متاهة الحوافز الضريبية التونسية تعرقل انتعاش الاستثمارات

تقاطع القوانين والبيروقراطية والفساد تفاقم متاعب مناخ الأعمال، ومحاولات حكومية يائسة لترتيب ملفات العشوائية الضريبية.
الاثنين 2018/07/02
مشاريع استراتيجية تحت مظلة الحوافز الضريبية

تونس – سلط خبراء المال في تونس الضوء على الثغرات التي لا تزال تقف حجر عثرة أمام تحقيق قفزة في مجال الاستثمار رغم التشجيعات الضريبية، التي تم إقرارها في قانون الاستثمار الجديد العام الماضي.

وتحاول الحكومة استقطاب المزيد من الاستثمارات، التي تعد إحدى قاطرات النمو الاقتصادي المتعثر بهدف تعزيز موارد الدولة الضعيفة، فضلا عن معالجة قضية التهرب الضريبي المزعجة.

واتسع قلق الأوساط المالية من تراجع قيمة الدينار إلى مستويات قياسية أمام العملات الرئيسية وتبخر احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة، وتزايدت التحذيرات من الانعكاسات الخطيرة لهذا الانحدار، الذي يعكس خللا في التوازنات المالية، في ظل ارتفاع مستوى التضخم وشلل معظم محركات النمو.

وسعى اقتصاديون خلال ندوة نظمتها مؤخرا وكالة النهوض بالصناعة والتجديد تحت عنوان “المؤسسات التونسية والامتيازات الجبائية: بين الموجود والمنشود” إلى بلورة خطة موحدة واضحة لتحفيز الشركات المحلية على ضخ المزيد من الأموال في السوق لإحداث هزة في نشاط الأعمال.

واعتبرت أسماء المسعودي، رئيسة وحدة بالإدارة العامة للدراسات والتشريع الجبائي بوزارة المالية، أن قانون الاستثمار الجديد قضى على جزء كبير من الضبابية في القانون السابق ومهد الطريق أمام الشركات وخاصة الناشئة منها لتأسيس مشروعاتها انطلاقا من الحوافز الضريبية.

ويتمحور الإصلاح الضريبي حول توجيه منظومة الحوافز لتنمية المناطق الداخلية ودعم المستثمرين الجدد بطرح كامل أو جزئي للضرائب وذلك حسب أماكن استثماراتهم.

380 مليون دولار حجم الحوافز والتسهيلات الضريبية التي تقدمها تونس سنويا للقطاع الخاص

وقالت المسعودي في مداخلتها إن “الهدف هو تحفيز قطاعات معينة بهدف القضاء على العشوائية الضريبية وستكون للزراعة والتصدير وتنمية المناطق الداخلية الأولوية”.

وأشارت إلى أن الحوافز الضريبية لا تشمل الشركات العاملة في السوق المحلية أو تلك التي تأسست حديثا فقط، وإنما يمكن للشركات المتعثرة أن تستفيد من هذه التشجيعات حتى تعود إلى النشـاط من جديد.

وتعول السلطات على المشروعات التي تساهم في تحقيق إحدى ركائز الاقتصاد عبر الزيادة في القيمة المضافة والقدرة التنافسية والتصديرية والابتكار من أجل توفير المزيد من فرص العمل للشباب وتحقيق تنمية مندمجة ومتوازنة ومستدامة في كافة المحافظات.

ويوفر قانون الاستثمار إطارا قانونيا متماسكا يحمي رجال الأعمال بفضل سياسة الحوكمة للاستفادة من التشجيعات الضريبية مع إقرار مبدأ المساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب، وخاصة ضمان تحويل أموالهم إلى الخارج بالعملة الصعبة، وفق قانون الصرف الحالي.

ولكن بعض الخبراء يرون أن أسلوب السلطات في التعامل مع هذا الملف الحساس به قصور ولا يتيح جذب المزيد من الاستثمارات بالنظر لبطء الإجراءات الإدارية قبل حصول المستثمرين على الموافقات.

ويرجع البعض استمرار البيروقراطية إلى تفشي الفساد الإداري في العديد من هياكل الدولة، ما أدى في نهاية المطاف إلى تفاقم ظاهرة التجارة الموازية، التي كبدت خزينة الدولة خسائر بالمليارات من الدولارات سنويا في الأعوام السبعة الأخيرة.

ويقول عماد الوريمي، النائب الأول لرئيس هيثة الخبراء المحاسبين، إن تشتت التشريعات والإجراءات المنظمة للحوافز الضريبية المتوزعة بين قانون الاستثمار والموازنة السنوية والتكميلية يجعل المستثمرين يصرفون النظر عن ضخ أموالهم.

عماد الوريمي: يجب وضع التشريعات التي تنظم الحوافز الضريبية في منصة موحدة
عماد الوريمي: يجب وضع التشريعات التي تنظم الحوافز الضريبية في منصة موحدة

وأكد أنه من الضروري اعتماد منصة موحدة لكل تلك القوانين مع مراقبة الحوافز وحصرها لفائدة الشركات الملتزمة بسلامة معاملاتها الضريبية وأنها ليست ضمن دائرة المتهربين ضريبيا، مشددا على أن استقرار مناخ الأعمال مرتبط باستقرار التشريعات.

وتقدم الدولة سنويا حوافز ضريبية تقدر بنحو مليار دينار (نحو 380 مليون دولار) للقطاع الخاص، بينما لا يتجاوز حجم الاستثمار 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق التقديرات الرسمية.

وكشف المدير العام للوكالة، سمير البشوال، خلال افتتاح الندوة أن معظم المستثمرين في قطاع الصناعة يرون أن الحوافز الضريبية لا تعتبر دافعا أساسيا للاستثمار، وهو ما يشير إلى أن مناخ الاستثمار التونسي مستقر رغم الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.

ووفق مسح أجرته الوكالة وشمل 400 شركة من بين 5 آلاف شركة في القطاع، فإن الحوافز الضريبية تأتي في المركز الرابع في قائمة دوافع الاستثمار، بينها الموقع ومناخ أعمال كل منطقة وتوفر الخدمات اللوجستية.

وشكك محمد صلاح فراد، رئيس الجمعية التونسية للمستثمرين في رأس المال، في دقة المسح. وأشار إلى أن الاستبيان كان من المفترض أن يكون موجها للمستثمرين حتى تكون النتائج أكثر دقة.

وقال إن “نحو 500 شركة تمر بصعوبات مالية بسبب تراجع قيمة الدينار الذي أثر على نشاطها وهي تحتاج إلى إعادة هيكلة في أسرع وقت لإنقاذها من شبح الإفلاس”.

وأكد أن هذه الشركات يجب أن تكون لها الأولوية في الدخول ضمن مظلة الحوافز الضريبية حتى تتمكن من الخروج من أزماتها التي تهدد بتسريح الآلاف من العمال فيها.

10