مصر أمام تحدي كسر البيروقراطية لتنمية الاستثمار

انتشار الرقمنة في الأداء الحكومي وفي قطاعات مختلفة يفرض على الدولة إحياء مشروع الشباك الواحد لأنه السبيل الأمثل للقضاء على البيروقراطية.
الجمعة 2021/04/02
لماذا نحتاج كل هذه الوثائق؟

لا تزال البيروقراطية العتيقة تهدد مناخ الاستثمار في مصر، ورغم مبادرات تأسيس نظام الشباك الواحد لإنهاء كافة الإجراءات التي تتعلق بالأنشطة الاستثمارية، إلا أن جذور البيروقراطية العميقة تقف حائلا أمام تسريع وتيرة الأعمال وتتحدى رقمنة الخدمات.

القاهرة- كشفت عملية استدعاء مصلحة الضرائب العقارية للمصريين مجددا، سواء من الأفراد أو المؤسسات لتقديم إقراراتهم بشأن تملك الوحدات السكنية، عن فجوة بين شعارات رقمنة الخدمات ونظام الشباك الواحد لإنهاء جميع الإجراءات، وواقع التعامل مع الخدمات الحكومية.

وأصدرت المصلحة تعليمات تلزم الجميع الذهاب مجددا إلى مقراتها في جميع أرجاء مصر لتقديم إقرار ورقي يحصي ملكيتهم العقارية، بهدف حصر الثروة العقارية لمصر، ومعاملتها ضريبيا.

وتعد هذه الدعوة الثانية، رغم أن قانون الضريبة العقارية يلزم أصحاب العقارات بتقديم إقرار كل خمس سنوات.

ويتزامن هذا التحرك مع تطبيق الحكومة لنظم إلكترونية في منظومة الإقرارات الضريبية، على الدخل، إلا أنها لم تطبقها في قطاع العقارات، في الوقت الذي أعلنت فيه عن تطبيق رقم قومي للعقارات لحصرها والسيطرة على حركة تداولاتها بيعا وشراء في سوق العقارات.

هشام كمال: المشكلة تكمن في اشتباك المستثمرين مع الأجهزة الإدارية

وتعلن القاهرة مرارا عن تطبيق نظام الشباك الواحد لإنهاء جميع الإجراءات الحكومية، غير أن التطبيق العملي يكشف خلاف ذلك.

ويشكو البعض من المستثمرين بسبب كثرة المتاهات الإدارية وضياع الوقت الذي تستغرقه عمليات التراخيص والتصاريح اللازمة لبدء أي مشروع اقتصادي، وهو ما دفع البعض إلى التردد في ضخ استثمارات كبيرة خوفا من هذا النوع من العراقيل التي تؤثر سلبا على مناخ الاستثمار العام والفرص الواعدة التي تبشر بها الحكومة.

ورصدت دراسة لوزير قطاع الأعمال المصري الأسبق مختار خطاب عقبات أساسية تعد الأخطر أمام الاستثمار في البلاد، أهمها التعقيدات البيروقراطية التي تواجه المستثمر أثناء التعامل مع الأجهزة الحكومية للحصول على موافقات تأسيس مشروعة.

وتقتضي عمليات تأسيس وتشغيل المصنع موافقات من الهيئة العامة للاستثمار، بالإضافة إلى هيئة التنميةالصناعية، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وأجهزة الرقابة الصناعية والبيئة، والدفاع المدني، والتأمينات الاجتماعية وغيرها.

وتبنت القاهرة فكرة الشباك الواحد قبل 26 عاما واصطدم بحزم من التشريعات المتعارضة جعلته حبرا على ورق، وعجز قانون الاستثمار الموحد عن تفعيله بالشكل الذي يلبي طموحات المستثمرين.

ورغم إعلان القاهرة عن أجندة استثمارية أمام رؤوس الأموال المحلية والأجنبية إلا أن تفعيل نظام الشباك الواحد لا يزال يصطدم بتشريعات بالية يصل عمرها في بعض القطاعات لأكثر من خمسة عقود.

وتحتاج القاهرة إلى ثورة على التشريعات التي تقوض حركة الاستثمارات، لإنعاش اقتصادها وتعويض التراجع الملحوظ في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث رصدت مؤشرات ميزان المدفوعات المصري عن الربع الأول من العام المالي الحالي تراجع حجم الاستثمار الأجنبي إلى 1.6 مليار دولار مقارنة بنحو 2.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.

قال أسامة حفيلة، نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، إن منظومة الشباك الواحد غير مطبقة في مصر، لأنه يتطلب وجود أفراد ممثلين لكل الجهات المعنية بالاستثمار في مكان واحد، ويمكنهم اتخاذ قرار حيني لأي مطالب يحتاجها المستثمر.

وأضاف لـ”العرب” أن هناك جهات حكومية تدعي تطبيق منظومة الشباك الواحد، عبر تواجد مندوب للهيئات المسؤولة عن منح التراخيص والاستثمار في مكان واحد، ثم يرسل هؤلاء الموظفون أوراق المستثمرين إلى جهاتهم ليتم النظر فيها بعد فترة معينة، وقد تُقبل أو تُرفض، وتعد هذه الطريقة بمثابة نقل للأوراق فقط، ويمارس الموظفون دورا مثل ساعي البريد، دون حل المشكلات.

وتقدم الهيئة العامة للاستثمار، نموذجًا مصغرا للشباك الواحد، لكنه على نطاق محدود جدا في أنشطة محددة مثل تأسيس الشركات، لكن ينقصه الجزء الأهم في المنظومة الاستثمارية والصناعية وهو تمثيل الهيئة العامة للتنمية الصناعية، ويكشف ذلك عن خلل في المنظومة الإجرائية.

أسامة حفيلة: المنظومة غير مطبقة والموظفون يمارسون دور ساعي البريد

تتبع الهيئة العامة للتنمية الصناعية وزارة التجارة والصناعة، وبالتالي فالمستثمر يتعامل مع كل وزارة على حدة دون تنسيق حكومي يختصر الوقت والجهد.

يعكس غياب نظام الشباك الواحد حالة من الضبابية في منظومة الاستثمار، وعكس ذلك خلال الفترة الماضية، قيام هيئة الاستثمار بطرح خارطة استثمارية بالمشروعات والفرص المتاحة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، تبعها بفترة وجيزة إعلان وزارة التجارة والصناعة أيضا عن خارطة أخرى بالفرص الصناعية في مصر.

يؤدي هذا الخلاف لتعقيدات إدارية وبيروقراطية، تصل إلى حد هروب الاستثمارات، ومن ثم ضياع العديد من فرص الاستثمار المحلية والأجنبية.

وعرض الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين إنشاء فروع لهيئة التنمية الصناعية بمقرات أجهزة المدن الجديدة، للتغلب على فترات الانتظار الطويلة للحصول على رخصة السجل الصناعي والتي تصل في بعض الأحيان لنحو ثلاثة أشهر، لكن مبادرته لم تلق أي قبول.

وأوضح هشام كمال رئيس جمعية مستثمري الألف مصنع بالقاهرة الجديدة، أن القانون منح الهيئة العامة للتنمية الصناعية، حق منح رخص التشغيل والسجل الصناعي للمصانع دون الرجوع لأجهزة المدن والمحليات في خطوة تشبه التعامل بنظام الشباك الواحد.

وأشار لـ”العرب” إلى أن المشكلة تكمن في اشتباك المستثمرين مع الأجهزة الإدارية في المدن الجديدة إلى جانب البلديات، والتي لديها قدره فائقة على تصدير مشكلات يومية لأصحاب الاستثمارات.

تعلم الحكومة جيدا حلقات البيروقراطية العميقة وأعدت تشريعا خاصا للمنطقة الاقتصادية في قناة السويس، ومنحت إدارتها جميع السلطات في اتخاذ القرارات التي تيسر على المستثمرين.

وخرجت عبر هذه التجربة من دائرة المشكلات التي تشهدها ساحة الاستثمار، بعد أن منحت المنطقة الاقتصادية طبيعة خاصة، واستطاعت من خلال تلك الفورة جذب رؤوس أموال أجنبية مباشرة.

لكن يظل التحدي قائما لماذا لا تطبق القاهرة تجربة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس على جميع المدن الصناعية في عمليات تحقق السهولة وسرعة الإجراءات بدلا من بيروقراطية الأداء التي لا تتناسب مع حرية وسرعة حركة الاستثمارات.

القاهرة تحتاج إلى ثورة على التشريعات التي تقوض حركة الاستثمارات، لإنعاش اقتصادها وتعويض التراجع الملحوظ في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة

تمتلك القاهرة مقومات نجاح هذه التجربة بعد أن قطعت شوطا كبيرا في عمليات الرقمنة، والمدفوعات عن بعد، وأصبحت جاهزة لمواجهة حلقات الفساد بشكل أكثر كفاءة، مقارنة بالفترات الماضية والتي كانت تتسم بالتعاملات النقدية، مما كان يفتح الباب للرشاوى وتعطيل مصالح المستثمرين حال الامتناع عن الدفع.

ويعول خبراء على أن انتشار الرقمنة في الأداء الحكومي وفي قطاعات مختلفة يفرض عليها إحياء مشروع الشباك الواحد، لأنه السبيل الأمثل للقضاء على البيروقراطية ويتناسب مع المنظومة الجديدة التي أدخلتها مؤخرا، وحققت نجاحات في الجهات التي تعمل بها، فليس من المنطقي أن يستمر تعدد المنافذ في وقت تتجه في أجهزة الدولة لاختصار الوقت على المستثمرين وتوفير وسائل متباينة لجذبهم للبلاد.

11