العنف وسيلة لتقويم سلوك الأبناء.

القاهرة- لم يعد أمام المؤسسات الرسمية في مصر إلا إصدار تشريع يتضمن بنودا صارمة توقف العنف الأسري تجاه الأطفال بعد أن تحول الإيذاء البدني والنفسي الذي يصل أحيانا إلى القتل إلى ظاهرة مجتمعية تصعب السيطرة عليها، وأصبحت أرقام صغار السن الذين يواجهون أشكالامختلفة من العنف الجسدي في تزايد ملحوظ.

ويناقش مجلس النواب مقترحا قانونيا تقدم به عدد من الأعضاء يقضي بمعاقبة الآباء الذين يمارسون العنف ضد الأبناء، وهو أول تحرك رسمي في مصر يتصدى بالقانون لوقائع الضرب وتعذيب الصغار بدعوى تأديبهم وتقويم سلوكياتهم، وهو المقترح الذي تم إدراجه على الأجندة التشريعية لمناقشته على وجه السرعة.

وطوال السنوات الماضية لم تكن حوادث العنف الأسري ضد الأطفال تلقي بأرباب الأسر في دوامة المساءلة القانونية إلا إذا تعرض الطفل للقتل على يد أحد والديه، وصارت مثل هذه الجرائم موجودة بشكل قد يصل فيه التعذيب بدافع التأديب إلى الموت، وآخرها الواقعة التي شهدها حي المرج شمال القاهرة يوم الجمعة الماضي.

محمد هاني: الأمر بحاجة إلى استراتيجية متكاملة لحماية الصغار من الأذى

وأقدم الأب على تعذيب ابنه بالضرب المبرح لمجرد أنه شك في قيامه بسرقة مبلغ مالي منه، ولم يتوقف عن الاعتداء البدني عليه إلا عندما سقط أرضا ولفظ أنفاسه الأخيرة.

وهناك الكثير من الوقائع المماثلة والجرائم من هذا النوع التي تحدث بشكل متكرر ما دفع البرلمان إلى التحرك لإقرار مواد قانونية توقف تصرفات الأسرة القاتلة وترفع يدها عن أذى الأبناء.

ويتلخص نقاش النواب في إجراء تعديلات على قانون الطفل، وتحديدا المادة 96 منه، على أن تنص في صيغتها الجديدة على أنه في حالة حدوث إصابة الطفل بجرح أو ضرب نشأ عنه قطع أو انفصال عضو فقد منفعته أو نشأ عنه كف البصر أو فقد إحدى العينين أو نشأت عنه عاهة مستديمة يستحيل شفاؤها “يعاقب بالسجن من ثلاث إلى خمس سنوات، وفي حالة ترتب عليها وفاة الطفل نتيجة إهمال متعمد من جانب أحد الأبوين أو الوصي أو ولي الأمر تصبح العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات”.

ولم يسبق أن وضعت مصر قانونا يجرم إهمال الأسرة لأطفالها، بل اكتفت التشريعات المعمول بها بمعاقبة من يرتكب انتهاكا في حق الصغار بالحبس عدة أشهر، وفي حالة الوفاة نتيجة الإهمال الأسري يحرر تجاهه محضر إداري ويتم حفظه وتبرئة المتهم، بدعوى “مراعاة مشاعر الأبوين لفقدهما طفلهما”.

وما يلفت الانتباه أن هناك حالة من التذمر لدى بعض أرباب الأسر منذ الإعلان عن مناقشة البرلمان لتشريع يُعاقب الأب المعتدي على أولاده.

وتتحجج هذه الأصوات عند رفضها إقرار هذا التشريع بأن الآباء من حقهم معاقبة الأبناء على سوء سلوكياتهم، ويختارون الوسيلة الأنسب في التأديب، ما يعكس أن ثقافة العنف متجذرة ولها مبرراتها.

وإذا كان تدخل الدولة بمؤسساتها التشريعية لحماية الأطفال من العنف الأسري مطلوبا، فإن حالة الرفض الأسري من قبل بعض العائلات للتشريع في مجمله تعكس أنه سيكون من الصعب حماية الصغار من بطش الأسرة فقط بالقانون، فطالما يوجد من يبررون العنف من السهل عليهم القيام به بعيدا عن أعين السلطات.

وقال أحمد مصيلحي رئيس شبكة الدفاع عن الطفل المصري إن الأزمة الحقيقية في عقلية أرباب الأسر التي تُدمن العنف ضد أولادها، فهؤلاء من الصعب ترهيبهم بالتراجع عن تصرفاتهم من خلال النصوص القانونية، بل بوجود خطاب توعوي يناسب عقولهم وثقافتهم ويمحو الميراث الراسخ في أذهانهم حول ربط العنف بالتأديب.

أحمد مصيلحي: الأزمة الحقيقية تكمن في عقلية الأسر التي تُدمن العنف ضد أولادها

وأضاف لـ”العرب” أن كل من يرفضون إقرار تشريع يُعاقب من يمارسون العنف ضد أولادهم هم أول من يرتكبون الاعتداء البدني ضد الصغار، والخطر الأكبر أن الكثير من أرباب الأسر يتعاملون مع الأبناء بمنطق الملكية الخاصة ليمنحوا لأنفسهم الحق المطلق في التأديب وتقويم السلوك بأي طريقة، وليس لأي جهة أخرى التدخل.

ورغم جهود الحكومة في مواجهة العنف ضد الأطفال، لكنها ما زالت متهمة في نظر كثيرين بأنها تخاذلت عن إقرار استراتيجية تعيد تأهيل الأهالي وتوعيتهم بطرق التربية المتحضرة، سواء عبر الإعلام أو الأعمال الفنية أو تضمين المناهج الدراسية بوسائل التربية الصحيحة، على الأقل لتغيير عقول الشباب والفتيات الذين هم أرباب الأسر مستقبلا.

ويعتقد المؤيدون لهذا الطرح أن التعويل على القانون وحده لمواجهة العنف الأسري ضد الصغار لن يُجدي نفعا، طالما أن الأمر في النهاية مرتبط بسلوكيات وقناعات متوارثة بدليل أن هناك تشريعات أخرى صارمة لمحاربة الزواج المبكر وختان الإناث وحرمان الأطفال من التعليم، ولم يتم القضاء على كل هذه الظواهر السلبية بالقوانين.

وأزمة البعض من الأسر في مصر أنها مقتنعة تماما بأن التربية القائمة على العنف والترهيب وكسر شوكة الأطفال هي الأسلوب الصحيح والأمثل، ليكون لديهم رهبة من ارتكاب أي فعل مشين يقود إلى تشويه صورة العائلة بأكملها، ولا يقتنع أرباب هذه الأسر بأن الحوار والمصارحة وإقامة صداقات مع الأبناء تجعل الصغار أكثر حرصا على تجنب التصرفات الخاطئة.

وذهب متخصصون في الطب النفسي إلى أن جفاء العلاقة بين الآباء والأبناء، وتصيد أرباب الأسر لأخطاء صغارهم، مرتبطان بتراكم الأزمات والفشل في الأمور الحياتية، وحينها قد يشعر الأب بأن أولاده جزء من مشكلاته، وهنا لا يكون قادرا على ضبط ثباته الانفعالي في التعامل معهم كنوع من الانتقام، وليس تقويما للسلوك.

وإذا نجح التشريع الجديد في ترهيب الكثير من الأسر خشية التعرض للحبس إذا اعتدت على أولادها، فهناك أساليب أخرى تكاد تكون قاتلة وأكثر أذى من الضرب المبرح والعنف الجسدي، مثل حبس الأبناء في غرف لتأديبهم، وحرمانهم من المصروفات، وتقييد تحركاتهم، ومنعهم من الاختلاط بأحد، وهذه أساليب سبق وأن قادت أطفالا إلى الانتحار.

حوادث العنف الأسري ضد الأطفال لم تكن تلقي بأرباب الأسر في دوامة المساءلة القانونية إلا إذا تعرض الطفل للقتل

وأكد محمد هاني استشاري الصحة النفسية وتقويم السلوك أن إدمان العنف لدى أرباب الأسر مرتبط بميراث خاطئ ومتجذر حول التربية، والأمر بحاجة إلى استراتيجية متكاملة لحماية الصغار من الأذى والترهيب، لأنهم عندما يكبرون سوف يكونون أكثر عنفا، ما يشكل خطرا على المجتمع بأسره، وأولادهم مستقبلا سيدفعون نفس الفاتورة.

وأوضح لـ”العرب” أن العنف الأسري يولد شعور الأطفال بالكبت والإحباط والاستسلام لفكرة الانتحار وقد يجعلهم غير قادرين على مواجهة الأذى خارج المنزل، وهذه مشكلة أكبر، بالتالي فسلاح الردع مطلوب ليكون رسالة لكل أسرة تتعامل مع أولادها باستسهال الأذى، أو أنهم ملكية خاصة تفعل بهم ما تشاء، وهذه المفاهيم كارثية ومن الضروري تغييرها.

وتشير دراسات نفسية واجتماعية إلى أن الآباء المتورطين في جرائم عنف بحق أولادهم تعرضوا في الصغر لنفس الأسلوب عند التربية، وهؤلاء يريدون عندما يكونون أرباب أسر أن يردوا اعتبارهم بتوجيه العنف ضد أطفالهم، ويفترض أن تكون هذه هي الرسالة التوعوية الموجهة إلى الأهالي لإقناعهم بأن التربية القائمة على الأذى يدفع الجميع ثمنها مستقبلا.

17